عصفت بالمجتمع العراقي ظاهرة اجتماعية خطيرة، جسدها انتشار الافلام الاباحية بين المراهقين، لدرجة وصولها الى الاطفال، وعلى خلفية تلك الظاهرة انقسم المجتمع العراقي على نفسه، ففي وقت دعت الاكثرية الى ضرورة القضاء على الظاهرة، رأت فئة أخرى ان المجتمع في حاجة اليها للتحرر من القمع الجنسي وثقافة العيب.
بغداد: ينتقد عراقيون بينهم خبراء اجتماع ورجال دين ونخب اجتماعية، الغزو المعلوماتي الجنسي للمجتمع العراقي، متمثلا في موجة أفلام quot;خليعةquot; وأقراص مدمجة لقصص جنسية، وأفلام بورنو، اضافة الى المواقع الاباحية على شبكة الانترنت، التي تسمح اغلب مقاهي النت في العراق بتصفحها.و بينما يربط البعض ارتفاع حالات quot;التحرش الجنسيquot; في المجتمع، بانتشار الثقافة الجنسية المبالغ فيها، داعين الى وضع شروط وقوانين لتداولها، يرى البعض العكس.
مصدر للرزق!
الى ذلك تنتشر بين quot;المراهقينquot; أقراص جنسية مدمجة، يتم بيعها وتداولها بصورة علنية، والمثير ان بعض الشباب يعتبرها مصدراً للرزق، إذ يقول احد هؤلاء المدعو quot;سعيد حسينquot; انه يبيع كل يوم ما بين عشرة الى خمسة عشر اسطوانة، ويقصد متجره المتواضع عدد كبير من الزبائن يومياً.
لكن سعيد يعترف ان بضاعته لن تشهد رواجاً الى الابد، بسبب ما اعتبره مضايقات اجتماعية وضغوطات من الأهل، اضافة الى تعقب أجهزة الامن التي بدأت تفرض رقابتها على هذا النوع من البضائع والعاملين على ترويجها.
ويعتبر سعيد: quot; ان الخطر الأكبر ليس في هذه الافلام الاباحية، فمن السهولة منع تداولها لكن كيف يمكن للسلطات والمجتمع ان يمنع quot;جنس القنوات الفضائية quot; والنتquot;؟
ويضيف: quot;أغلب اصدقائي يدمجون على اجهزة هواتفهم النقالة عدد كبير من مقاطع الافلام الجنسية، مما يؤكد استحالة السيطرة على الامرquot;.
ويجيد أغلب شباب العراق تقنية quot;بلوتوثquot; التي لا يخلو منها هاتف، بل ويتفنن كثيرون في أساليب تبادل المقاطع الجنسية.
كما ينتشر في المدن العراقية ما يعرف بتقنية الـ quot;سيم كارتquot;، وتحتوي هذه التقنية على عدد ليس بالقليل من مواد الخلاعة، والغريب ان معظم شباب العراق يقبلون على شرائه رغم ارتفاع سعره، إذ يتراوح ما بين 2000 إلى 5000 دينار.
الى ذلك لا تخلو حتى أفلام الرسوم المتحركة المتداولة بين الأطفال على مشاهد quot;إباحيةquot;، بحسب quot;ام عليquot; التي اكدت ان ابنها اشترى قرصا مدمجا لفيلم كارتوني، غير انها اكتشفت انه يحتوي على قصة جنسية لا يمكن السماح لطفل مشاهدتها. وتضيف تلك السيدة: quot;هذا دليل على فوضى الاستيراد وانعدام الرقابة الأمنية وغياب الشروطquot;.
مناطق البيع
وفي بغداد يتقاسم باعة الأفلام الاباحية مناطق مختلفة، مثل quot;سوق الحراميةquot;، وquot;منطقة الباب الشرقي، أما في محافظة بابل وسط العراق، فيعد سوق quot;هرجquot; المكان الافضل للحصول على افلام إباحية.
وحين سألنا البائع حسن عن الأفلام الاباحية وحركة بيعها، ابدى اسفاً لانعدام هذا الصنف لديه، غير انه اقترح بديلاً، عندما المح الى ان لديه مجلات جنسية، يبلغ سعر الواحدة منها 30 دولار تقريباً. ولا يكشف البائع عما لديه من بضائع، الا بعد الاطمئنان تماماً للزبون، والمثير ان بعض المجلات حديث جدا وهي من إصدارات العام 2010.
ووفقاً للشاب العراقي حامد البياتي، يعتمد باعة الافلام الاباحية في ترويج بضاعتهم او بيعها على كود سري يمكن استخدامه بين البائع والمشترى، ليطمئن الاول لهوية الاخير، ولا يكون هذا الكود متعرافاً عليه الا اذ كان المشترى على علاقة بالبائع او بأحد المقربين منه، ولعل ذلك هو ما حدث مع فريق quot;ايلافquot;، عندما رفض البائع الافصاح عما لديه من بضائع، تحسباً لكون الفريق تابعاً لأحد الجهات الرقابية، بينما كشف البائع عن وجود البضاعة ذاتها عندما سأله عنها احد الذين يعرفهم من الزبائن.
وادى استفحال هذه الظاهرة وتفشيها بين الشباب الى بروز تحيليلات متباينة حولها، إذ رأت نخب علمية وثقافية ان ما يحدث هو نتيجة طبيعية للانفتاح العراقي على العالم بعد العام 2003.
وتبدو النخب الدينية الأشد تذمرا من الانفتاح على الثقافات الغربية ووسائل إعلامها، والتي تتنافى مع تعاليم الدين بحسب رجل الدين كامل العيساوي في محافظة بابل، الذي قال: quot;ان تقنين وسائل الاتصال المختلفة من quot;الستلايت والدشquot; والإنترنت والسينما وأفلام الفيديو والتلفزيون والمجلات الإباحية أصبح أمرا ملحاquot;.
ثقافة العيب
لكن الكثير من الشباب المتفتح على الثقافة الغربية، لا يجد فيما قاله الشيخ العيساوي ضالته، فالبعض يرى ان هناك حاجة اجتماعية لتعدد الثقافات والانفتاح على العالم، بل
ان البعض يرى في انتشار الأفلام نوعا من تعميم quot;ثقافة جنسيةquot;، وقهر لثقافة quot;العيبquot; المتأصلة في المجتمع، والتي تعيق الكثير من النشاطات الاجتماعية، لاسيما ما يتعلق بالمرأة، بل ان بعض الشباب من الأزواج لا يرى ضيرا من quot;أفلام جنسية موجهةquot;
لأغراض الثقافة الجنسية، بغية معالجة ndash; على سبيل المثال - الملل في المعاشرة الزوجية وروتينها، والبرود الجنسي، ويعتقد مدرس التربية الاجتماعية حامد العيساوي ان حظر انتشار الاعلام الجنسي، يعد تعسفاً اجتماعياً يؤدي الى كبت المشاعر الجنسية وربما يزيد من حالات الاغتصاب.
ويرى خالد موسى أخصائي في علم النفس ان البيئة تؤثر في تنمية المشاعر الأخلاقية، وحين تكون البيئة صارمة في هذا المجال فانها ستحد من تداول الفعل الإباحي لكنها لن تمنعه حين يجد مكانا له في الظلام.
ويقضي خالد وهو شاب جامعي وقتا ممتعا بصحبة أصدقائه في مشاهدة فيلما جنسيا، وعن ذلك يقول: quot;نجتمع كل أسبوع في بين احد الأصدقاء لمشاهدة فيلم إباحيquot;. ويضيف: quot;كل ممنوع مرغوب هي القاعدة الذهبية، وان علينا محاصرة الإباحية بالطرق العلمية الصحيحة وان نوفر البدائل للتعبير عن المشاعر الجنسيةquot;.
ويعزو موسى لجوء الشباب الى مشاهدة الأفلام الإباحية الى quot;الفضولquot; ويعتبرها مرحلة عمرية quot; المراهقة quot; يمر بها الجميع حيث التغيرات الفيزيولوجية، وتتعدد أساليب التعبير عن quot;الحاجة الجنسية quot;، اضافة إلى ان المراهق في هذه المرحلة يحاول التعبير عن الـquot;اناquot; من خلال كسر وتجاوز تابوات المجتمع.
وطبقاً لوجهة نظر الدكتور عبد القادر كامل من جامعة بابل فان وجود مناهج دراسية في المدرسة أو الجامعة تتناول موضوع الحاجات الجنسية لدى الشباب من الجنسين، ستضع الأسس الصحية لسلوك جنسي جمعي صحيح في المجتمع، بدلاً من البحث في زوايا الظلام عن ماء يروي العطش الجنسي.
التعليقات