مأرب: مما لا شك فيه ان اتباع تنظيم القاعدة اكثر عددا حاليا من السياح في منطقة مأرب العاصمة التاريخية لمملكة سبأ وابرز المواقع السياحية في اليمن. وعلى طول الطريق بين صنعاء ومأرب (170 كيومترا شرقا) نشرت السلطات 17 حاجزا امنيا، وهو امر يعطي صورة عن الوضع الامني المعقد على امتداد اليمن. وعلى السياح الغربيين الراغبين بالذهاب الى بعض المناطق خارج صنعاء الحصول على اذن مسبق من السلطات وان يحظوا بمرافقين من قوى الامن او الجيش، وذلك بسبب تهديدين اساسيين: امكانية تنفيذ تنظيم القاعدة هجوما على السياح، وخطر الاختطاف على يد ابناء القبائل.

وحتى في صنعاء، تبدو المخاوف والتدابير الامنية واضحة للعيان، فبعد الهجوم الذي نفذ بسيارتين مفخختين ضد السفارة الاميركية في ايلول/سبتمبر واسفر عن مقتل 19 شخصا بينهم سبعة مهاجمين، اقدمت بعض السفارات الغربية على بناء جدران مقاومة للانفجارات بارتفاع خمسة امتار لحماية مبانيها. ومن ابرز نتائج تراجع الوضع الامني في اليمن ايضا القرار الذي اتخذته في نيسان/ابريل 2008 مجموعة توتال الفرنسية النفطية التي تشارك في مشروع ضخم لانتاج الغاز الطبيعي المسال، اذ طلبت الشركة اجلاء عائلات موظفيها العاميلن في اليمن، وهم حوالى 30 عائلة.

وفي تموز/يوليو الماضي، اعلنت الحكومة الفرنسية اغلاق المدرسة الفرنسية الصغيرة في اليمن واستدعت العائلات كتدبير احترازي. وقال رئيس الشركة اليمنية للغاز المسال الفرنسي جويل فور تعقيبا على هذه القرارات: quot;كان هناك تراكم للامورquot;. والشركة التي يراسها فور هي المسؤولة عن انتاج الغاز الطبيعي المسال ضمن مشروع تشكل فيه توتال المساهم الاكبر. وفي كانون الثاني/يناير 2008، قتلت سائحتان بلجيكيتان وسائقهما اليمني في شرق البلاد في هجوم تبناه الفرع المحلي لتنظيم القاعدة.

وبعد شهرين، تعرضت السفارة الاميركية لاعتداء اول بقذائف هاون، الا ان القذائف اخطأت الهدف واصابت مدرسة للبنات واسفرت عن مقتل شخصين. وفي نيسان/ابريل، تعرض مجمع سكني يقطنه خبراء اميركيون في صنعاء لهجوم بالقذائف الصاروخية، ومن ثم نجت السفارة الايطالية من هجوم بالمتفجرات، فنقلت مقرها الى حي اقل خطورة. وقال فور ان الوضع quot;استقرquot; منذ ذلك الحين بالرغم من الهجوم الثاني على السفارة الاميركية في ايلول/سبتمبر.

وذكر ايضا ان قرار تسفير العائلات واغلاق المدرسة يمكن ان يعاد النظر فيه. وقال دبلوماسي اجنبي يعمل في صنعاء ان quot;البعض يضعون كابول وبغداد وصنعاء في سلة واحدة، لكن التوصيف ليس دقيقا، علينا مقاربة الامر بواقعيةquot;. الا ان اعداد السياح الغربيين ما انفكت تتضاءل، وعمليات الخطف المتعددة التي شهدتها المناطق القبلية، وحتى صنعاء نفسها، تشكل عوامل رادعة بالنسبة للسياح الراغبين في زيارة اليمن.

ونظرا الى عدم وجود بنية تحتية فندقية خارج المدن الكبرى، من غير المتوقع اصلا ان تتحول السياحة في اليمن الى ظاهرة كبيرة. الا ان التاريخ الغني لليمن منح هذا البلد الفقير الامل بخلق سياحة عالية المستوى تساعده على تنويع مصادر دخله، الا ان هذا الامل يواجه عقبات حقيقية. وقال السائح الايطالي بيو تومادا (60 عاما) عند مدخل فندق كبير في صنعاء quot;انا لست خائفا ابداquot;.

وكان تومادا يستعد للمضي في رحلة سياحية مع سياح ايطاليين، وانما مع مرافقين يمنيين. الا ان السياحة تضاءلت في مأرب منذ تعرض سياح اسبان لهجوم في تموز/يوليو 2007 اسفر عن مقتل ثمانية منهم اضافة الى سائقين يمنيين. وحصل الهجوم امام مدخل quot;محرم بلقيسquot; تماما، وهو من اهم معالم بقايا مملكة سبأ.

وما زال حارس الموقع منذ 12 عاما علي احمد مصلح يتذكر الحادثة. وقال الحارس quot;قبل الهجوم كان (محرم بلقيس) الموقع الاثري الذي يستقطب اكبر عدد من الزوار في مأربquot;. وذكر ان ما بين 40 و60 سائحا كانوا يزورون المكان في السابق، واحيانا اكثر من ذلك، اما الان، فهو يكون سعيدا جدا اذا ما زار الموقع خمسة او ستة سياح يوميا.