موسكو: من المستبعد أن quot;يخرجquot; الرئيس الأميركي الجديد باراك اوباما من العراق في المواعيد الموعودة من قبله، وستبقى الولايات المتحدة في وادي الرافدين على الأقل لفترة ثلاث سنوات، وبالتالي سيتعين على العراقيين الصبر على quot;احتلال التحالفquot; الذي مجرد يزيد مصائب ومشاكل بلدهم، ولا يحلها على الإطلاق. ومن الممكن قراءة كل هذا من حيث المبدأ، بين سطور quot;الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة والعراقquot; التي أقرها للتو مجلس وزراء نوري المالكي. ويتعين على البرلمان العراقي إقراره يوم الاثنين القادم، 24 نوفمبر.

وتبدو البنود الأساسية لهذه الوثيقة رائعة، للوهلة الأولى. فيتعين على الولايات المتحدة:

1 ـ سحب كافة قواتها من المدن والمراكز السكانية العراقية صيف عام 2009، وسحب جميع قواتها من العراق في موعد لا يتعدى 31 ديسمبر عام 2011.

2 ـ يمارس العراق الولاية القضائية بحق الجنود الأميركان الذين يرتكبون جرائم خارج المنشآت والمساحات المتفق عليها وخارج الواجب.

3 ـ لا يحق للولايات المتحدة استخدام الأراضي العراقية ممرا أو منطلقا لهجمات ضد دول أخرى.

4 ـ لا تجري كافة العمليات ضد الإرهابيين واعتقال الأشخاص إلا بموافقة السلطات العراقية.

وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية أمام الصحفيين أنه في هذه البنود يكمن جوهر الاتفاقية بالذات. ووافق الرئيس الأميركي جورج بوش على هذه البنود، إذا صدقنا تأكيدات البيت الأبيض، بمضض. وأقدم على تنازلات كانت تعتبر مستحيلة حتى قبل 6 أشهر.

ومن المفروض أن تقر الاتفاقية بصورة نهائية بحلول شهر ديسمبر، وليس بمناسبة أعياد الميلاد. ففي 31 ديسمبر ينتهي تخويل الأمم المتحدة لقوات الاحتلال. وهنا تجدر الإشارة إلى أن مجلس الأمن الدولي أصدر القرار بهذا الشأن في مايو عام 2003، أي بعد شهرين من اجتياح الولايات المتحدة للعراق. وإن الأمم المتحدة مجرد أقرت صلاحيات قوات الاحتلال، لأنه بدونها لشاعت الفوضى في العراق فورا.

أما الاجتياح الأميركي نفسه فكان، حسب اعتراف الخبراء في القانون الدولي، غير شرعي، وجرى على أساس معلومات ملفقة، وكاذبة، قدمت للمجتمع الدولي حول وجود أسلحة دمار شامل لدى العراق. وتخرج quot;الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة والعراقquot; قوات الاحتلال الأميركية من ولاية الأمم المتحدة كليا، وتكسب الاحتلال والعدوان على العراق في عام 2003 في الغالب، صفة شرعية.

هذا ووعد باراك اوباما في خطاباته إبان الحملة الانتخابية، بسحب القوات على مراحل، وإنجاز ذلك صيف عام 2009. إلا أن سحب القوات التام أجل ، وفق الاتفاقية، لأكثر من سنتين كاملتين. ومن المفروض أن يفرح أوباما بقرارة نفسه بهذا، لأن كافة مستشاريه العسكريين يشيرون إلى تسرعه في المواعيد جدا. ومن الممكن الآن تحميل بوش مسؤولية أي تأخير.

وفيما يخص بند ولاية القضاء العراقي على الجنود الأميركان، فهذا مجرد بلف، بالرغم من أنه يبدو عادلا. ولكن المصيبة تكمن في أن جميع الجرائم، قتل الآلاف من سكان العراق المسالمين، ونساء وأطفال، يرتكبها الأميركان إبان تأدية الواجب العسكري بالذات ـ قصف حفلات الزواج والمسيرات السلمية التي يعلنونها تجمعات إرهابيين. ولا يقدم على الظهور خارج قواعدهم لا الأميركان ولا البريطانيون.

والأهم يكمن في أن الولايات المتحدة ستحافظ على تواجدها في العراق حتى بعد عام 2011. فسيبقى هناك خبراء عسكريون أميركان لتدريب قوى الأمن والقوات المسلحة العراقية ( لا يذكر العدد، ولكن الحديث يدور عن عدة آلاف). ومن الممكن، وفق شروط المعاهدة، تمديد تواجد القوات الأميركية، إذا طلب الجانب العراقي ذلك. ومن يضم عدم طلب الجانب العراقي هذا؟

وتشكل ضرورة تعافي الولايات المتحدة والعراق على حد سواء من الحرب العراقية وعواقبها، حقيقة واضحة. ولكن لا يوجد إجماع على كيفية ذلك.

ومع ذلك أفظع شيء فيما يحدث، هو أن الأميركان لدى اجتياحهم العراق، استبدلوا quot;بشكل موفقquot; السنة الحاكمين بالشيعة، ووفروا للأكراد لذة الحكم الذاتي، ويجلس العراق الآن، من حيث الجوهر، على قنبلة انفصال وحرب أهلية موقوتة كبيرة. وقد يؤدي انسحاب القوات الأميركية الفوري إلى سقوط الحكومة الحالية أوتوماتيكيا.

ولذلك فإن الكثير من الخبراء في شؤون المنطقة على حق. لقد حان الوقت لواشنطن ليس فقط للبدء بسحب القوات، بل والبدء بحوار مباشر دون أي شروط، مع دمشق وطهران. فلا يمكن صيانة السلام في المنطقة، حيث يقع العراق، وحيث كل شيء مترابط ومتشابك، دون إشراك كافة جيرانه.