واشنطن: بعد كل ما قيل وما تم القيام به،يتبدى أن الأقوال أكثر من الأفعال... لقد كان خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في القاهرة رائعاً وجميلاً من حيث الصياغة، لكنه لا يمثل تغييراً واضحاً في السعي الى تحقيق صيغة الدولتين كحل للمشكلة الفلسطينية المزمنة.

وليس تجميد اعمال الاستيطان في الضفة الغربية هو القضية، ولا يمكن لرقي خطاب أوباما حجب تواضع أجندته الاستراتيجية، أما المحنة القاسية للاجئين الفلسطينيين المتروكين للإهمال والحرمان في مخيماتهم بالدول العربية الأخرى، فبالكاد تم الاعتراف بهم.

وكان تسعة رؤساء أميركيين رفعوا سباباتهم محذرين إسرائيل، وطلبوا منها وقف توسيع المستوطنات اليهودية، إلا أن الطمأنة الودية من الكونغرس الأميركي وحتى الغمز بالموافقة الذي حصلت عليه الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة من إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش جعل تل أبيب تتجاهل التوبيخ اللطيف وتتابع توسعة الاستيطان.

ويجمع جورج ميتشل، المبعوث الخاص للبيت الأبيض الى الشرق الأوسط الكم الأكبر من معلوماته من وسائل الإعلام الإسرائيلية، حيث أظهر تقرير حكومي سري من 262 صفحة حصلت عليه صحيفة quot;هآرتسquot; الاسرائيلية كيف تجاهل الجيش الإسرائيلي التوسع المطرد للمستوطنات على الأراضي المملوكة للفلسطينيين،من دون دفع تعويضات، وهو المكلف بمراقبة الأراضي المحتلة، بما فيها الحفاظ على حقوق الفلسطينيين.

وأعلن رئيس وزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بوضوح أن المستوطنات آخذة في التوسع لمراعاة quot;النمو الطبيعيquot; للسكان، أي ولادة 10 آلاف طفل جديد سنوياً. ما يستوجب بناء مزيد من المدارس والمستشفيات والمساكن الجديدة على أرض كانت ستصبح الوطن الفلسطيني.

أما المشكلة الحقيقية التي لم يشر إليها أوباما عندما تحدث عن حل الدولتين، فليست إلزام اسرائيل بتجميد النشاط الاستيطاني، بل تفكيك نحو 160 مستوطنة تؤوي أكثر من 400 الف يهودي وتصل الى القدس الشرقية،وقد ولد الكثير من مستوطني الضفة الغربية اليهود في الولايات المتحدة، واختارت غالبيتهم الساحقة ان يصبحوا رواداً في ما يعتبرونه أرض الأجداد في اسرائيل.

وهذا يعني أنه حتى لو نوقشت معاهدة سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فلا يمكن تنفيذها في الضفة الغربية، التي تشبه قطعة من الجبنة السويسري، تخرقها مستوطنات اسرائيلية. ويمتد الجدار الفاصل، الذي يبلغ طوله 400 ميل( نحو 640 كيلومتراً) وكلفته 2.5 مليار دولار،كالثعبان داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها حتى عمق 4 أميال.

وتؤوي بيت لحم على سبيل المثال 170 الف فلسطيني،يتمركزون بغالبيتهم في ثلاث بلدات،أما المياه الجوفية في الضفة الغربية فتسري تحت المستوطنات من الشمال إلى الجنوب. كذلك،أوضح الاسرائيليون أن الدولة الفلسطينية، في حال قيامها، لن تمارس اي حقوق على أرضها، وستكون أيضاً أرضاً منزوعة السلاح، مما يعني انه سيسمح لها بامتلاك وحدات من الشرطة فقط.

ولن تتنازل اسرائيل عن سيادتها على القدس الكبرى.أما بالنسبة للفلسطينيين،فالقدس الشرقية هي العاصمة أو لا اتفاق. وتعتزم اسرائيل الاحتفاظ بسياج امني على طول نهر الأردن لمنع quot;الإرهابيينquot; من التسلل لارتكاب هجمات انتحارية في الضفة الغربية.

ولكن للجدار هدف آخر: فـ90% تقريباً منه يقع داخل الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، محاصراً المدن والقرى الفلسطينية، عازلاً العائلات وفاصلاً المزارعين عن اراضيهم والعمال عن أماكن عملهم. ويشارك في الفصل أكثر من 50 مستوطنة يهودية.

وبدأ إنشاء الجدار عام 2002، وتقول اسرائيل أنه بناء مؤقت سيهدم مع تحقيق السلام، وهو اليوم يؤمن الحماية لأكثر من 50 مستعمرة يهودية. وفي عهد الرئيس السابق جورج بوش، لم تقبل الولايات المتحدة الأميركية بفتح حوار إلا مع مسؤولين فلسطينيين quot;لا علاقة لهم بالإرهابquot;، مما يعني استبعاد حماس،..لكن أوباما يعيد حماس الى الطاولة. اما نتنياهو فيقول أن لا جدوى من الحث على إجراء محادثات مع الفلسطينيين قبل أن يعترفوا بصوت موحد وقوي بإسرائيل. وهذا ما يُبعد حماس مجدداً.

ويشعر القادة الاسرائيليون ان بوسعهم الاعتماد على العديد من أصدقائهم في الكابيتول هيل، ممن سبق وان أبدوا تحفظات على محاولات أوباما الضغط على اسرائيل للتوصل إلى حل الدولتين.
ويظهر اعتذار أوباما عما فعلته الولايات المتحدة لإيران عام 1953 غياباً مخيفاً للذاكرة المؤسسية. فقد سبق ان شهدنا صعود وسقوط رئيس الوزراء الايراني محمد مصدق قبل نصف قرن. وأوباما كما الرؤساء الديمقراطيون الذين سبقوه، يأسف لانقلاب سهلته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لمنع ايران من التحول إلى جزء من الامبراطورية السوفييتية.

وكان مصدق، كما سلفادورالليندي في تشيلي، ألعوبة في أيدي الشيوعيين. ففي إيران كان هناك حزب quot;تودهquot; الشيوعي. وقد بقي، على الرغم من مرور أربعة أشهر على وفاة ستالين، خاضعاً لإرادة موسكو، كما كل الأحزاب الشيوعية في العالم. وإثر إعادة الشاه الى الحكم بعد أسبوعين من النفي إلى روما، استُبعد الحزب بوحشية من قبل قوات الأمن الإيرانية وانتقل مقره الى برلين الشرقية.

وندد أوباما بنظريات المؤامرة حول هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001. وكان الجنرال حميد غول، رئيس الاستخبارات الباكستانية السابق، أول شخصية بارزة تطلق أضاليل مفادها أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والموساد الاسرائيلي نظموا ضربة 11 ايلول/سبتمبر لاعطاء ادارة الرئيس جورج بوش ذريعة لشن حرب على الاسلام.

وللسخرية اليوم، يصدق عدد كبير من الصحافيين الباكستانيين هذه المقولة،وقد بيع في أوروبا اكثر من 3 ملايين كتاب تروج للنظرية نفسها. كما أن ملايين العرب يصدقونها، وقد امتد هذا السم المعادي لأميركا الى اربع قارات،حيث تطلب ذلك من أوباما أكثر من نصف جملة فقط في خطابه التاريخي.