تعتبر قصور بوسعادة التاريخية في الجزائر شاهدا على عصر الفن المعماري في القرن التاسع عشر في هذه الولاية التي تبعد عن العاصمة 242 كم. لكنها تشكو اليوم خطر الاهمال الذي قد يزيل معه حقبة تاريخية يفخر بها أبناء الجزائر.


كامل الشيرازي من الجزائر: تترأى قصور المدينة العتيقة quot;بوسعادةquot; جنوب الجزائر كلحظات مهرّبة من التاريخ وأيقونات شاهدة على عظمة هذه المدينة الساحرة التي وصفها أحد المستشرقين الفرنسيين بكونها قطعة من الجنة اختارها الخالق لتكون شاهدة على جنة الخلد.

ولا تعتبر قصور بوسعادة قصورا بالمعنى الذي يتبادر مباشرة للأذهان، فهي بيوت واسعة الأدوار اتفق السكان المحليون على نعتها بـquot;القصورquot;، ويقول quot;بشيرquot; (40 عاما) ابن المنطقة، أنّ هذه القصور عادة ما يفضلها كثيرون ويهربون إليها من شدة الحر، أين توفّر هدوءا وراحة لمن يقصدونها بغرض التمتع بقيلولة أو البقاء لمدة أطول تدوم ليالي وأياما بالنظر إلى الجو المنعش داخل المكان واتسامه بانخفاض في درجة الحرارة، حيث يلاحظ محمد (43 عاما) أحد المهووسين ببيوت المدينة العتيقة، أنّ الحرارة داخل قصور بوسعادة لا تتعدى حدود 15 درجة، وبحسب المهندس quot;زكي شتوحquot; فإنّ السر في فارق درجة الحرارة بين الداخل والخارج يعود إلى النمط المعماري الذي رُوعي فيه علو الحيطان وبُعد السقف عن أرضية البيت، ما يجعل الهواء الساخن يبقى مكثفا بأعلى البناية بعيدا عن أرضيتها.


ولعلّ أجمل قصور المنطقة ذاك القصر الواقع بالجزء الشمالي لمدينة بوسعادة وهو عبارة عن قطعة ذات طابع صحراوي يحتوي على سوق يتوافد عليها سكان القرى المجاورة لبوسعادة، ويتميز القصر المذكور بأشكاله الملتوية و مواد بناءه المحلية و التقنيات الضعيفة التي ترمز إلى مجتمع تكيف بالوسائل البسيطة مع المعطيات المناخية والطبيعية.


واستنادا إلى شهادات كوكبة من أبناء بوسعادة، فإنّ القصر جرى بناؤه بطوب الطين السميك الذي يصفف على عرض 4 وحدات من الطوب ما يزيد من عرض الحائط ليصل المتر في بعض الأحيان، ومن شأن هذه الميزة بحسب مهندسين معماريين، أن تقلل من تأثير العوامل الجوية الخارجية من حرارة وبرودة مقارنة بالنمط المعماري الحديث، علما أنّ القصر على غرار ما هو معروف بمناطق صحراوية وشبه صحراوية أخرى في الجزائر، يحتوي على نوافذ صغيرة لا يتعدى طولها وعرضها الخمسين سنتيمترا.


وبرأي المهندس المعماري quot;جميل جريدquot; فإنّ الغرض من إنشاء هذه النوافذ ليس التمتع بالمناظر الخارجية أو الضوء بل للتهوية أثناء فصول الشتاء والربيع والخريف ونادرا ما تفتح في الصيف، ومن ميزات قصر بوسعادة أنه مسقّف بطريقة تقليدية حيث تبرز في بعضها آثار الخشب المملوء بالتراب ما يدل بمنظار مختصين على أن طريقة السقف التقليدية المكونة من أعمدة العرعار والقش والتراب تحفظ درجة الحرارة المعتدلة داخل البيت، بحكم أنّ السقف يمتص الهواء الساخن.


ويشير quot;جميل جريدquot; إلى أنّ القصر بحكم موقعه الجغرافي، ظلّ يمثل فضاء تجاريا صغيرا تتم فيه المبادلات التجارية بين سكان المناطق المجاورة لبوسعادة، وتؤكد الباحثة quot;سناء عديّلquot; أنّ القصر كان في الماضي ملتقى للبدو الرحل الذين يأتون لبيع سلعهم، ويوضح quot;عبد الوهاب طرّافيquot; أنّ قصر بوسعادة مقسم إلى quot;أولاد عتيقquot; وquot;المامينquot;، ويسجل أنّه بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر (1830)، كرّس الفرنسيون استيطانهم بأحياء محاذية القصر، في حين يشير الأستاذ quot;أحمد بونصلةquot; إلى إنشاء الفرنسيين ساحة حتى تكون فاصلا بين القصر والدائرة العسكرية.


ويلمس الزائر للقصر العتيد لطافة الجو رغم ضيق أزقة القصر وسقفه المغطى بطبقة سميكة ما يحجب رؤية السماء إلا في حالات نادرة، ويقول فريد (33 عاما) أنّه يواظب على زيارة المكان منذ استكشافه قبل 21 عاما، بينما يبدي ناصر وحمزة وأحمد استياءا للحالة المزرية التي يتواجد عليها القصر الآيل في مجمله إلى الانهيار بسبب عدم الاعتناء بهذا المعلم.


وبعدما أقدم عديد السكان قبل سنوات على الإقامة بالقصر، دفعت حالته الكارثية بغالبية من كانوا يسكنون فيه إلى مغادرته خلال العشرية الأخيرة، بالرغم من وجود ورشة بالموقع أوكلت لها منذ عشريتين مهمة الترميم، إلاّ أنّ أغلب وحداتها السكنية مهددة بالانهيار لقدمها وتآكلها.


ويعلّق مسؤولون محليون أنّ القصر أصبح في معظمه غير قابل للترميم جراء ما آل إليه من تدهور، مقترحين جعله وعاء عقاريا جديدا وإعادة إسكان العوائل التي لا تزال تقطن به، بالمقابل، يتمسك آخرون بالحفاظ على هذا التراث المعماري ويطالبون بتخصيص أموال كافية لترميمه.