![]() |
إنها منطقة الدويقة المصرية عبارة عن عشش ومساكن مبنية بشكل عشوائي، متلاصقة حارمة أصحابها من خصوصياتهم، حيث تشاركالكلاب الضالة والحشرات السامة السكان مضاجعهم، ويواجه سكانها خطر الموت مع كل إشراقة شمس، خائفين من كوارث جديدة تقضي على أحلامهم وآمالهم .
القاهرة: لم ينهِ الموت معاناتهم... كانوا على موعد مع حادث أليم في سبتمبر 2008، خلف مئات القتلى والمصابين ودفن مئات آخرين تحت الأنقاض، عندما سقطت كتلة صخرية ضخمة من أعلى الجبل على عشرات العشش والمنازل التي يقبعون فيها. ما زالت مشاكلهم مستمرة، يعيشون في عشش وشقق آيلة للسقوط، لم توفر الحكومة شققًا بديلة لمعظمهم، حياتهم على quot;كف عفريتquot; مهددة بأن تذهب بلا رجعة في أي وقت، بفعل كارثة جديدة مماثلة قد تحدث في اي لحظة، بحسب ما يتوقع المسؤولين أنفسهم.
لا يوجد شيء لا يعانون منه، يومهم يبدأ بمآسٍ وينتهي بمآسٍ مع ابسط الاحتياجات اليومية اللازمة للمعيشة. حياتهم لا تسر،يعيشون في عشش ومنازل بأسقف متهالكة او من دونها. يحصلون بصعوبة على المياه الصالحة للشرب، وأنابيب الغاز اللازمة للطبخ، حتى الكهرباء التي يعتبرها الاهالي ضيفًا خفيفًا لعدم توافرها . لا تقع عيونهم على شيء إلا المهملات والحشرات السامة ومياه المجاري. ولا يتنفسون إلا الروائح الكريهة المنبعثة من الأوساخ التي تحاصرهم باستمرار او التي يقتات جزء كبير منهم بالعمل فيها. ولا يشعرون إلا بالرعب والخوف والفزع من انهيار صخري جديد.
إنهم سكان منطقة جبل الدويقة، أشهر منطقة عشوائية في القاهرة. إيلاف قضت يومًا في هذه المنطقة، رصدنا كيف يعيشون يومهم، التغيير الذي طرأ على حياتهم منذ كارثة الصخرة، وأحلامهم وآمالهم، وكانت حكاياتهم درامية تلقي الضوء على قنبلة موقوتة تهدد بالانفجار بين لحظة وأخرى .
الشوارع محاصرةبالمهملات
الوصول الى حي منشية ناصر الذى تتبعه الدويقة ليس صعبًا، فالحي يحتل موقعًا مهمًا لقربه من وسط المدينة حيث يقع غرب مدينة نصر وشرق القلعة وجنوب مقابر الغفير ويفصله عن القلعة طريق صلاح سالم . قبل ان تطأ قدميك في الحي تبدأ حاسة الشم فورًا في العمل، تفاجئك رائحة كريهة تصيبك بالاختناق وصعوبة في التنفس، لكن يبدو ان سكان المنطقة معتادون عليها، حيث يعد الحي مركزًا من ضمن مراكز اخرى لجامعي القمامة في القاهرة، وتربية الخنازير قبل ان تقرر الحكومة القضاء عليها في إجراءاتها الاحترازية ضد فيروس ايه اتش1 ان 1 المسبب لمرض الأنفلونزا المكسيكيّة.
![]() |
في الشارع الرئيس تلفت نظرك مقالب قمامة متراصة على الجانبين تكسوها الحشرات بأنواعها . منازل مبنية بشكل عشوائي ينعكس ذلك على صورة الشارع و التعرجات الشديدة به والمنازل و المطالع التى تشعرك بسرعة نبضات قلبك وألام شديدة فى قدميك وصعوبة فى السير. يبدو الشارع غير ممهد لسير السيارات والمواطنين، لكن يلاحظ ازدحام شديد بكلاهما.
ذبح الخنازير يزيد البطالة
كان يجلس على قفص هو وصديقه يتشاركان فى تدخين سيجارة واحدة، يرتدي quot;بيجامةquot; حمراء وبنطلونًا يصعب تمييز لونه الحقيقي من البقع والوساخة التي تلتصق به، وجزمة بلاستيكية ترتفع حتى ركبته . اقتربت منه إيلاف وعرفنا بنفسه قائلاً: quot;اسمي عبد الناصر من سكان المنطقة، أعيش هنا منذ 25 عامًا، سنوات عمري كله، واعمل في quot;الزبالةquot; لكن كما تراني الان قاعد من غير شغل quot;.
يقول عبد الناصر انه يعيش الان أسوأ أيام حياته من بعد ان أمرت الحكومة بالتخلص من جميع الخنازير . quot; كانت الحال قبل ذلك ممتازة، كنت اجمع القمامة لتغذية الخنازير وبيعها بعد ذلك، كنت اكسب الكثير واشتري علبتي سجائر يوميًّا، لكن الآن تربية الخنازير ممنوعة ولا املك ثمن السيجارة quot;.
حال عبد الناصر الآن يشبه تقريبا 6% من سكان الحي الذي يسكنه حوالي نصف مليون نسمة، يعملون فى جمع القمامة والفضلات وصناعات مرتبطة بها، وتربية الخنازير . وقد حاولت شركات النظافة الاستعانة بهم عقب انتشار أزمة الزبالة فى شوارع القاهرة لكن جزء منهم رفض لضعف الأجور. وعلى الرغم من جهود الحكومة للارتقاء بالحي وتطويره ووضع برنامج لجمع القمامة والفضلات من الشوارع بوساطة جامعي القمامة المقيمين إلا ان المنطقة تعاني من تراكم هذه المخلفات في الشوارع مما يؤدي الى تلوث البيئة وإخطار صحية على المواطنين .
تطوير مع ايقاف التنفيذ
تعانى المنطقة من نقص فى الخدمات والمرافق كما يقول الحاج محمود 62 عامًا صاحب محل quot; الحكومة تتعمد تجاهلنا حتى نترك المنطقة وتستحوذ على منازلنا ومحالنا quot;. وقد وضعت الحكومة برنامج للارتقاء بالمنطقة من خلال تنظيم استعمال الأراضي و إحلال الورش والمحال بعيدا عن المنطقة السكانية، وتحسين شبكة الطرق الداخلية والخارجية التي تربط المنطقة بغيرها من المناطق المحيطة، وتنظيم مداخل ومخارج المنطقة، وتزويدها بجميع المرافق والخدمات، الا أن المشروع اختلف عند التنفيذ، ولم يشعر السكان بتغيير حياتهم . الحال أفضل بعض الشيء من الأول لكن المنطقة تحتاج الى الكثير من الاهتمام quot;، وفقًا لقوله .
كانت تجلس على صفيحة بلاستيك أمام احد المنازل مشغولة فى فرز أكياس القمامة، قطع تركيزها صوت شاب فى الدور الثاني يقول موجهًا كلامه لإيلاف quot; أوعى تصور اى حاجة quot;. نهضت من مكانها مسرعه للتأكد من اننى لم أقم بتصويرها . بدت متحفظة فى الحديث الينا كما لو كان يبدو هناك تعليمات مشددة بعدم الحديث الى الصحافة . وبعد ان أخذت وعدًا بعدم ذكر اسمها اعتقدت انها ستفضفض بهموم كثيرة لكنها قالت ان quot; الأمور على ما يرام، المياه موجودة و الكهرباء شغالة و أنابيب الغاز متوفرة، كله بفضل الحكومة quot;، واستطردت quot; لكن المشكلة ان مصدر رزقنا انقطع بعد ان ذبحت الحكومة الحلاليف (تقصد الخنازير) quot;.
حياه مهددة
على بعد امتار قليلة تظهر الدويقة على قمة الجبل . عشش ومساكن مبنية بشكل عشوائى، متلاصقة بدرجة تحرم أصحابها من أبسط الحقوق في الاحتفاظ بخصوصياتهم . تشاركهم الكلاب الضالة و الحشرات السامة مضاجعهم . تتسم بالازدحام الشديد لدرجة ان تجد عائلة مكونة من خمسة عشر شخصا تعيش في شقة مساحتها 25 مترًا او عشه بنفس المساحة . و يمكن ان تشترك ثلاثة أسر في دورة مياه واحدة .
وعلى الرغم من عدم وجود الخدمات بها، الا أنها تعد إحدى مناطق الجذب التي يقبل على السكن فيها المهاجرون من الريف والصعيد إلى العاصمة، كما يقول quot; السيد امين quot; موظف في شركة خاصة، مشيرًا الى ان الدويقه تتميز عن مثيلاتها من المناطق برخص الإيجار و السكن . quot;إيجار الغرفة فيها بحوالى 70 جنية و الشقة بحوالى 150 جنية، لكن الحياة مهددة من جميع النواحي، قد نرى الموت في اى لحظة اما تحت أنقاض منزل مهدم أو صخرة هاربة من حضن الجبل، أو لدغة عقرب quot;.
يقول عبد الناصر انه يعيش في هذا المكان منذ التسعينيات لسبب ضيق الحال، quot; لو استطيع أعيش فى مكان أخر لتركت هذا المكان، راتبى لا يتجاوز الـ 500 جنية ( اقل من 100 دولار) ومتزوج ولدى ثلاثة ابناء، كيف أدبر إيجار شقة فى منطقة أخرى quot; .
يعانى عبد الناصر مثل باقى جيرانه من حياة صعبة، يواجهون الموت فى كل لحظة بسبب التصدعات والشروخ فى مساكنهم، وسقوط الحجارة من الجبل عليهم، حيث يبدو تفتيت الصخور واضحا للعيان اعلى الجبل بسبب تصريف مياه الصرف الصحي . وقد سبق ان شكلت الحكومة لجنة من المتخصصين فى الجيولوجيا والثروة المعدنية وأساتذة جامعيين لعمل مسح للنقاط الخطرة و توصلوا الى وجود 13 نقطة بها خطورة عالية و قد تنهار قريبًا، و تم الانتهاء بالفعل من 7 نقاط منذ حادث سبتمبر 2008، حيث تم إخراج الأهالي من العشش في تلك النقاط الخطرة و توفير لهم مساكن بديلة، وجار العمل فى الـ6 نقاط المتبقية. ولكن يمثل اقبال المهاجرين على المنطقة تحديًا أمام جهود الحكومة، حيث يبنون عششًا ليحصلوا على شقة بديلة .
المياه للبيع
ولا تقف معاناة سكان الدويقة عند حد التشققات و التصدعات و المساكن غير الآدمية، حيث يعانى السكان هناك من صعوبة بالغة فى قضاء احتياجاتهم اليومية الأساسية . وقال عمر وهو احد سكان المنطقة يعيش فيها منذ 25 عاما quot;اول شئ نفتح اعيننا عليه فى الصباح هو البحث عن مياه للشرب quot; . وتضطر الاسر الى الذهاب الى حى مدينة نصر أحيانا للحصول عليها او شرائها quot; جركن المياه بجنية وتحتاج كل أسرة ٩ جراكن مياه يوميا علي الأقلquot;، نظرا لعدم صلاحية المياه التى توزعها المحليات بحسب قوله .
وتصل المياه إلي ١٠% من المباني فقط بينما يعتمد باقي السكان علي بائعي المياه للحصول علي مياه شرب نقية أو من الحنفيات العامة التي يبلغ عددها ٨ حنفيات لا يعمل أغلبها في معظم الأحيان.
قطعت زوجته الحديث وقالت quot; إضافة الى المياه نجد صعوبة فى الحصول على رغيف العيش المدعم والكهرباء التى لا تاتى الا نادرا، وكما ترى كل شئ حولنا لا يسر المنزل لا يقى من برد الشتاء والشوارع غارقة فى مياه المجارى والمواصلات غير موجوده، و الحشرات و العقارب تطاردنا وربنا يستر علينا وعلى اطفالناquot;.
وقال عبد المنعم انه فقد ابنه بعد أن لدغه عقرب فى المنطقة، و لم يتم علاجه بالصورة المطلوبة، بسبب قلة الحيلة وإمكاناته المالية المحدودة جدًّا . ويحلم عبد المنعم بالخروج هو وأسرته المكونة من 4 أفراد من المنطقة الى أى مكان آمن quot; أشعر بخوف شديد، من انهيار العشة علينا quot;.
واضاف quot;نحاول التأقلم بقدر الإمكان فى ظل وعود المسئولين التى لا تتحقق على ارض الواقع، نحن لا نطلب المستحيل، نريد فقط عيشه كريمة ترحمنا من هذا العذاب والحياة التى لا ترضاها حتى الحيوانات quot; . واصر انه لن يخرج من هذا المكان إلا اذا حصل على شقة .
ووفق الأرقام يعيش ما يقرب من 77% من سكان الدويقة بدخل شهري يتراوح ما بين الـ20 إلى مائة دولار. وهناك 53% من سكانها أميون لا يعرفون القراءة والكتابة، و17% يقرأ ويكتب، و2% بالتعليم الأساسي والثانوي، و4% جامعيون. وعن توزيع السكان بحسب المهنة تشير الإحصاءات إلى أن 21%rlm; يعملون بالأعمال الحرة، وrlm;31%rlm; أعمال إدارية وخدمات، وrlm;34%rlm; حرفيون، وrlm;8%rlm; منهم سائقون وrlm;6%rlm; جامعو قمامة.


















التعليقات