في حوار خاص مع quot;إيلافquot; يقول نائب وزير الخارجية الإسرائيلية داني أيلون إن موقف أوروبا حول القدس الشرقية ليس بجديد، ويؤكد أن إسرائيل لن توافق على إقتراحات تقسيم القدس. ويقترح أيلون التفاوض على كل شيء وطرحه للوصول إلى تسوية، ولكن دون شروط مسبقة. وحول المستوطنات يقول أيلون إنها لم تكن يومًا عائقًا أمام السلام، ويعتبر أنَّ كلَّ من يمحور النقاش في مسألة الاستيطان، إما أن يكون ساذجًا وإما غير معني بالتوصل للسلام.

تل أبيب: جاء داني أيلون، نائب وزير الخارجية الإسرائيلية، على السياسة مباشرة من السلك الدبلوماسي الإسرائيلي حيث عمل لسنوات سفيرًا في الولايات المتحدة، وفي الأمم المتحدة، وهو يدرك على غرار رئس الحكومة الإسرائيلية، بينيامين نتنياهو أهمية الإعلام والدعاية، لكنه خلافًا لنتنياهو لا يجد نفسه ملزمًا بتخفيف حدة الموقف الإسرائيلي، بل إنه لا يرى بؤسًا بالقول إن الإلتزام للناخب الإسرائيلي يسبق أي التزام آخر، وأن القدس والسيادة عليها ستكون حكرًا لإسرائيل.

ويقترح أيلون منهاجًا جديدًا يقضي بالتفاوض على كل شيء ولكن دون شروط مسبقة، بل إنه يرفض الإفصاح أو تحديد موقف من حدود الرابع من حزيران ويعتبرها خطوط لوقف إطلاق النار وليست حدودًا لإسرائيل، ويعلن أن هناك فرقًا بين تعابير القانون الدولي الصرف والتعريفات الدولية لأراضي الضفة الغربية ويرى أن التسمية لهذه الأراضي غير مهمة لأن العبرة في النتيجة النهائية للمفاوضات في حال وافق الفلسطينيون على الدخول فيها دون شروط مسبقة.

وأيلون باعتباره خريجًا ممتازًا للدعاية والدبلوماسية الإسرائيلية، يناور في إجاباته، ولا يتورع عن العودة إلى التاريخ، ما دام يعزز مواقفه، فيستحضر quot;حقيقةquot; أن القدس لم تكن على مدار التاريخ الإسلامي عاصمة، ويلتقط من اتفاقيات رودوس سابقة تاريخية لتبادل أراضي بين إسرائيل وجيرانها العرب عندما بادل الملك الأردني المؤسس، عبد الله الأول منطقة جنوب جبل الخليل بمنطقة المثلث، ثم يبتعد عن التاريخ وحكاياته ليتذكر أننا أبناء اليوم، وأن علينا السير باتجاه حل يقوم على دولتين، عارجا على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، لتمثل مرجعية لتفكيك مستوطنات ومدن بأكملها.

وفي ما يلي نص الحوار:

* تسعى أوروبا في هذه الأيام إلى إقرار مشروعها الجديد بإعلان القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، كيف ترى إسرائيل هذا التحرك الأوروبي وكيف تتعامل معه؟

أيلون: بداية ولمزيد من الدقة، فإن الأوروبيين يحاولون منذ أكثر من ثلاثين عاما طرح تصوراتهم للحل في المنطقة وموقفهم ليس جديدًا، بل هو موقف غير متجانس، وهو يختلف من دولة لأخرى تبعًا لمدة قوة العلاقة مع إسرائيل. في نهاية المطاف لن يكون المشروع الأوروبي بالحدة التي تطلبها دول مثل السويد، وإنما سيكون نتاج تسوية بين مختلف الدول الأوروبية، أو قل بين الدول الصديقة لإسرائيل والدول الأخرى، وسيكون قرارهم على غرار الدعوة إلى إعلان القدس عاصمة للدولتين دون الخوض في التفاصيل، وهذه معادلة سبق وأن استخدمت في الماضي، مثل تصريحات ساركوزي قبل عامين، ووردت في وثائق داخلية للاتحاد الأوروبي ولا جديد في ذلك.

علينا أن نذكر في نهاية المطاف أن الاتحاد الأوروبي صديق جدًا لإسرائيل ونحن نشعر بتقارب كبير تجاه الأوروبيين، أيضًا من الناحية الأيديلوجية ومن الناحية الجغرافية ومن حيث علاقات التبادل التجاري. وهناك مصالح مشتركة كثيرة مع أوروبا.

* ولكن مع ذلك هل ستوافق إسرائيل على اقتراحات تقسيم القدس؟

أيلون: كلا لا أعتقد أن هناك مكانًا لتقسيم السيادة في القدس، وأعتقد مثلاً أن مواطني إسرائيل العرب سيدركون أكثر من غيرهم علاقة الشعب اليهودي بالقدس، فهو ما أبقانا موحدين على مدار آلاف السنين. إسرائيل لن تقبل بطبيعة الحال بهذا الموقف، فنحن نقول إنه لا تقاسم للسيادة في القدس والقدس الموحدة ستبقى عاصمة لإسرائيل. ونحن نقول إنه إذا كانت أوروبا تريد أن تكون طرفًا في الحل فلا يمكن لها أن تحدد موقفًا لصالح طرف وأن تفرض الحل مسبقًا، يجب ترك ذلك لطرفي النزاع ولما ستتمخض عنه المفاوضات.

* ولكن باعتبارك عملت في السلك الدبلوماسي ومطلع على القانون الدولي والمعاهدات الدولية، فإنك تعرف أن التعريف القانوني للقدس الشرقية والضفة هو أنها أراضٍ محتلة، ما هو الموقف الذي على الحكومة الإسرائيلية اتخاذه في حال التناقض بين القانون الدولي وبين الوعود السياسية للناخبين؟

أيلون: هنا أيضًا يجب التمييز بين المستوى الرسمي والقانوني وبين المستوى العملي والسياسي والأيديلوجي وما شابه. فمن الناحية الدولية الصرفة فيمكنك القول إن القدس أو كل ما quot;احتلquot; أو تم تحريره أو السيطرة عليه عام 67 اختر ما شئت من التعابير، فهو ليس مناطق محتلة وأقول لك لماذا، فعلينا أن نذكر أن إسرائيل لا تملك حدودًا شرقية والخط الأخضر هو خط وقف إطلاق النار وتم تحديده بموجب النتائج الميدانية على الأرض خلال حرب quot;التحريرquot;، بل كان هناك تبادل أراضٍ بين الملك عبد الله الأول وبين بن غوريون، مبادلة المثلث بمنطقة جنوب الخليل ولم يتم تحديد أي شيء بصورة رسمية. كما أن كل الضفة الغربية لم تكن خاضعة لأي سيادة فلسطينية بل كانت خاضعة للسيادة الأردنية. هذا من الناحية الرسمية والقانونية وهو وضع شائك للغاية وغير واضح، ولكن من الناحية السياسية والعملية فعلينا هنا أن نرى ما إذا كانت القيادة الفلسطينية مستعدة للقبول بتسوية، وموقفي أو موقف الحكومة الإسرائيلية واضح وهو أن القدس هي عاصمة شعب واحد هو الشعب اليهودي هذا ما يقوله التاريخ، فمتى كانت القدس يومًا عاصمة لشعب آخر.

*ولكن في التاريخ كانت هناك مملكتان يهوديتان دون أن تكون القدس عاصمة لها مملكتي يهودا ويسرائيل..

أيلون مقاطعًا ولكن قبل ذلك كانت مملكة إسرائيل الأولى، ولكن لا بأس هذا النقاش غير مهم هنا، لا مجال هنا للنقاش التاريخي أقول إن المهم هو بناء مستقبل أفضل للجميع، فالمستقبل أهم من النقاش التاريخي وهنا أريد أن أقول إن إيهود براك في العام 2000 وأولمرت عام 2008 عرضا تقسيم القدس وقوبل عرضهما بالرفض لذلك أعتقد أن هذا الموضوع اليوم غير وراد على الإطلاق. كما تذكر كان هناك وزير خارجية إسرائيلي، أبا إيبن الذي قال يوما إن الفلسطينيين لم يفوتوا فرصة لتفويت الفرصة على أنفسهم، وعليه أقول إن الفلسطينيين أضاعوا الفرصة عام 2000 ومرة أخرى عام 2008 يمكن فقط أن نأسف لذلك.

*السؤال هو هل تسير حكومة إسرائيل الحالية، بعد خطاب بار إيلان، باتجاه إقامة دولة فلسطينية أم أن كل ذلك كان مناورة للتخلص من الضغوط الأوروبية والأميركية؟ وهل سيبقى حزبك في الحكومة ويقبل بتقسيم البلاد؟

أيلون: نعم، والدليل أننا لا زلنا في الحكومة بعد خطاب بار إيلان وبعد تجميد الاستيطان ولماذا لأنني أعتقد اليوم، ضع الأيديلوجية جانبا، وضع التاريخ جانبا، فأنا أعتقد أن هناك شعبين في البلاد، فلا اليهود سيختفون ولا الفلسطينيون سيختفون ومن المؤسف أن نبذر كل هذه الموارد على الصراع والعنف وهذا وقت نضيعه نحن وأولادنا في المستقبل. علينا أن نصل لحالة من العيش بتعايش وسلام وأمن دائمين.

إذا كانت الطريق إلى هذا الهدف تمر بإقامة دولة فلسطينية، فأنا أؤيد ذلك. وغالبية المواطنين في إسرائيل اليوم، اليهود والعرب على حد سواء يؤيدون إقامة دولة فلسطينية، طبعا وفق شروط لا تهدد أمننا. وإذا قامت دولة فلسطينية وفق هذه الشروط ونشأ تعاون إسرائيل فلسطيني فيمكن لذلك أن يخلق شرق أوسط جديد.

*لكن هذه الشروط التي تطرحها غير مبنية على حدود الرابع من حزيران؟

إيلون: دعني أقول هنا ما يلي حتى يكون الحديث متسلسلاً ومنطقيًا: مثلما أقول للأوروبيين لا تحددوا لنا شروطًا مسبقة فإنني أقول أيضًا للفلسطينيين تعالوا لنتحدث ونطرح كل شيء على طاولة المفاوضات لنصل إلى تسوية، فأنا أعرف أن لنا مواقفنا مثلما يوجد للفلسطينيين مواقفهم.

*هل هناك خطوط حمراء ترى أنه لا يجب تجاوزها؟

أيلون: لا أحب الحديث عن خطوط حمراء، لماذا علي الخوض في ذلك،وأعتقد هنا أنه يجب أن نعطي كل السبق للحكومة الحالية حقًا وهو ليس بالأمر السهل سياسيًّا، تتحدث عن مفاوضات مباشرة مع السلطة الفلسطينية دون شروط مسبقة أي أن كل شيء مطروح على الطاولة، وإذا أضفت لذلك خطاب بار إيلان، وتجميد الإستيطان، فهذه ظروف مؤاتية لأن يجلس الفلسطينيون معنا على طاولة المفاوضات. أعتقد أن موقف أبو مازن خاطئ، في ما يخص شرط المستوطنات، وهو شرط لم يحدده مع حكومة أولمرت فلماذا يطرحه الآن.

*على ذكر الاستيطان، فإنَّ قرار الحكومة المعلن أدى إلى مواجهات مع المستوطنين، لمن يجب أن تكون السيادة هنا، خصوصًا وأن حاخمات المستوطنات يدعون ويشجعون رفض تنفيذ الأوامر العسكرية؟

ايلون: واضح أن السيادة يجب أن تكون هنا للحكومة الشرعية المنتخبة، فلا يمكن تقسيم السيادة لا في ملف القدس ولا في تقسيم القدس وبالتأكيد ليس هنا في حالة المستوطنات والمستوطنين، ويجب اللجوء إلى كل الطرق اللازمة، وستكون هناك مواجهات وتهديدات، ولذلك أعتقد أن على الفلسطينيين هنا أن يقدروا هذه الخطوات، والشجاعة السياسية لحكومة إسرائيل، فهي حكومة يمين تعمل ضد جمهور مصوتيها ومؤيديها.

*ولكن الجميع يقول إن هذا تلاعب بالكلمات ومناورات ليس أكثر

أيلون: الأمر ليس كذلك. أعتقد أنه لا يجوز لنا الخوض في عمليات حسابية كم بني هنا ولكم هناك، ففي نهاية المطاف الاتفاق النهائي هو الذي سيقرر كل شيء، ففي اللحظة التي نصل فيها إلى اتفاق على خطوط عريضة ومسار للاتفاق لأنه إذا انتبهت جيدا فإن المستوطنات لم تكن يوما عائقا أمام السلام. فقد وقعنا معاهدة سلام مع مصر، وبموجب المعاهدة أزالت إسرائيل مدينة كاملة هي يميت من سيناء، وثارت يومها ضجة لكن سيادة الدولة هي التي قررت في نهاية المطاف، فالقوة الداخلية لدولة إسرائيل تكمن في كونها دولة قانون، وعاد شارون وأثبت ذلك مجددا في غزة، لذلك فإن كل من يمحور النقاش في مسألة الاستيطان والبناء إما أن يكون ساذجا وإما غير معني بالتوصل لسلام.

* الصور بعدسة إيلاف