تل أبيب تخشى من زيادة وازع استهدافها
منظومة الردع الإسرائيلية تنحني لصفقة التبادل مع حزب الله

خلف خلف ndash; إيلاف:
صفقة تبادل الأسرى مع حزب الله المتوقع إتمامها قريبًا تشعل نقاشًا عامًا مركزًا في إسرائيل يأخذ اعتباراته من الثمن المدفوع مقابل العوض المحصول عليه، وبمعنى أوسع وأشمل، ما مدى مساس الصفقة بقواعد الردع الإسرائيلية؟ الأخير كمفهوم تزداد صعوبة قياس أبعاده ومعانيه النفسية والإستراتيجية والسياسية باعتبار ثمن الصفقة مع حزب الله سيكون بخسًا، مقارنة مع تبادل أسرى مع حركة حماس، والذي يتوقع أن يكون ثمن تحقيقه أعلى واشد تعقيدًا.
الردع في أحد صوره يعني التهديد باستعمال القوة أو العقوبة، بقصد منع إجراء عنيف من الخصم. وكلما ضعفت درجة الردع، زاد استعداد الطرف الآخر للتحدي والمجازفة في الهجوم. فمثلا، رأت إسرائيل في اسر جنودها عام 2006 استهتارًا بسيادتها وقوة ردعها، لذلك قررت الخروج للحرب على عجل، تحت غطاء استعادة جنودها وتلقين المهاجمين درسًا لن ينسوه، لم تحرز مطلبها الأول، فعادت لمواقعها، وقبلت بالتفاوض.
ولكن توقيع الحكومة الإسرائيلية على صفقة التبادل مع حزب الله، يولد داخلها هذه الأيام انتقادات وأصوات معارضة، مبعثها التخوفات من زيادة وازع عمليات خطف جنودها ومواطنيها لدى الجهات المعادية، كنتيجة للرضوخ لشروطهم ومطالبهم. فإسرائيل عمومًا دولة تولي أهمية كبيرة لمنظومة ردعها، بصفتها وسيلة فعالة للمحافظة على ثقلها وقوتها في المنطقة. ولم يكن شنها للحرب الأخيرة على لبنان اعتباطيًا وقرارًا مفاجئًا، بقدر ما اتصل بإعادة الهيبة لجيشها، عبر تفعيل منظومة أمنها: الإنذار المبكر، والردع، والحسم.
وبالنسبة لاثار صفقة التبادل المحتملة مع حزب الله على منظومة الردع الإسرائيلية يوجد ثلاث وجهات نظر. أصحاب النظرة الأولى يرون أن رضوخ تل أبيب لشروط نصر الله بعد كل الخسائر في الحرب لهو صفعة شديدة، فهذا الأجراء سيقلص أكثر فأكثر الصورة الردعية لإسرائيل في وجه قوات غير نظامية. فالإحساس بالنصر لدى حزب الله من شأنه أن يدفع الحزب إلى التطلع لمزيد من الانتصارات على إسرائيل.
ولذلك يجرى اليوم الأربعاء بحث في المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي حول اتساع التهديدات على إسرائيل وتعاظم قوة حزب الله. ونقلت صحيفة معاريف عن مصدر أمني إسرائيلي كبير قوله: quot;اتفاق 1701 الذي وقع بعد حرب لبنان الثانية على شفا الانهيار التام. فالسوريون يسلحون حزب الله بشكل حثيثquot;.
وأضاف المصدر ذاته: quot;لا أريد أن أتحدث عن معاني الحرب الآن. في هذه اللحظة لا يوجد لإسرائيل سبل للتصدي لتسلح حزب الله، باستثناء نشاطات دبلوماسية يحاول وزير الدفاع ايهود باراك المبادرة إليها حيال وزراء خارجية دول الشرق الأوسط وأوروباquot;.
ومقابل وجهة النظر السابقة، يرى آخرون أن تنفيذ الصفقة والإفراج عن سمير القنطار الذي أصبح لدى حزب الله شخصية رمزية في نضاله ضد إسرائيل سيؤدي إلى تقليص دافعية حزب الله - والسكان اللبنانيين الذين تعمل الحركة في أوساطهم ndash; للقيام بأي عمل عسكري ضد إسرائيل، وبخاصة أن حزب الله يعلم الآن جيدًا أن الأثمان التي سيدفعها في حال تحرش عسكريًا في إسرائيل عالية جدًا. أيضا بحسب وجهة نظر وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني فأن صفقة التبادل أوجدت الظروف الملائمة لتجريد الحزب من سلاحه.
وقالت ليفني أمس أثناء تجولها على مدى ساعات طويلة على طول الحدود الشمالية مع وزير الخارجية الايطالي فرنكو برتيني: quot;نشأت الآن فرصة لنزع سلاح حزب الله ومحظور أن نفقدها. إذا لم نفعل ذلك الآن فسيكون من الصعب جدا عمله بعد ذلكquot;.
أما أصحاب وجهة النظر الثالثة، فيعتقدون أن صفقة التبادل مع حزب الله لن تؤثر على صورة إسرائيل الردعية، على اعتبار قوة إسرائيل العسكرية تضمن أن يظل ردعها العام محفوظًا في الشرق الأوسط، فإسرائيل رغم رضوخها لمطالب حزب الله بتبادل الأسرى يبقى توازن القوى لصالحها، فهي تمتلك أسلحة متطورة هي الأشد فتكا في المنطقة.
وخلاصة القول إن تنفيذ صفقة التبادل بين حزب الله وإسرائيل سيقلص قواعد اللعب بينهما، ولكنه لن ينسف تمامًا منظومة الردع غير التناسبي القائمة بين الطرفين، ولعل تقليل الأمين العام لحزب الله حسن نصر من ظهوره العلني منذ انتهاء الحرب لخير دليل على ذلك. بمعنى آخر سيواصل حزب الله امتناعه عن العمل المضاد لإسرائيل، بينما الأخيرة ستبتعد عن استفزازه عسكريًا، وستحث على الدوام الأطراف الدولية لنزع سلاحه. وتبقى حساسية الموقف أرض خصبة لتوليد المفاجآت.