سيدرك الطفل يوسف الزق من قطاع غزة أن هناك حياة وشمس وهواء،و سيعرف الألوان ويلمس الرمل والبحر، وسيصنع طائرته محلقا في سماء لا ينافسه فيها أصوات آهات ولا صرير مفاتيح أبواب تفتح وتغلق بمزاجية السجان، وسيرى خلف القضبان أطفال يشبهونه وبإمكانه اللعب معهم ومصادقتهم . استقبل صباح الجمعة قطاع غزة الأسير الزق عامان ونصف ووالدته الأسيرة فاطمه سعد بفرحة عامرة توحدت فيها مشاعر الفلسطينيين الذين أنهكتهم حرب وحصار احتلال وانقسام أخوة أعداء طيلة سنوات .

وأفرجت إسرائيل عن 19 أسيرة بينها الأسيرة الزق وابنهاquot; يوسفquot;، فيما أرجأ الإفراج عن ابنة شقيقها الأسيرة الـ 20 quot;روضة حبيبquot; إلى بعد غد الأحد .

ويأتي هذا الإفراج في إطار الاتفاق الذي أبرمته حركة quot;حماسquot; وإسرائيل على إطلاقهن بوساطة مصرية وألمانية مقابل تسلم الأخيرة quot; إسرائيل شريط فيديو لمدة دقيقتين يظهر فيه الجندي الأسير جلعاد شاليط quot;.

هنية والطفلواعتقلت إسرائيل الأسيرة فاطمة الزق في 20 أيار ،2007 عندما خرجت بمرافقة ابنة أخيها الأسيرة quot;روضة حبيبquot; لتلقي العلاج في إحدى مستشفيات الضفة الغربية بعد حصولهما على تصريح إسرائيلي بذلك، واعتقلتهما قوات الاحتلال الإسرائيلي عند حاجز بين حانون (إيرز) واتهمتهما بالتخطيط لعملية تفجيرية في داخل إسرائيل ، ثم نقلتهما إلى سجن quot;هشارونquot; وفي مستشفى السجن أنجبت quot;فاطمهquot; طفلها quot;يوسفquot; قبل عام وتسعة أشهر .

وعلت الفرحة وجه الأسيرة فاطمه وهي تحتضن طفلها وتستقبل الجماهير التي جاءت مهنئة لها تحريرها من سجون الاحتلال ، وتحول بيت العائلة في منطقة الشجاعية شرق مدينة غزة إلى أشبه بعرس فلسطيني وامتلأت ساحاته بالمواطنين المهنئين وبقيادات من الفصائل الفلسطينية يشاركون ذوي الأسيرة فرحتهم .

وقال رئيس وزراء الحكومة المقالة إسماعيل هنيه لدى استقباله الزق في مقر مجلس الوزراء بغزة أن هذه الخطوة وإن كانت قصيرة على الطريق المعقد والشائك تفتح باب الأمل لصفقة مشرفة في الأيام القادمة , مشيدا بالدور المصري والألماني لنجاح هذه المرحلة من الصفقة quot;.

ولم تصدق quot;أم سميرquot; 40 عاما ، شقيقة الأسيرة الزق بان حلمها برؤية أختها اكتمل اليوم ، مؤكدة أنها لم تتوقع أن تراها و قد فقدت الأمل بسبب تعنت الإسرائيليين طيلة المدة الماضية ، مشيدة بجهود فصائل المقاومة الفلسطينية في أن يعبر عرسهم اليوم إلى كل بيت فلسطيني بتحرير كافة الأسرى من السجون الإسرائيلية .

وأكدت الأسيرة فاطمة في تصريحات صحافية أن فرحتها لا توصف لأنها وطأت ارض غزة بعد اعتقال دام لسنوات، كما أعربت على أن فرحتها لازالت منقوصة إلا بالإفراج عن كافة الأسيرات اللواتي حملنها رسالة للفصائل الفلسطينية لا سيما الآسرة للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط بان يتم الإفراج عنهن لما يعانينهن ظروف اسر قاسية .

ومنذ لحظة الإفراج عن الأسيرة فاطمة الزق وطفلها يوسف نظمت حركة حماس مسيرات حاشدة لآلاف المواطنين جابت شوارع القطاع, وسط مشاركات لقيادات من الحركة وشخصيات سياسية فلسطينية و من المواطنين المهنئين.

وأعرب الفلسطينيون عن تفاؤلهم بالإفراج عن الأسيرات ، معتبرينها خطوة هامة على صعيد إتمام صفقة تبادل الأسرى الشاملة التي بقيت فترة من الزمن راكدة وتشهد تعنت إسرائيلي.

وتعد هذه الصفقة الجزئية الأولى التي تتم من قبل الفصائل الفلسطينية داخل الأراضي الفلسطينية، وهي ترفع عدد صفقات التبادل منذ العام 1948 وحتى اليوم إلى 37 صفقة، بدأتها عربيا مصر في شباط 1949، وفلسطينيا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في تموز 1968، فيما أنجزت حركة quot;فتحquot; أضخمها في تشرين ثاني 1983، بينما أنجزت quot;الجبهة الشعبية القيادة العامةquot; أزخمها في أيار 1985، وكان أخرها صفقة حزب الله اللبناني التي أنجزت في تموز 2008.

وأبدى الباحث في شؤون الأسرى والمحررين عبد الناصر فروانه تفاؤله بأن تحدث هذه الصفقة المحدودة حركة نشطة في قضية الأسرى التي شهدت تراجعا من الاهتمام بهم خلال السنوات الماضية لصالح معالجة الشؤون الداخلية الفلسطينية ،خاصة فيما يتعلق بملف شاليط الشائك والمعقد، أملا أن تتوج الجهود بالنجاح وأن تثمر المفاوضات غير المباشرة عن صفقة تبادل مشرفة تكفل الإفراج عن الأسرى، خصوصاً الأسرى القدامى الذين تجاوزت مدة أسرهم ربع قرن .وقال في تصريح صحفي وصل إيلاف نسخة عنه quot;على إسرائيل أن تعي جيدا وتدرك فعليا أهمية قضية الأسرى بالنسبة للشعب الفلسطيني، وأن هذه القضية تعتبر بوصلة الأمن والاستقرار بالمنطقة، وإذا أرادت لمثل هكذا عمليات عدم التكرار، عليها أن تتخلى عن معاييرها وأن تدفع استحقاقات الهدوء في المنطقةquot;.

وبخروج الـ20 أسيرة من السجون الإسرائيلية ستبقى نحو 60 أسيرة في السجون يعشن ظروف اسر صعبة للغاية منهم ذوات أحكام عالية وينتظرن بفارغ الصبر أن يرين شمس الحرية خارج السجون ويحتضن أطفالهن.

ويبعث إتمام هذه الصفقة الأمل في بيوت أكثر من ألف أسير من بين 11 ألف آخرون في السجون الإسرائيلية ،قد تضمنهم قائمة الأسرى المنوي الإفراج عنهم ويجرى التفاوض عنها بشكل غير مباشر بين حركة حماس وإسرائيل برعاية ألمانية ووساطة مصرية، وستشهد خلال الأيام المقبلة انفراج على غرار هذه الصفقة الصغرى المنجزة، ما لم يتراجع اي طرف عن موقفه إزاء صفقة التبادل التي شهدت تعنتا إسرائيليا طيلة الأعوام الماضية .