واشنطن: ثلاثة أحداث هامة شهدها شهر أغسطس الماضي، ارتبطت بالحرب التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان منذ ما يقرب من ثماني سنواتٍ. أولها: كانت الانتخابات الرئاسية التي تمت في العشرين من أغسطس، باعتبارها الأولى التي تشهدها البلاد منذ أكثر من ثلاثين عامًا. هذه الانتخابات اعتبرت بمثابة اختبار هام لمدى استقرار الأوضاع هناك ومدى نجاح الجهود الأميركية والدولية لإعادة الاستقرار إلى هذا البلد الذي ظل تحت حكم حركة طالبان وتنظيم القاعدة لفترة طويلة من الزمن.

ما ثاني هذه الأحداث فهو: صدور التقرير الذي عكف قائد القوات الأميركية في أفغانستان ستانلي ماك كريستال عن الأوضاع داخل أفغانستان، في ظل كثيرٍ من التكهنات حول توصيات بزيادة عدد القوات هناك، واتباع استراتيجية جديدة لمواجهة هذه الأوضاع. أما ثالثها: فكانت التقديرات التي أكدت أن شهر أغسطس هو الأكثر سوءًا بالنسبة للقوات الأميركية، منذ أن قامت بغزو هذا البلد في أواخر عام 2001، حيث تعرضت القوات الأميركية لكثيرٍ من أحداث العنف وعمليات القتل بين صفوف جنودها.

هذه الأوضاع المتدهورة كانت سببًا مهمًّا في اهتمام وسائل الإعلام الأميركية خلال الأسبوع الماضي بالأوضاع في هذا البلد، بمناسبة تقرير القائد الأميركي الذي بعثه إلى رؤسائه في الولايات المتحدة وقادة دول حلف الناتو.

ماذا جاء بالتقرير؟

وماذا كان محتوى هذا التقييم الذي أعده قائد القوات الأميركية في أفغانستان ماك كريستال ؟. أعدَّ كلٌّ من توم باومان وكيفن وايتلو تقريرًا لراديو NPR أكدا فيه أن القائد الأميركي طالب في تقريره بضرورة مراجعة استراتيجية الحرب في أفغانستان من أجل مواجهة الأوضاع الصعبة هناك، والتي وصفها التقرير بـ quot;الخطيرةquot;. ولفت المراسلان الانتباه إلى أنه بالرغم من أن التقرير لم يحتو على طلب صريح بزيادة عدد القوات العاملة هناك، إلا أن طلبًا منفصلاً في هذا الشأن سوف يرسله القائد الأميركي إلى دول حلف الناتو في الأيام القليلة القادمة.

وأكد باومان وايتلو أن التقرير يُشدد على ضرورة بناء جيش أفغاني قوي وأكثر كفاءة، حيث يطالب بضرورة تدريب الجيش الأفغاني ودفعه نحو الانخراط أكثر في العمليات القتالية الدائرة ضد مقاتلي حركة طالبان. فضلاً عن المطالبة بضرورة توحيد جهود دول التحالف الدولي من أجل إنجاح المهمة، حيث أشار التقرير إلى أنه ليس هناك أي تنسيق في الجهود بين دول حلف شمال الأطلنطي والدول الأخرى التي لها قوات تعمل ضمن التحالف الدولي في أفغانستان. حيث تعمل كل دولة من هذه الدول في اتجاه مختلف، كما لو أن كلاًّ منها يعمل ضمن مهمة مختلفة. ومن ثم فإن استمرار هذا التشتت في الجهود ndash; كما يذكر التقرير ndash; سوف يكون عاملاً أساسيًّا في استمرار تدهور الأوضاع وتفاقمها.

الولايات المتحدة وتعثر الجهود المدنية في أفغانستان

وانتقل التقرير إلى تحليل الدلالات التي أسفرت عنها الانتخابات الرئاسية الأفغانية، حيث لفت التقرير الانتباه إلى أن هذه الانتخابات أظهرت مستوى عاليًا من عدم الرضا من جانب الشعب الأفغاني عن أداء القيادة الأفغانية الممثلة في الرئيس حامد كرزاي. ويشير المحللون إلى أن أحد الأسباب وراء حالة عدم الرضا هذه: هو فشل القيادة الأفغانية في تحسين أحوال الشعب الأفغاني خاصة هؤلاء الذين يقطنون خارج العاصمة كابول. هذا الأمر دفع الرئيس أوباما إلى التأكيد على ضرورة انشغال الحكومة الأفغانية بتحسين الأحوال الاقتصادية للأفغانيين، والتركيز على تحقيق مستوى أفضل للخدمات التي تقدمها خاصة الرعاية الصحية. ولكن باومان ووايتلو أشارا إلى أن جهود الولايات المتحدة لتحسين نوعية الحياة ودفع الجهود المدنية في أفغانستان تعثرت كثيرًا.

ويرجع ذلك إلى أن وزارة الخارجية الأميركية لم تتمكن من توظيف عدد كاف من المستشارين المدنيين للعمل في أفغانستان، نظرًا لمحدودية هذا النوع من المستشارين لدى الخارجية الأميركية، وذلك طبقًا لما ورد في تقرير الأكاديمية الأميركية للدبلوماسية ، والذي أوصى بضرورة أن تقوم وزارة الخارجية بزيادة إعداد العاملين في السلك الدبلوماسي بمقدار 50%. وأكد المراسلان أن سببًا أساسيًّا في هذه التوصية هو النقص الحاد الذي تشهده البعثة الدبلوماسية الأميركية في أفغانستان.

الشعب الأميركي لا يريد الحرب

قدم برنامج Meet The Press الذي يذاع على شبكة MSNBC ويقدمه الإعلامي ديفيد جريجوري حلقة من برنامجه حول الأوضاع في أفغانستان، استضاف فيها رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي الأدميرال مايك مولن والسفير الأميركي في أفغانستان كارل إكينبري.

بدأ جريجوري حديثه بالإشارة إلى استطلاع الرأي الذي أعدته صحيفة quot;واشنطن بوستquot; وشبكة ABC الإخبارية، وتمحور الاستطلاع في سؤال quot;هل الحرب على أفغانستان تستحق هذا القتال؟quot;. وجاءت نتيجة الاستطلاع تبين أن غالبية الأميركيين يعتبرون أن هذه الحرب لا تستحق، وذلك بنسبة 51%. مما دفع جريجوري إلى التساؤل هل فقد الأميركيون الإرادة والعزيمة لاستكمال المهمة التي بدأها الجيش الأميركي في أفغانستان؟

من جانبه أكد الأدميرال مولن أنه باعتباره محاربًا سابقًا في حرب فيتنام يُدرك حقًّا أهمية الدعم الشعبي ليس فقط للحرب التي تديرها واشنطن في أفغانستان، ولكن في أي حرب أخرى تشنها الولايات المتحدة، وهذا ما دفع الرئيس باراك أوباما إلى محاولة تصحيح مسار هذه الحرب، من أجل إعادة اكتساب دعم الأميركيين لهذه الحرب، بعد مجموعة السياسات غير المجدية التي اتبعتها إدارة الرئيس بوش. ولم تؤد إلا إلى مزيد من التدهور في الأوضاع هناك. هذه الأوضاع كانت دافعًا مهمًّا إلى ضرورة اتباع استراتيجية جديدة في هذه الحرب وقيادة جديدة تخرج أفغانستان من هذه المعضلات الخطيرة. ومن ثم بدأت القوات الأميركية تعمل هناك على السير في هذا الاتجاه، من أجل التصدي للمخاطر الكثيرة التي تواجهها هناك، وانتقل مولن إلى بيان هذه المخاطر، والتي تمثل تهديدًا لاستقرار البلاد من ناحية، ونجاح مهمة القوات العاملة هناك من ناحية أخرى. حيث أشار قائد الأركان المشتركة إلى أن هزيمة تنظيم القاعدة والمتحالفين معه من المتشددين الموجودين في هذه المنطقة تمثل الأولوية القصوى للقوات الأميركية ومهمتها الأساسية.

وانتقل جريجوري إلى الحديث عن التقرير الذي أعده قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال ماك كريستال ، الذي يعد بمثابة تقييم للأوضاع على الأرض في أفغانستان. وتساءل هل سيطلب القائد الأميركي في تقريره من الرئيس أوباما زيادة عدد القوات العاملة في أفغانستان؟ وذلك بعد التصريحات التي أطلقها السيناتور الجمهوري جون ماكين حول هذا التقرير، والذي أكد فيها أن هذا التقرير سوف يوصي بزيادة عدد القوات الأميركية العاملة في أفغانستان، وذلك من أجل مواجهة المخاطر التي يتحدث عنها تقييم ماك كريستال ، والتي صنفها إلى ثلاث مستويات مخاطر منخفضة ومتوسطة وعالية.

في هذا السياق لفت مولن الانتباه إلى أنه سوف يتم النظر إلى الاستراتيجية التي وضعها الرئيس الأميركي قبل أسابيع للتعامل مع الأوضاع المتدهورة في أفغانستان، كما سيتم وضع التوصيات التي أوردها ماك كريستال في تقريره في الاعتبار، والتي تمحورت حول استراتيجية موارد جديدة تهدف إلى حسن استخدام الإمكانيات المتاحة للقوات الأميركية، ومحاولة توجيهها في الاتجاه الصحيح، مما يخدم الأهداف التي ابتغتها الولايات المتحدة من هذه الحرب.


وعن مدى نجاح القوات الأميركية في إنجاز المهمة الأساسية من هذه الحرب - وهى القضاء على حركة طالبان ـ لفت مولن الانتباه إلى أن الرئيس الأميركي حدد المهمة الأساسية للقوات الأميركية في هزيمة تنظيم القاعدة وحلفائه من التيارات المتشددة هناك، وهو هدف محدد ويشمل ضرورة القضاء على حركة طالبان، مضيفًا أن هذه المهمة ليست سهلةً ولكنها معقدة للغاية، حيث استطاعت الحركة خاصة في العامين أو الثلاثة الأخيرة أن تقيم روابط لها عبر الحدود مع أفغانستان مع القبائل التي تسكن منطقة وزيرستان المتاخمة للحدود الأفغانية - الباكستانية، هذه القبائل وفرت ملاذًا آمنًا لمقاتلي الحركة عقب الحرب التي شنتها قوات التحالف، وساعدتها على إعادة بناء قوتها من جديد، لذلك يعمل قائد القوات الأميركية هناك على تنفيذ هذه المهمة في الوقت الحالي، حيث يسعى إلى توفير الأمن للشعب الأفغاني والتركيز على نوعية الحياة التي يعيشها الأفغان، وإقامة حكم صالح وتنمية الاقتصاد. واعتبر مولن أن هذه الأمور تمثل تغييرًا مهمًّا حدث على مدار الشهور الماضية.

الانتخابات الرئاسية: فرصة ذهبية عاشها الأفغانيون

أما السفير الأميركي في أفغانستان إكينبري فقد خصص حديثه عن الانتخابات الرئاسية التي شهدتها أفغانستان في العشرين من أغسطس الماضي، حيث أكد أنه بالإشارة إلى التقارير التي تفيد بحدوث انتهاكات وتزوير في هذه الانتخابات فإنه سوف يتحدث عن مجموعة من الحقائق التي تشير إليها مثل هذه الانتخابات بقطع النظر عمَّا حدث فيها من انتهاكات.

أولاً: اعتبر السفير الأميركي أن هذه الانتخابات هي تاريخية بكل المقاييس، حيث أكد أنها أول انتخابات ديمقراطية تشهدها البلاد منذ ثلاثين عامًّا.

ثانيًا: أن هذه الانتخابات كانت مهمة للغاية، حيث برزت هذه الأهمية من تأكيد معظم الدول على ضرورة إجرائها في هذا الوقت من تاريخ التطور السياسي والاجتماعي للشعب الأفغاني، حيث اعتبر إكينبري أن هذه الانتخابات فرصة ذهبية لمجلس الأقاليم في أفغانستان ليجدد علاقاته مع مؤسسة الرئاسة في البلاد.

فنظرة سريعة ndash; كما يقول السفير الأميركي ndash; على الثلاثين عامًّا الماضية يشير إلى حرب أهلية طاحنة شهدتها أفغانستان خلال هذه الفترة، كما تمَّ احتلال هذه البلد خلال هذه الفترة، كل هذا أدى إلى انهيار الحكومة المركزية وغياب حكم القانون، الأمر الذي وفرَّ الأحوال الملائمة لنمو الإرهاب الدولي على هذه الأراضي، وأن يكون هو المتحكم في مصير أفغانستان. واعتبر السفير أن مثل هذه الأحوال هي التي أدت إلى وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ومن ثم اعتبر إكينبري هذه الانتخابات الصعبة فرصة لتجديد الحياة داخل هذه الدولة، وإعادة الثقة للعلاقة بين الشعب والحكومة هناك.

وانتقل جريجوري إلى الحديث عن حركة طالبان وأنها تعتبر العدو الأول للقوات الأميركية في أفغانستان، ولفت الانتباه إلى أنها استطاعت إعادة بناء قوتها مرة أخرى بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبعد الضربات الموجعة التي وجهتها لها قوات التحالف الدولي بعد أن قامت بغزو أفغانستان في أواخر عام 2001. وتساءل عن مدى تأثير هذه الانتخابات على هذا الأمر؟ ومستوى التهديد الذي تمثله حركة طالبان باعتبارها تحديًّا صعبًا للقوات الأميركية.

وتعليقًا على هذا الأمر أكد السفير الأميركي أن هذه الانتخابات كانت مدهشة بكل المقاييس. فمن خلال هذه الانتخابات تمكًن الأفغانيون من استعادة زمام السيطرة على بلادهم واستعادوا سيادتهم على أراضيهم، فقد شهدت البلاد على مدار الشهرين الماضيين حملة انتخابية غير عادية، خلقت حالة من النشاط السياسي غير المعتاد لم تشهده منذ فترة طويلة، حيث كانت هناك كثير من المناظرات التلفزيونية بين المرشحين لمنصب الرئاسة، وكثير من المناقشات عبر أرجاء البلاد. واعتبر أن مثل هذا الأمر يعبر عن قدرة أفغانستان للمرة الأولى على تجاوز اختلافاتها العرقية والجنسية.