ديفيد وفي الخلفية إد يلقي بظله عليه

أعلن ديفيد ميليباند، وزير الخارجية البريطاني السابق، أنه لن يعمل في حكومة ظل العمال تحت إمرة أخيه الأصغر إد. وجاء هذا بعد هزيمته المريرة لأخيه بهامش 1.3 في المائة في أتون معركة خلافة غوردون براون لزعامة الحزب.

قال وزير الخارجية البريطاني السابق، ديفيد ميليباند، في معرض تبريرهلهجر بقعة الضوء السياسيإنه يريد أن يفسح المجال لأخيه بدون ما يعيقه من ظلال معركة الزعامة بينهما، وإن من الأفضل للحزب أن يخدمه من أحد مقاعد البرلمان الخلفية... الى آخره مما يقال في مقام كهذا. على أن الخبر لم يأت مفاجئا لأحد، وثمة مؤشرات عديدة أنبأت بذلك.

من تلك المؤشرات ما قاله إد ميليباند، الذي سيشكل الآن حكومة الظل باعتباره زعيم المعارضة، لتلفزيون quot;بي بي سيquot; وهو: quot;أعتقد أن الشيء الأكثر أهمية الآن هو أن يفعل ديفيد الشيء الصحيح لنفسه ولأسرته. أعلم أن مشاركته (في الحزب) ستكون هائلة في المستقبلquot;. (لاحظ كلمة quot;المستقبلquot;).

وكان منها حديث رفاق ديفيد في مجلس وزراء الظل (حتى إعلان نتيجة انتخابات الزعامة) وكأنهم يعلمون أنه اتخذ قراره بالرحيل عن مقاعد البرلمان الأمامية.

وعلى سبيل المثال قال وزير المدارس السابق وأحد المرشحين الخمسة لقيادة الحزب إد بولز: quot;أتمنى بقاءه في حكومة الظل بالطبع. لكنه إذا قرر في نهاية المطاف العودة الى المقاعد الخلفية لأسباب شخصية أو أسرية، فكلنا سنتفهم ذلك وسنقدم له دعمنا مائة في المائةquot; (تبقى فقط معرفة هذه quot;الأسباب الشخصية والأسريةquot; إذن وليس القرار نفسه).

وعندما كان إد يلقي خطابه الأول كزعيم للحزب في مؤتمره بمانشيستر الثلاثاء، كان واضحا أن ديفيد يحاول جاهدا إخفاء إحساسه بالمرارة. وعندما مضى هذا الزعيم اليافع ليسجل أكبر إدانة لحزب العمال الجديد قائلا إن قرار توني بلير الانضمام للحرب في العراق كان quot;خطأ قسّم أمتنا وحزبنا ويجب علينا أن نقر بذلكquot;، كان يغرس سكينا أخرى في قلب أخيه quot;البليريquot; الذي كان من أشد أنصار خوض تلك الحرب.

ومضى إد ليشرح اعتراضه على قرار بلير إرسال الجنود الى العراق بقوله إنه كان quot;خطأ لأنه لم يسع للحصول على مباركة الأمم المتحدة والإرادة الدوليةquot;. ومثل السواد الأعظم من بقية الحضور صفقت زعيمة الحزب سابقا بالوكالة، هارييت هارمان، تحية للزعيم الجديد وكانت تجلس الى جانب ديفيد مباشرة. فالتفت اليها هذا الأخير بغضب واضح وقال بصوت سمعه المحيطون بهما: quot;لماذا تصفقين؟ أنت أيضا صوّت لصالح القرارquot;!

وبعد تلك الجلسة غادر ديفيد مانشيستر الى لندن قائلا إن وجوده في أروقة المؤتمر quot;سيشغل الناس عن القضايا الحقيقية التي تهم الحزبquot;. واصطحب معه في رحلة العودة الى لندن زوجته لويز شاكلتون التي يعلم القاصي والداني أنها ذرفت الدمع السخين حزنا على خسارة زوجها الزعامة وحرمانها بالتالي من أن تصبح سيدة الحزب الأولى وربما سيدة البلاد الأولى بعد الانتخابات المقبلة.

ويعلم القاصي والداني ايضا أن لويز شاكلتون اتهمت إد بأنه quot;خائن لمواثيق الأخوة والأسرة الواحدةquot; بإعلانه ترشيح نفسه منافسا لديفيد الذي كان سيفوز بها لولا أن إد سحب بساطها من تحت قدميه بعدما ألقت نقابات العمال العملاقة بثقلها وراءه.

وتدد أيضا أن لويز طلبت الى ديفيد أن يدير ظهره لأخيه وألا يقبل حتى بمنصب وزير الخزانة الذي قالت إشاعات أخرى إنه اشترطه في بادئ الأمر للعمل في حكومة الظل. ويكتسب هذا الأمر صدقيته من أن لويز هي التي أقنعت زوجها بعدم السعي لخلافة توني بلير بعد تنحيه في العام 2007 إذ كان الزوجان قد فرغا لتوهما من إجراءات تبني طفلهما الثاني، وأنها منعته أيضا من تحدي غوردون براون في 2008 عندما صب كبار العماليين جام غضبهم عليه واتهموه علنا بأنه وبال على الجزب وسيقوده لصقيع المعارضة.

ويوم الأربعاء نفى إد، في لقاء مع قناة quot;سكاي نيوز الإخباريةquot; أن يكون قد خان أخاه. وقال: quot;لا اعتقد ان ديفيد ينظر الى الأمر من هذه الزاوية على الإطلاق. اعتقد إنه سيقول إنها كانت منافسة عادلةquot;. وعندما سئل عما إن كان غوردون براون هو الذي طلب اليه - كما يقال - أن يرشح نفسه ضد ديفيد أجاب بالقول: quot;حتما لاquot;.

ويحق لديفيد أن يشعر بمرارة ربما لم يذقها طوال حياته من قبل. فقد أضاع تحقيق حلم عمره بالزعامة (ورئاسة الوزراء) مرتين من قبل حين سنحت له فرصة خلافة بلير في 2007 وخلافة غوردون براون في 2008. وهاهو الآن يفقد الزعامة مجددا بأقل هامش ممكن لأخيه الأصغر quot;المتمردquot;.

لكن يجب أن يقال إن خسارته هي خسارة حزب العمال في المقام الأول. ففي قوام الشباب الذين يشكلون قيادته الجديدة، يتمتع ديفيد بالخبرة الأكبر والأعمق التي أتاحها له شغل منصب وزير الخارجية في الحكومة السابقة. ورغم ارتكابه خطأ تأييد حرب العراق، فهو يعتبر من ألمع العقول والمواهب السياسية في الساحة البريطانية اليوم. وكون رحيله جاء فقط بسبب تأييد نقابات العمال لأخيه نذير شؤم للحزب نفسه وضربة لآماله في تولي الحكم مجددا بسبب الصورة السلبية التي يرسمها بقية الناخبين البريطانيين للنقابات.

ورغم أن قرار ديفيد الابتعاد عن بقعة الضوء السياسي حاليا، فإن هذا لا يسد الطريق أمامه للعودة اليها متى رغب.. وعلى الأرجح في غضون سنتين على الأكثر كافيتين لبرء الجرح واتضاح الصورة تحت زعامة أخيه. وهما سنتان ستجعلانه في السادسة والأربعين: عز الشباب!