منذ إعلان نتائج التجديد النصفي في الولايات المتحدة الأميركية، بدأت عواصم العالم تهيئ نفسها للتعامل مع نظام سياسي جديد في واشنطن.ويبدو منردود الأفعال الدولية أن صانعي السياسة يعكفون على تقدير مدى تأثر السياسة الخارجية الأميركية بمجلس نواب جديد يسيطر عليه الجمهوريون، وتناقص أغلبية الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، مع وجود رئيس أميركي يخشى كثيرون أنه بات ضعيفا.


لاحظ مراقبون أن الإنتخابات النصفية حظيت باهتمام بالغ في الصين على الأخص التي صورها مرشحون في دعايتهم الإنتخابية على أنها السبب في هجرة معامل ومعها فرص عمل إلى الخارج. وأبدى البعض مخاوف من ضغط الجمهوريين في الكونغرس على إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لدفعها إلى اتخاذ موقف أشد حزما مع بكين بشأن قضايا مثل تصدير التكنولوجيا والتعاون في تنفيذ مشاريع نظيفة بيئيا وأموال الدعم الصينية لشركات الدولة التي تضع الشركات الأميركية في موقف تنافسي ضعيف إزاءها.

ونقلت quot;واشنطن بوستquot; عن البروفيسور صن جي من معهد الدراسات الدولية في جامعة تسنغهوا قوله أن quot;بناء ثقة استراتيجية متبادلة سيكون صعبا في السنوات المقبلةquot;، مشيراً إلى أن quot;الكونغرس الأميركي سيكون أكثر تعنتاً في مواجهة الصين.

لكن محللين آخرين رأوا أن تغير ميزان القوى في الكونغرس قد يكون نافعا في لجم ميول الديمقراطيين quot;الحمائيةquot;. وقال سو هاو مدير مركز أبحاث الإستراتيجية وإدارة النزاعات في جامعة الشؤون الخارجية الصينية أن سياسة إدارة أوباما تجاه الصين ستكون أنعم وأكثر عقلانية مع تعاظم قوة الجمهوريين.

هواجس الروس

في موسكو كانت هناك هواجس من أن يجرب الجمهوريون قوتهم على معاهدة الحد من الأسلحة النووية quot;ستارتquot; التي يحين موعد تجديدها قريبا. وعلى الرغم من احتفاظ الديمقراطيين بالسيطرة على مجلس الشيوخ، فإن رئيس تحرير مجلة السياسة العالمية الروسية فيودور لوكيانوف قال quot;من الواضح أن الجمهوريين سيطالبون بتنازلات كبيرة من الديمقراطيين مقابل مصادقتهم على المعاهدةquot;. وتوقع أن يكون الوضع السياسي الأميركي quot;أكثر اضطرابا وأشد التباسا من ذي قبلquot;. كما أعرب عن اقتناعه بأن الرئيس أوباما ما زال يتمتع بشعبية واسعة في دوائر الحكم الروسية حيث يعتبر quot;سياسيا استثنائياquot;.

وظلت موسكو طيلة عقود تفضل التعامل مع الجمهوريين، مثلها مثل بكين. لكن الكرملين احتضن سياسة أوباما في إعادة بناء العلاقة الثنائية على أسس جديدة بعد التردي الحاد الذي شهدته خلال رئاسة جورج بوش. وقال فكتور كريمينيوك نائب مدير معهد الدراسات الأميركية والكندية في موسكو quot;إن أوباما أول رئيس أميركي بعد الحرب الباردة لم يكن متأثرا بتفكير تلك الحقبةquot;، لكنه لفت إلى أن الجمهوريين quot;يمثلون الآن تلك القطاعات التي ما زالت تفكر بمفردات الحرب الباردةquot;.

مصير إتفاقية السلام

في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي الأوسع أُثيرت تساؤلات عما إذا كان أوباما الذي بات أضعف في الداخل، سيكون قادراً على مواصلة العمل من أجل هدفه المتمثل بتأمين إتفاقية سلام نهائي بين الإسرائلييين والفلسطينيين خلال ولايته الأولى. وكانت هناك وفرة من التعليقات الإسرائيلية قبل الإنتخابات مؤداها أن المكاسب التي يحققها الجمهوريون ستجعل من الأصعب على أوباما إقناع الإسرائيليين بتقديم تنازلات في محادثات السلام مع الفلسطينيين. ونقلت صحيفة هآرتس عن عضو مجلس النواب الجمهوري اريك كانتور الذي من المتوقع أن يصبح زعيم الأغلبية في المجلس قوله إن انتصار الجمهوريين quot;سيكون له تأثير ملموس على تحسين العلاقة الأميركية ـ الإسرائيليةquot;.

أما في اندونيسيا فلم يخف مسدار مسعودي نائب رئيس أكبر جماعة إسلامية خشيته من أن تعيق نتائج الإنتخابات تواصل أوباما مع المسلمين. مضيفاً quot;إننا نشعر بمزيد من التشاؤم الآن بشأن قدرته على حل المشكلة بين العالم الإسلامي والغربquot;.

أما في باكستان فتبدت ردود الأفعال الأولى في مخاوف من ان الكونغرس المنقسم سيحتاج الى فترة أطول للموافقة على رزم المساعدات العسكرية والمدنية لباكستان. وكان أوباما قد أعلن الأسبوع الماضي عن تقديم ملياري دولار لتمويل مشتريات عسكرية جديدة خلال الأعوام الخمسة المقبلة ولكن المقترح ينتظر موافقة الكونغرس.

التوجه للخارج تعويضا لفشل الداخل

ترددت في عواصم العالم تساؤلات حول ما إذا أصبح أوباما الآن، من الضعف سياسيا في الداخل بحيث لا يستطيع الإقدام على أية مبادرات كبيرة في الخارج، أم أنه سيوجه اهتمامه، كما فعل بعض أسلافه ممن واجهوا متاعب في الداخل، نحو السياسة الخارجية حيث تكون حرية الرؤساء في التحرك أكبر.

ومثلما وجد الرئيس بيل كلنتون عزاءه في الخارج بعد هزيمة الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي عام 1994، فإن أوباما سيبدأ هذا الأسبوع جولة طويلة في آسيا حيث سيتمكن من تنحية الإنتكاسة السياسية التي ألمت بإدارته في الداخل جانبا لبعض الوقت واعتلاء المسرح الدولي حيث ما زال موضع اعجاب واسع.