انتهت معركة انتخابات بيروت البلدية المقررة الأحد المقبل قبل أن تبدأ في عرف قوى 14 آذار/ مارس. فقد صار معروفاً أنّ اللائحة الوحيدة التي تخوض منافسة- ليست في الواقع منافسة- هي التي تضّم مرشحي هذه القوى من مسلمين ومسيحيين على قاعدة المناصفة، ومن ضمنهم مرشحون من quot;الجماعة الإسلاميّةquot; وحركة quot;أملquot; وquot;حزب الطاشناقquot;.

بيروت:كما صار معروفاً أعلن النائب الجنرال ميشال عون مقاطعته الانتخابات البلديّة لبيروت في مقابل الاستمرار في انتخابات المخاتير في الأحياء، وكذلك فعل quot;حزب اللهquot; بإعلانه رسمياً أنّه هو أيضاً سيقاطع الانتخابات البلديّة بينما يستمرّ في الانتخابات على مستوى المخاتير.

في الواقع لا يمكن تجاهل بروز نوع من انفراط في المواقف داخل تحالف قوى 8 آذار الذي يقوده quot;حزب اللهquot; في التعامل مع انتخابات بيروت . ويقول مسؤول إنتخابي في تحالف 14 آذار، يشترط عدم ذكر اسمه لعدم توتير الأجواء وخرق ما تبقى من هدنة إعلامية إن quot;قرار عون المقاطعة إنّما هو هرب موصوف من خوض معركة، إذ كان أمامه خيار لو لم يقررّ الهرب، أن يخوض معركة إثبات وجود مسيحياً، حتّى لو لم تكن لأي لائحة يشكّلها لمنافسة quot;لائحة وحدة بيروتquot; التي يشكل quot;تيار المستقبلquot; عمادها، أدنى حظوظ في النجاح. لكنّه اختار مغادرة المعركة تماماً، وهذا ما ساهمت فيه نتائج بلديّات جبل لبنان. وحال عون هي انهيار في وضعه المسيحي ، تضاف إليه علاقة عداء بينه وبين البيئة الإسلامية.

أما quot;حزب اللهquot;، فتحدث في البيان الذي أصدره متضّمناً قراره بالمقاطعة عن تنكّر quot;تيّار المستقبلquot; وحلفائه لما يسمّيه quot;المعارضة السنيةquot; وعنّ quot;التنكر للحجم الحقيقي الذي يمثّله quot;التيار العونيquot;. يسأل المسؤول الإنتخابي هنا : quot;إذا كان ما يقوله quot;حزب اللهquot; عن quot;معارضة سنيّةquot; ذات حضور صحيحاً، وإذا كان كلامه عن quot;حجم التيار العونيّquot; صحيحاً أيضاً فلماذا لم يقُد عملية تشكيل لائحة منافسة تضمّه وعون وquot;المعارضة السنيّةquot; ويستدعى إليها quot;الطاشناقquot; وquot;أملquot;؟quot;.الجواب الأكيد عن هذا السؤال أنّ quot;حزب اللهquot; يعلم علم اليقين انهيار عون في البيئة المسيّحية ويعلم علم اليقين أن لا quot;معارضة سنيّةquot; حقيقية في بيروت خصوصاً لأنّ هذا المسمّى هو لعدد من الأشخاص الذين يشكّلون في أحسن الأحوال اختراقات أمنيّة لـquot;حزب اللهquot; في بعض أحياء بيروت. غير أنّ بيان quot;حزب اللهquot; يتذّرع بـquot;تحريض مذهبيquot; وquot;بدايات تجييشquot; ما أدّى إلى العزوف عن تشكيل لائحة ثمّ إلى المقاطعة.

وهذا القول في ذاته اعتراف بأنّ quot;حزب اللهquot; مرفوض في بيروت، أو بالأدق هو عنوان ما تعتبره بيروت جراحاً ألحقها بها هذا الحزب كما هو عنوان لإساءات تعّرضت لها وأبناؤها من نتائج عملية quot;7 أيّار/ مايوquot; عندما سيطر الحزب بقوة السلاح على العاصمة، وأبدى استعلاء على أبنائهاquot; ، مركزاً في السياق نفسه على أن quot;بيروت لا تأخذ موقفاً من الشيعة بل من quot;حزب اللهquot;.

لكن مصدرا قياديا فيquot; حزب اللهquot; أوضح ان قرار الحزب بمقاطعة الانتخابات البلدية في بيروت جاء لقطع الطريق على المصطادين في الماء العكر، مشيرا الى ان الحزب أثبت مرة أخرى ان علاقته مع حلفائه في التيار العوني والمعارضة السنية هي علاقة ثابتة واستراتيجية، وهو لم يتردد في التخلي عن مقعد بلدي، يتمتع برمزية معينة في بيروت. في حين يروي مسؤول في حزب الطاشناق أن وفدا من الحزب الأرمني زار رئيس مجلس النواب نبيه بري وأبلغه ان quot;الرئيس سعد الحريري أعطانا عضوين في بلدية بيروت، فما رأيك؟quot; فأجاب بري: quot; اتكلوا على الله. أنا نازل مع الحريريquot;.

وسرعان ما تبين ان قرار الجنرال عون بمقاطعة الانتخابات البلدية وحصر المشاركة في انتخابات المخاتير كان منسقا مع حليفه quot;حزب اللهquot;، وان قرار حزب الطاشناق بالانضمام الى مجلس بلدية بيروت المعلن من مقر الحريري في قريطم كان منسقا مع عون الذي تفهم موقف الطاشناق بأنه تم انصافه في مجلس بلدية بيروت ولا يمكن رفض العرض، والذي وافق مقابل ذلك تحالف الطاشناق معه في معركة مخاتير بيروت.

ويجمع طرفا الصراع على أن معركة بيروت الإنتخابية انتهت على المستوى البلدي قبل أن تبدأ ، ورغم ذلك يجهد كل منهما في رفع درجة المشاركة الشعبية والتصويت، مع ما يستدعيه ذلك من كسر حال الاسترخاء واللامبالاة بسبب أو بحجة ان لائحة وحدة بيروت فائزة حكما. هكذا يحض quot;تيار المستقبلquot; على المشاركة الكثيفة لإيصال اللائحة كاملة من دون تشطيب ولحماية خيار المناصفة بين المسلمين والمسيحيين. بينما يرى مسيحيو ١٤ آذار أنفسهم أمام ضرورة وأهمية رفع حجم المشاركة والأصوات المسيحية حتى لا يقال ان هناك مقاطعة مسيحية للانتخابات، وانquot; لائحة وحدة بيروتquot; لا تحظى بتغطية وشرعية شعبيتين في المناطق ذات الغالبية المسيحية.

ويتخوف داعمو اللائحة من عدم التزام جميع أهالي بيروت التوجه الى صناديق الاقتراع لعدم وجود لائحة منافسة قوية، بالاضافة الى خشيتهم ان يشطب الناخبون السُنة البيروتيون، وهم النسبة الأكبر بين الطوائف البيروتية، المرشحين المسيحيين من اللائحة ظنا منهم انهم quot;يزيدون جماعة أهل السُنةquot;، على ما ذكرت مصادر إنتخابية، لذلك يجيش quot;تيار المستقبلquot; وحلفاؤه ماكيناتهم الانتخابية على رغم أن فوز اللائحة بات مضموناً.

وذلك كي تنال أعلى رقم ممكن في مقابل بعض المرشحين المعارضين الذين بقوا في ميدان المنافسة، لا سيما من المعارضة السنية، ومن أجل ضمان حصول أعضاء اللائحة، لا سيما المسيحيين منهم ، وهم ١٢ من أصل ٢٤ على أصوات متساوية مع زملائهم المسلمين quot;لتأكيد وفاء الرئيس سعد الحريري التزامه ضمان المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في المجلس البلدي لبيروت.

وثمة تحد آخر يتمثل في معركة المخاتير التي تبرز على نحو جزئي في الدائرة الثانية من بيروت ( الباشورة) حيث مناطق الاختلاط السني الشيعي الأرمني، ولكنها تبرز بقوة في الدائرة الأولى ( الأشرفية وتوابعها) بين تحالف ١٤ آذار وتحالف عون- الطاشناق، فالجنرال عون قال انه أراد معركة المخاتير استفتاء، ورئيس حزب quot;القوات اللبنانية quot;سمير جعجع قال quot;اذا أرادها عون معركة مخاتير فلتكنquot;. من هنا تكتسب هذه المواجهة quot;الصغيرة نسبياًquot; شيئاً من الرمزية.