أشرف أبوجلالة من القاهرة: ترصد وكالة quot;إنتر برس سيرفسquot; غير الحكومية والتي تتخذ من مدينة روما مقراً لها في تقرير مطول نشرته اليوم حقيقة حالة الانقسام الواضح بين صفوف المسيحيين الأقباط في مصر حول هوية الشخص المفضل بالنسبة لهم لخلافة الحكم في مصر. وتقول الوكالة إنَّه في الوقت الذي عبر فيه قادة الكنيسة المسيحية القبطية عن دعمهم لجمال مبارك، نجل الرئيس حسني مبارك، خرج بعض الناشطين من الأقباط ليطلقوا دعوات عبر الانترنت بغية القيام بإضرابات وتظاهرات ضد ما يرون أنّه تحيز حكومي رسمي ضد المسيحيين، وذلك في إشارة تعكس حالة الانشقاق الموجودة بداخل المجتمع القبطي المصري حول هوية الشخص الذي يفضلونه رئيساً مستقبلياً للبلاد.

وفي حديثه مع الوكالة، قال يوسف سيدهم، رئيس تحرير جريدة quot;وطنيquot; القبطية الأسبوعية :quot; لا تُمثِل التعليقات التي أطلقت لتأييد جمال مبارك من جانب مسؤولي الكنيسة رأي الأقباط المصريين كافة. كما لا تُمثِل النداءات التي أطلقها ناشطون أقباط عبر شبكة الإنترنت للقيام بتظاهرات إلا آراء أقلية صغيرة بداخل المجتمع القبطيquot;. ثم يمضي تقرير الوكالة ليشير إلى أنّ المسيحيين الذين تُقدر أعدادهم بنسبة تتراوح ما بين 6 إلى 12 % من إجمالي سكان مصر البالغ عددهم 82 مليون نسمة، وذلك على الرغم من صعوبة تحديد الأرقام الدقيقة. كما ينتمي معظم المسيحيين للأرثوذكس المصريين، أو الكنيسة القبطية، أما النسبة المتبقية فأغلبهم من المسلمين السُنَّة.

وأبرز التقرير تلك التصريحات المثيرة التي أدلى بها البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، قبل عدة أسابيع والتي قال فيها إن الأغلبية تحب جمال مبارك وتفضِّلُه عن أي شخص آخر، حيث تسببت تلك التصريحات في إحداث زوبعة في الصحافة المستقلة والمعارضة على حد سواء. فقال الكاتب الصحافي القبطي جمال أسعد في افتتاحية له تحت عنوان ( البابا والتوريث ) بعدد الخامس من أغسطس / آب الجاري لصحيفة الدستور المصرية :quot; من أين أتى ( البابا ) بالفكرة التي تقول أنّ أغلبية الشعب يُفضل جمال ؟ هل قام بإجراء استفتاءاً وطنيا ً؟ quot;

ثم عاود سيدهم، الذي تربطه علاقة وطيدة بالكنيسة، ليُشدِّد على أنّ تعليقات البابا لا تُمثل رأي الأقباط المصريين جميعا ً. ونقلت عنه الوكالة قوله :quot; إن البابا شنودة هو قائد المجتمع القبطي المصري في الأمور الروحانية فقط، وليس السياسية منها. كما أنّ رأيه في جمال هو رأي شخصي مبني على اعتبارات شخصية. هناك ما يقرب من عشرة ملايين من الأقباط في مصر من جميع المشارب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المختلفة. ومن المثير للسخرية أنْ يُقدِم الجميع دعمه لجمال مبارك لمنصب الرئيسquot;.

ولم تنجو تعليقات البابا شنودة أيضا ً من انتقاد حافظ أبو سعدة، الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان ومقرها القاهرة، الذي قال عنها إنّها quot;سياسية على نحو غير معهودquot;. ونقلت عنه الوكالة قوله :quot; مع كل الاحترام للبابا، الذي عادة ً ما يتجنب الخوض في القضايا السياسية المثيرة للجدل، فإنه ليس في الوضعية التي تتيح له اتخاذ مثل هذه المواقف. وتدعو المنظمة المصرية لحقوق الإنسان جميع المؤسسات الدينية، مسيحية وإسلامية، للبقاء على مسافة آمنة من حدود عالم السياسةquot;.

وبالرغم من ذلك، فلم تكن تعليقات البابا هي التعليقات الكنسية الوحيدة التي عبرت عن تأييدها لجمال مبارك، فعلى هامش اجتماع الرئيس مبارك الأخير إلى نظيره الأميركي باراك أوباما في واشنطن قبل بضعة أيام، أعلن أيضا ً المطران الأنبا بيشوي، سكرتير السينودس المقدس بالكنيسة القبطية المصرية أن المصريين يحبون جمال مبارك. كما ذهب بيشوي ليعبر عن ثقته في quot;قدرة جمال على قيادة مصر في المستقبلquot;. كما حظي جمال بدعم وتأكيد المطران الأنبا مرقس، الناطق باسم الكنيسة، حيث وصفه بأنَّه quot; نوعية الرجل الاقتصادي الذي تحتاج البلاد لشخص مثلهquot;.

وفي محور هام آخر، يعود التقرير لينقل عن أبو سعدة ، قوله :quot; يعكس دعم الكنيسة الواضح لجمال ndash; بشكل جزئي على الأقل ndash; حقيقة مشاعر الخوف طويلة الأمد التي تسيطر على الأقباط من خطر تشكيل حكومة إسلامية. وتابع هنا بالقول :quot; يؤيد الأقباط في مصر الحزب الوطني الحاكم بسبب خشيتهم في المقام الأول من ظهور بديل إسلامي، يخشون من أن يؤثر سلبا ً على حقوقهمquot;. كما حذر أبو سعدة مما أسماه quot; التعميم حول التوجهات السياسية لجميع الأقباطquot;، وقال:quot; في انتخابات عام 2005 البرلمانية، أصدرت الكنيسة أوامرها للأقباط بأن يصوتوا لصالح مرشحي الحزب الوطني الحاكم. وبالرغم من ذلك، فقد شهدت تلك الانتخابات تصويت الأقباط لصالح مرشحي جماعة الإخوان المسلمين في بعض الحالاتquot;.

وفي النهاية، أبرزت الوكالة حالة التضارب في الآراء داخل صفوف المجتمع القبطي بشأن المرشح الذي يفضلونه للانتخابات الرئاسية المقبلة، وقالت إنه وفي الوقت الذي أعلن فيه مسؤولو الكنيسة دعمهم لجمال مبارك، يوجه بعض الناشطين الأقباط اتهاماتهم للحزب الوطني بإيواء حالة من التحيز الرسمي ضد المسيحيين الأقباط. وأشارت الوكالة في هذا الإطار إلى تلك الدعوة التي أطلقتها إحدى الجماعات على شبكة التواصل الاجتماعي quot;فيس بوكquot; في الأسبوع الأخيرة من شهر يوليو / تموز الماضي لحث الأقباط على تنظيم إضراب عن العمل في الحادي عشر من شهر سبتمبر / أيلول المقبل، وهو اليوم الذي يوافق بداية السنة القبطية الجديدة. وفي المقابل، كان موقف الكنيسة واضح، حيث أعلن ناطق باسمها أنها quot;لن تشارك في هذا الإضراب، كما أنها لا تعني بالخوض في الشؤون السياسيةquot;.