خلط الهجوم الإسرائيلي على quot;أسطول الحريَّةquot; ومقتل أتراك على يد الكوموندس، أوراق العلاقة بين أنقرة وتل أبيب، وشكَّلت تداعيَّات الحادثة محور إهتمام الرأي العام الدولي خلال الأيَّام الماضيَّة، ما قد يدفع إلى تحريك مطلب رفع الحصار عن غزة.

بيروت: يظهر بوضوح لمتابعي تداعيات الهجوم الإسرائيلي على quot;أسطول الحريَّةquot; ان مسألة quot;رفع الحصار عن غزة quot; ستشكّل محور الإهتمام في الأيام والأسابيع المقبلة، كما ستتحول إلى quot;سقفquot; للمطالب العربيَّة والتركيَّة والدوليَّة، وهذا السقف وإن كان يبدو منخفضًا مقارنة بالشعارات التركيَّة العالية النبرة، إلا أن تحققه الصعب عمليًّا يعد مكسبًا مهمًّا.

ومع موضوع حصار غزة يطرح سؤال جوهري عن الإتجاه الذي ستسلكه العلاقات الإسرائيليَّة ndash; التركيَّة، وما هو سقف التدهور فيها بعدما اندفعت الحكومة التركيَّة في خلاف متسارع مع اسرائيل، علمًا أن بين الدولتين علاقة تحالف استراتيجي على الصعيدين الأمني والعسكري. مما يجرّ إلى طرح بعض التساؤلات إذا ما كانت العمليَّة الإسرائيليَّة ضد أسطول المساعدات ردًّا على الهجوم التركي الدبلوماسي الذي برز في الحقبة الأخيرة؟

وهل صحيح أن تركيا، بسلسلة مواقفها منذ سنة، قد quot;انتزعت علم فلسطين من إيرانquot;، على قاعدة أنَّها دولة سنيَّة وأولى بهذا العلم من إيران ؟ ثم هل إن لموقف حكومة رجب طيب أردوغان المتعاطف مع القضيَّة الفلسطينيَّة علاقة بصراعه الداخلي مع الجيش، خصوصًا مع إقتراب الإنتخابات التركيَّة؟

ويستبعد متابعو المواقف التركيَّة أن تكون لدى أنقرة quot;غايات تخريبيَّةquot; للجهود الأميركيَّة في المنطقة، ويرجحون أنها تريد دورًا أكثر فاعليَّة في معادلة الشرق الأوسط بما يخدم مصالحها في الأطلسي وفي اتجاه السوق الأوروبيَّة المشتركة. ويعيدون إلى الذاكرة أن العلاقات التركيَّة - الاسرائيليَّة شهدت خلال عامين اهتزازات ونكسات متتالية منذ الحرب الاسرائيليَّة على غزة، وصولاً الى الاتفاق التركي والبرازيلي مع ايران بشأن تبادل الوقود النووي، إتفاق اعتبره الاسرائيليون في حينه تواطؤًا تركيًّا مع ايران لإفلاتها من العقوبات الدوليَّة.

لكن حادثة أسطول المساعدات كانت المرة الأولى التي يحصل فيها quot;شرخ دمويquot; في العلاقات التركيَّة - الاسرائيليَّة، وهو الأسوأ بين الدولتين باعتباره اعتداءً صارخًا على السيادة التركيَّة وعن سابق تصور وتصميم باستهدافه إحدى السفن التركيَّة دون غيرها بالقوَّة العسكريَّةفي quot;أسطول الحريَّةquot; التابع لجنسيَّات أخرى لرفع الحصار عن غزة.

وهذا الاهتزاز هو أخطر وأسوأ ما واجهته العلاقة التركيَّة- الاسرائيليَّة، وقد أكد من جديد وجود مشكلة فعليَّة تحدد اسرائيل اسبابها في الجهة التركيَّة بثلاثة: ضعف نفوذ الجيش في المؤسسة الحاكمة، وأيديولوجيا حزب العدالة الاسلامي الذي سيبقى مدة طويلة في الحكم، والروابط العقائديَّة بين quot;العدالةquot; وحركة quot;حماسquot;.

أما بالنسبة إلى المستقبل فليس من الصعب تلمس أن التحليلات الإسرائيليَّة بدأت تعكس اقتناعًا بأن التحالف مع تركيا أصبح من الماضي، وبأن على إسرائيل أن تعتاد واقع انفراط عقد التحالف الإستراتيجي بينها وبين تركيا من الآن فصاعدًا، والتفكير بكيفية تدبر الأمور، التي كانت معالجتها مرهونة بهذا التحالف، بمفردها.

ويتوجب على اسرائيل ان تُشعِر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بخطورة نوايا حكومة العدالة التركيَّة وتوجهاتها الراديكاليَّة الرامية، وفق الإدعاءات الإسرائيليَّة، الى أسلمة تركيا ومعاداة اسرائيل وتحدي الغرب عبر التقارب مع دول لطالما وصفتها واشنطن quot;بالمارقةquot; أو quot;المنبوذةquot; مثل ايران وسوريا.

والثابت أن تركيا تصبح يومًا بعد يوم quot;منافسة جديَّةquot; لإيران في الدور القيادي في المنطقة وفي التمدد الشرق أوسطي وفي الاختراق والتوغل العربي من باب القضيَّة الفلسطينيَّة. والثابت أيضًا ان السلوك الاسرائيلي لا يتعلق حصرًا بحصار غزة بل يستهدف ابطاء الدور التركي المتصاعد في الشرق الأوسط ككل، خصوصًا في ما يتعلق بإيران والملف النووي.فاسرائيل تتطلع إلى نسفتوازنات الدور التركي الجديد في مجالاته المختلفة وبعثت رسالة الى أنقرة وحكومة العدالة والتنمية بأن عليها ان تختار بين صداقة اسرائيل أو عداوتها، ولا خيار ثالثًا، وهذا وضع يحمل أردوغان على التفكير جيِّدًا قبل الإقدام على الخطوات التالية.

أما العرب، فأن تكرس نفوذ تركيا وتأثيرها بعد إيران في القضيَّة المركزيَّة فلسطين يجعلهم مرشحين إلى التحوُّل أكثر فأكثر إلى مجرد مصفقين إعجابًا في بعض الأحيان، ومتابعين مشاهدين غالبًا لما يجري من حولهم وفي ديارهم .