طلال سلامة من روما: يبدو أن وزارة الداخلية الإيطالية ستصطاد ثانية وصفة العام 2002 المتعلقة بترتيب أمور العمال غير الشرعيين هنا بواسطة إعطائهم تصاريح إقامة وعمل! لم يعترف روبرتو ماروني، وزير الداخلية الحالي، بعد، رسمياً بترنح خطته العسكرية تحت ثقل العدد الهائل من المهاجرين غير الشرعيين بيد أن الشهور القادمة ستؤكد لنا بأن ماروني سيستسلم، في النهاية، لاخراج العمال غير الشرعيين، المقيمين بإيطاليا، من أعماق إقامتهم السرية الى السطح، ليتمتعوا بالتالي بجميع حقوقهم الإنسانية المنشودة أوروبياً وايطالياً. بالطبع، سيتم تنظيم إقامة المهاجرين غير الشرعيين بصورة مرنة لتفادي quot;إصابةquot; أعضاء حكومة برلسكوني المتشددين مع الأجانب بالخوف الأمني. ما يزال ماروني يبدي تحفظاً أمام تنظيم الأمور هنا لكن خطوته الجريئة، المرتقبة في الشهور القليلة القادمة، ستساهم في استئصال أكثر من 722 ألف أجنبي من قوقعة الإقامة غير الشرعية. وأكثر من 400 ألف منهم يعمل في بيوت الأسر الإيطالية!

بدأ ماروني يتفهم خطورة الوضع الداخلي. فقساوة قلبه لا تجدي نفعاً. هاهو يزور الجاليات الأجنبية المقيمة هنا وآخرها كانت زيارة الجالية اليهودية بالعاصمة روما للاطلاع على تاريخها الحافل بظواهر الهجرة من بلد الى آخر. كما يتفهم ماروني وضع الأجانب غير الشرعيين، الذي يعملون بأمانة للاحتفاظ بمهنة محترمة هنا. وبات مؤكداً أن موجة الترحيل لن تطال هؤلاء العمال. إذن، لا يبقى أمامه إلا خيار تنظيم إقامتهم اعتماداً على اختبار خضع له قانون بوسي-فيني السابق الذي ما يزال حيز التنفيذ. يمكننا القول أن ماروني سيميز بين أولئك الذين يدخلون ايطاليا سراً للقيام بعمليات السرقة والخطف والاغتصاب وأولئك الذين يقودون عملاً حرفياً واجتماعياً هاماً على الصعيد الوطني.

يذكر أن الحكومة الإيطالية، في ولاية سيلفيو برلسكوني الثالثة، أقدمت على سحب الأجانب من قطاع العمل الأسود مقابل تقديم تصريح الإقامة لكل حائز وحائزة على عقد عمل ولكل من لديه تأمين صحي ولكل أجنبي قادر على إنتاج دخل مالي سنوي. هكذا، نجحت حكومة روما في تنظيم اقامات 700 ألف أجنبي تقريباً، ومنهم 142 ألف روماني و64 ألف من خادمات المنازل.

رابطة الشمال تشكك بمعاهدة لشبونة

في شأن إيطالي آخر وبالحديث عن معاهدة لشبونة تتعلق هذه المعاهدة، الموقع عليها من قبل 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي في 27 ديسمبر(كانون الثاني) من العام الماضي، بأحكام متعددة بشأن توحيد القوانين والإجراءات. وستدخل معاهدة ليشبونة حيّز التنفيذ في ربيع العام 2009، بعد قيام الدول الأعضاء بالتصديق عليها. في هذا الصدد، وافق مجلس الوزراء الإيطالي على اعتناق مسودة قانون للموافقة على هذه المعاهدة التي تعتبر الحلقة الأخيرة في سلسلة تحديث المعاهدة الخاصة بالاتحاد الأوروبي وتلك التي ساهمت في ولادة الكتلة الأوروبية. لكن حزب رابطة الشمال يتحرك لعرقلة الإقرار بهذه المعاهدة عن طريق طلب استفتاء شعبي. لذلك، بدأ موقفه رابطة الشمال الأيديولوجي المتشدد التأثير على صلابة ائتلاف الوسط اليميني على الرغم من تصريحات فرانكو فراتيني، وزير الخارجية الإيطالي، الرامية الى طمأنة الرأي العام حول غياب الانقسامات السياسية في حكومة برلسكوني.

كالعادة، أشاع وزير تبسيط القوانين الإيطالية دون حقيبة، السيد روبرتو كالديرولي، موقف رابطة الشمال إزاء معاهدة ليشبونة. بمعنى آخر، توافق رابطة الشمال على مسودة القانون المتعلق بهذه المعاهدة، بتحفظ. بالطبع، تعكس معاهدة ليشبونة تحسناً واضحاً في محتواها مقارنة بالنص الأصلي الذي رافق ولادة الاتحاد الأوروبي. لكن الإقرار بهذه المعاهدة سيحض ايطاليا على التنازل عن سيادتها وسلطتها العليا، في الداخل. إذن، لا بد من الشعب الإيطالي أن يبدي رأيه عن طريق استفتاء يشمل كل الأراضي الإيطالية من أقصى شمالها الى أقصى جنوبها. ويبدو أن تطمينات فرانكو فراتيني لم تنجح في تخبئة التصدعات داخل حكومة برلسكوني فالعديد من المسؤولين الحكوميين التنفيذيين، من وزراء وبرلمانيين وأعضاء في مجلس الشيوخ، لا يؤيدون موقف رابطة الشمال المتجعرف. إذ لا ينبغي التشكيك دوماً في علاقة ايطاليا مع المؤسسات الأوروبية عن طريق وضع عراقيل ذات صلة بالاستفتاءات التمهيدية.

ولم تتأخر المعارضة الإيطالية عن انتقاد ما وصفته بخطة روبرتو كالديرولي الاستفتائية quot;الجنونيةquot;. فإيطاليا لا تستطيع بعد اليوم الانسحاب من الاتحاد الأوروبي أو التخلي عنه وإلا فإنها ستعيش بعزلة فتاكة ستطيح تدريجياً ببنيتها الاقتصادية والسياسية.