واشنطن: مع قدوم إدارة جديدة إلى البيت الأبيض بعد ثماني سنوات من التراجع والإخفاقات في السياسة الخارجية الأميركية، انشغلت الأوساط السياسية العربية والأميركية المهتمة بقضايا منطقة الشرق الأوسط بتساؤل رئيس مفاده: ماذا ستقدم إدارة الرئيس أوباما إلى منطقة الشرق الأوسط؟.

وحول هذا التساؤل نجد أن هناك انقسامًا داخل الأوساط العربية حول التغير في السياسة الخارجية لإدارة أوباما تجاه منطقة الشرق الأوسط. حيث يرى تيار أن أوباما سيحدث تغييرًا راديكالًّيا في السياسة الخارجية الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط، في حين يرى الاتجاه الآخر أن التغير سيكون تكتيكيًّا بما يخدم المصلحة الأميركية؛ لأن هناك ثوابت للسياسة الخارجية الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط. ومستندين في تحليلهم إلى تعقد وتشابك عملية صنع السياسة الخارجية الأميركية وأن واشنطن دولة مؤسسات.

وفي هذا الصدد اشتركت مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي Carnegie Endowment for International Peace ومشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط في حلقة نقاشية أدارها أندرو ألبيرتسون، المدير التنفيذي لمشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط. وقد ركزت الحلقة النقاشية على طرح استراتيجيات لتعامل إدارة أوباما مع منطقة الشرق الأوسط، والتي من شأنها تحسين العلاقات الأميركية ndash; الشرق أوسطية بعد ثماني سنوات عجاف من التراجع والتدهور.

وقد شارك في تلك الحلقة النقاشية كل من هشام ملحم، مدير مكتب قناة العربية بواشنطن. وميشيل دون كبيرة الباحثين بمؤسسة كارنيجي ومديرة تحرير نشرة الإصلاح العربي Arab Reform Bulletin التي تصدر عن مؤسسة كارنيجي. وشاركت في الحلقة أيضًا المديرة التنفيذية لشبكة الأمن القومي هيزر هورلبورت، وسكوت كاربنتر أحد كبار باحثي معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، ورئيس مشروع تابع للمعهد يحمل اسم quot;فكرةquot;.

لابد من مواجهة المشكلات

في البداية يؤكد ملحم أن منطقة الشرق الأوسط أحد المناطق التي تموج بالصراعات والنزاعات التي تفرض ذاتها على أي رئيس أميركي للتدخل وأن يكون له دور في حلها. ويضيف ملحم أن الرئيس الأميركي الجديد، باراك أوباما، يرث من خلفه الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الابن، quot;شرق أوسط أكثر مقاومة للولايات المتحدةquot;، ويرى أن هذا نتيجة تراجع دور القوى الإقليمية في المنطقة وإلى حالة التناحر والتجزئة التي تسود المنطقة حاليًا على المستويات كافة، وفي مداخلته رأى أن غزة وتدهور الأوضاع تفرض ذاتها على إدارة أوباما وهو الأمر الذي يتطلب إحداث تغيير في سياسة أوباما عن سياسة سلفه.

ويُضاف إلى ذلك تزايد حدة الصراعات والنزاعات سواء الجديدة أو المستمرة والتي زادت من النظرة التشاؤمية العربية للدور الأميركي في منطقة الشرق الأوسط. وقد عدد ملحم عددًا من الصراعات التي تسببت فيها الولايات المتحدة مشيرًا إلى حرب الخليج الثانية في بداية تسعينيات من القرن المنصرم والتي أضافت إلى المشكلات العربية التي تسببت فيها الولايات المتحدة القضية العراقية. ومضيفًا الحرب الأميركية على الإرهاب التي بدأتها واشنطن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، فضلاً عن الغزو الأميركي للعراق في مارس 2003 والأزمة في قطاع غزة، وتلك المشكلات تُثقل من مهمة الإدارة الأميركية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط.

وعن إيران التي أعلن أوباما في حملته الانتخابية أنه على استعداد للتحاور مع قياداتها، والعمل على إحداث تغيير في السياسة الخارجية الأميركية المتبعة منذ ثلاث عقود منصرم، يرفض سكوت كاربنتر، والذي عمل في السابق نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية quot;كونداليزا رايسquot; لمكتب شئون الشرق الأدنى في الفترة ما بين 2004 و2007، تركيز إدارة أوباما على الملف النووي الإيراني فقط. ولكنه يرى أن تتحدث الإدارة مع إيران في كل القضايا على الطاولة التي تضم بالإضافة إلى الملف النووي الإيراني قضايا الديمقراطية، حقوق الإنسان، والدور الإيراني في المنطقة والقضايا الأخرى التي تثير هواجس أميركية من إيران.

وعن سياسة الإدارات الأميركية السابقة في التعامل مع صراعات وأزمات المنطقة رفضت دون، التي عملت في السابق بوزارة الخارجية الأميركية لمدة عقدين، النهج التفكيري الذي اتبعته أغلب الإدارات الأميركية لاسيما إدارتي الرئيسين الأميركيين السابقين، بيل كلينتون وجورج بوش الابن، الذي ركزت على أن نشر وتدعيم الديمقراطية في المنطقة هو السبيل الوحيد لحل مشكلاتها ونزاعاتها، فهي ترى أن هذا النهج لم يحل الصراعات والأزمات الشرق الأوسطية المتأزمة والمستمرة منذ فترة طولية، والتي لها جل التأثير على شعوب المنطقة.

وعن نهج إدارة أوباما للتعامل مع قضايا المنطقة ترى هيزر هورلبورت أن على أوباما التركيز والانخراط مع شعوب المنطقة من خلال إرسال مبعوثين للحديث مباشرة مع الشعب العربي. وتدعو هورلبورت نائب الرئيس، جوزيف بايدن، ووزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، لبذل كثيرٍ من الجهود في هذا الإطار، لما لهما من خبرة وتاريخ طويل في الشئون الخارجية.

تغيير من لهجة الديمقراطية

واتفق المشاركون في الحلقة النقاشية على ضرورة تغيير إدارة أوباما من رسائلها إلى منطقة الشرق الأوسط لاسيما فيما يخص قضية الديمقراطية، ولكنهم اختلفوا حول مدى ضرورة اختلاف سياسات إدارة أوباما عن السياسات التي اتبعتها إدارة سلفه.

ومن جانبه أثار كاربنتر تساؤلين رئيسين حول قضية الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، هما: هل يجب علينا نشر الديمقراطية؟ وكيف ننشرها؟. ويرى كاربنتر أن نجاح الولايات المتحدة في نشر الديمقراطية في المنطقة يرتبط بأربعة أمور محورية أولها : الشراكة التي تقوم على تجنب فرض سياسات على دول المنطقة ولكن من خلال التشارك مع حكومات وشعوب المنطقة، وثانيها: يتمثل في تجنب تبني خطابات لا تحقق شيئًا على أرض الواقع ولكن التركيز على الأهداف الواقعية والممكنة. في حين يتمثل ثالثها: في تحقيق سلام دائم ومستمر، وأخيرًا: نشر حقوق الإنسان من خلال تأكيد الالتزام الأميركي بهذه القيم.

وفي هذا السياق قال ملحم: إن سياسة الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش، في منطقة الشرق الأوسط باءت بالفشل ويدعو الرئيس الأميركي الجديد إلى التخلي عن هذا النوع من السياسات التي يطلق عليها ملحم quot;استراتيجيات طموحة جدًاquot; للتعامل مع منطقة الشرق الأوسط، قائلاً: إن الديمقراطية لا يمكن فرضها بالقوة. وأكد ملحم أيضًا أنه يجب أن توضح الإدارة الأميركية الجديدة لشعوب وحكومات منطقة الشرق الأوسط أن واشنطن ليست مسئولة عن الفشل في المنطقة، ولكنهم أيضًا مسئولون عن الحالة المؤسفة لمجتمعاتهم.

ومن جانبها أكدت دون أن الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة باراك أوباما بحاجة إلى تعديل سياساتها في منطقة الشرق الأوسط. وترى أن على الإدارة إعادة بناء علاقاتها مع شعوب وحكومات المنطقة على حد سواء. وترى دون أن هذا لا يمثل رجعة عن سياسات إدارة بوش ولكن باعتماد سياسات أكثر عدلاً وإنصافًا بالمنطقة، فترى دون أن مفهوم العدالة تراجع كثيرًا في السياسة الخارجية الأميركية لذا تدعو إدارة أوباما إلى استخدام الولايات المتحدة نفوذها في خدمة العدل والسلام من أجل تحسين صورة واشنطن.

وتعترف هورلبورت بأن هناك عددًا من التحديات تواجه إدارة الرئيس أوباما بمنطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي ولكنها تقول: إنه في ظل تلك التحديات الجمة فإن أوباما سيحقق نتائج إيجابية في وقت قصير.
وترى ألاَّ يركز أوباما على مهاراته الخطابية ولكن على إحداث تحول حقيقي في السياسة الأميركية على أرض الواقع. وتضيف أن على الرئيس الأميركي فتح صفحة جديدة مع منطقة الشرق الأوسط والعمل على تحسين الصورة الأميركية بالمنطقة التي شهدت تراجعًا إبان فترتي الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش. والعمل على تحقيق التفاهم بين الأميركيين وشعوب العالمين العربي والإسلامي حتى تعم الفائدة والمصلحة على الطرفين.

وعن العلاقة بين الولايات المتحدة والجماعات الإسلامية يدعو ملحم الإدارة الأميركية إلى انتهاج سياسة جديدة مع الجماعات الإسلامية لاسيما تلك التي تنبذ العنف والانخراط في العملية الديمقراطية بدلاً من الإدانة العالمية لتلك الجماعات الإسلامية.

ولتأكيد المصلحة الأميركية يدعو كاربنتر إلى إعلان الإدارة الجديدة بصراحة عن أهدافها ومصالحها في المنطقة وأن تكون هناك مناقشة علنية لها. فضلاً عن التحاور مع شعوب وحكومات المنطقة حول تلك الأهداف والمصالح.


ضرورات تشكيل العلاقات الأميركية - الإسرائيلية

ومع استمرار الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة مع عقد الحلقة النقاشية دعا أعضاء الحلقة النقاشية إلى أن يكون للإدارة الجديدة دور في حل الصراع الفلسطيني ndash; الإسرائيلي، وإلى إعادة تشكيل العلاقات الأميركية - الإسرائيلية.

وفي هذا السياق يرى ملحم أن العلاقات الأميركية ndash; الإسرائيلية والانحياز الأميركي للممارسات الإسرائيلية وتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني تؤدي إلى توتر العلاقات الأميركية ndash; العربية، وإلى تراجع الصورة الأميركية في المنطقة وهو الأمر الذي يفرض على الإدارة إعادة تشكيل علاقاتها مع تل أبيب، ولا يعني ملحم من كلامه تخلي واشنطن عن تل أبيب، لكنه يدعو إلى التعامل مع الصراع العربي ndash; الإسرائيلي بنظرة موضوعية.

ومن جانبه يرى كاربنتر أن أوباما يتمتع بمصداقية في المنطقة لم تتوافر لسلفه جورج بوش تمكنه من تحقيق السلام بالمنطقة، وهذا السلام حسب كاربنتر لا يتحقق إلا من خلال العلاقات القائمة على الشراكة والاعتراف المتبادل، فيقول : quot;عندما تكون هناك فرصة تكون هناك مسؤوليةquot;.