إعداد عبدالاله مجيد: كتبت مجلة quot;الايكونومستquot; البريطانية في عددها الأخير مقالا تتناول فيه موقع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وآفاق مستقبله السياسي بعد تفجيرات الاربعاء وانفراط عقد الائتلاف العراقي الموحد وبقاء حزب الدعوة الذي يتزعمه خارج التحالف الجديد. وجاء في المقال:
تتطور السياسة العراقية في موجات مثلها مثل المراهق الذي تتغير هورموناته. خذوا الأسابيع الماضية. فالتمرد المسلح انتعش ليبلغ ذروته بسلسلة من الهجمات الجريئة والدموية في قلب بغداد. هذا الحدث قلب حظوظ رئيس الوزراء نوري المالكي رأسا على عقب. فالرجل الذي يُفترض انه دجن الارهابيين يبدو الآن وكأنه يمت الى الماضي بدلا من تقدمه نحو فوز سهل في الانتخابات المقبلة. وان خصوما يحتشدون لمنازلته وتحالفات قديمة أخذت تنفرط. وكل ما يعرفه العراقيون على وجه التأكيد انهم وصلوا منعطفا آخر في تاريخهم المضطرب منذ الغزو.
المفاجأة الأكبر هي تفكك المؤسسة السياسية الشيعية. فالغالبية الشيعية المظلومة في زمن صدام حسين خطفت السلطة في اول انتخابات حرة وتشبثت بها في مواجهة أزمات لا تنتهي. وأفادت حكوماتهم من وحدة الطائفة التي حافظوا عليها عنوة وبالمساومات. ولكن أكبر الأحزاب الشيعية وهو المجلس الأعلى الاسلامي العراقي وبعض حلفائه قاموا في 24 آب/أغسطس بإبعاد السيد المالكي ، الشيعي هو الآخر ، وشكلوا قائمة جديدة هي الائتلاف الوطني العراقي الذي سيقف في مواجهة حزب الدعوة في الانتخابات الوطنية المقررة في كانون الثاني/يناير.
العامل المساعد في هذا كان تفجيرات بغداد الاسبوع الماضي التي دمرت وزارتي الخارجية والمالية متسببة في مقتل 95 شخصا. وكان المالكي طرح نفسه ضامن عراق آمن مستقر مدعيا تصديه للمسلحين ورد الايرانيين على أعقابهم وإرسال الاميركيين الى ثكناتهم. وكان هذا أكسبه شعبية على نحو غير متوقع خلال العام الماضي. وبعد ما كان مغمورا سياسيا من الناحية العملية راح يفكر في أن اعادة انتخابه في متناول اليد. ولكن على امتداد الاسبوع الماضي دأب التلفزيون العراقي على اعادة بث شريط الفيديو الذي تظهر فيه شاحنة تتقدم صوب وزارة الخارجية وتنفجر. العراقيون يسمونها نسختهم من هجمات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر. وفي غضون ايام فقد المالكي دعم الائتلاف الذي كان ينتمي اليه.
شيوخ الشيعة لم يحبوا المالكي أو يثقوا به ذات يوم. وهم رفعوه الى رئاسة الوزراء في عام 2006 لأنهم ببساطة لم يتمكنوا من الاتفاق على مرشح منهم. كانوا يأملون بتنصيب شخصية ضعيفة مطواعة لكنهم بدلا من ذلك حصلوا على قائد جسور لكنه نزق. وكانت تداعيات تفجير وزارة الخارجية فرصة نادرة لتحجيم السيد المالكي وإبقاء بائع السبح السابق في سوق دمشق بلا خيار سوى التحرك بمفرده.
وهكذا اعلن السيد المالكي خطة لتشكيل تحالف متعدد الطوائف محولا مأزقه الى أفضلية. وبعدما استعدى عليه الكرد والسنة خلال السنوات الثلاث الماضية يحاول الآن استمالتهم. فاجتمع هذا الاسبوع بشيوخ عشائر من محافظة الانبار كانوا في البداية يدعمون التمرد المسلح ضد الشيعة. كما قال للكرد الذين كانوا مضطهدين في السابق انه quot;يشعر بألمهمquot;.
مع ذلك ليس لدى السيد المالكي فرصة تُذكر للاحتفاظ برئاسة الحكومة في العام المقبل. كان حزبه حقق نتائج طيبة في انتخابات مجالس المحافظات هذا العام ولكنه حتى في هذه الانتخابات لم يزد متوسط ما حصده وطنيا على 15 في المئة. وكان عزاؤه ان الأحزاب التي يتشكل منها الائتلاف الوطني الجديد لم تحصل إلا على 17 في المئة.
التحالف الجديد تحالف حسن التمويل لكنه يعاني غياب القيادة الواضحة. ويقول منتقدون إن الائتلاف الجديد لا يزيد عن كونه أداة لزعماء حزبيين طموحين غالبيتهم يمقتون بعضهم البعض الآخر. فان ابراهيم الجعفري وهو رئيس وزراء سابق يحن الى العودة للمنصب. وقال: quot;إذا أراد الشعب العراقي ذلك فلن أخيب أملهquot;. ويقف في طريقه عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية اليوم. ولكنه تضرر بسرقة 7 ملايين دولار في عملية سطو نُفذت بمشاركة عدد من أفراد حرسه الرئاسي. احمد الجلبي حليف البنتاغون السابق الذي يكتنف الغموض شخصيته والقريب الآن من ايران ، قد يكون مرشحا توافقيا ، أو قاسم داود مستشار الأمن الوطني السابق الذي يحظى بتقدير الاميركيين ورجال الدين على السواء. وكان السيد داود جاهر بانتقاده رئيس الوزراء على قراره إزالة الحواجز الكونكريتية في بغداد قبل ايام من التفجيرات الأخيرة.
ما زال من الممكن ان يتصالح حزب الدعوة الذي يتزعمه السيد المالكي والائتلاف الوطني العراقي ، ولكن الهوة تبدو سحيقة. فالسيد المالكي يصر على ان يكون المرشح الأوحد لمنصب رئيس الوزراء. وسيتيح له ذلك ، في حال انتخابه ، ان يعزز موقع حزب الدعوة إزاء الأحزاب الطائفية الأخرى ، الأكثر تزمتا. وتتمثل أفضل فرصة لدى السيد المالكي الآن في إخماد التمرد السني المسلح من جديد واستعادة شعبيته. وفي خطوة أولى استبدل رئيس استخباراته وبث اعترافات مَنْ يُفترض بأنه العقل المدبر لتفجير الوزارات.
لكن المطلوب أكثر بكثير من ذلك. فان تجدد اعمال العنف هز العراقيين. الشوارع في بغداد شبه مقفرة والمتاجر تغلق ابوابها في ساعة مبكرة. ولم يتوصل اي من الأحزاب السياسية حتى الآن الى طريقة لتبديد مخاوف المواطنين. هل تعود الى السياسة الطائفية التي جربتها من قبل أم تبدي مبادرة قيادية بنبذ هذه السياسة جملة وتفصيلا؟ مَنْ يجد اجابة عن هذا السؤال ايا يكن من المرجح ان يفوز في الانتخابات المقبلة ويسيطر على العراق بعد رحيل الاميركيين. ولكن في غضون ذلك ، يبقى كل شيء في حراك.
التعليقات