عاشت الجزائر وتونس على صفيح ساخن خلال الأسابيع الاخيرة، حيث سقط عدد كبير من القتلى خلال مواجهات مع الشرطة على خلفية ارتفاع اسعار المواد الاساسية. وفي ظل هذه التطورات السريعة تطرح تسؤلات حول الوضع في المغرب، وهل هو في منأى عن الاضطرابات الاجتماعية؟


People chant during a demonstration in Tunis, ...
مواطنون غاضبون في تونس

شهدت مدن الجزائر وتونس خلال الأسبوعين الأخيرين اضطرابات نتيجة الاحتجاجات الاجتماعية التي خلفت مقتل14 مدنيا تونسيا، حسب السلطات التونسية و22 شخصا حسب الحقوقيين التونسيين. اما في الجزائر لقي 4 مواطنين مصرعهم وأصيب أكثر من ألفين شخص بجروح متفاوتة الخطورة.

وفيما أوضح الصحافي الجزائري محمود شعال، لـquot;إيلافquot; أن الجزائر شهدت احتجاجات كثيرة، اكد أن الأوضاع حاليا عادية. وقال إن الجزائر quot;طوقت لمدة أسبوعquot;، بعد أول مظاهرة ضد غلاء الأسعار.

وقال الصحافي الجزائري إن أسباب هذا الغليان الاجتماعي، بالإضافة، إلى ارتفاع المواد الغذائية الأساسية، هو الصراع بين أطراف كثيرة في السلطة بالجزائر، اذ يسعى كل جناح في النظام إلى السيطرة، تمهيدا لفترة ما بعد الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة.

خوف من إنتقال العدوى

هذا الاحتقان الاجتماعي غير المسبوق في تونس والجزائر، جعل سكان الدول المغاربية الأخرى، خاصة المغرب يتخوفون من انتقال العدوى. وقد دفعت الأحداث، إيمان، 27 سنة مسؤولة في شركة للإعلاميات، إلى مواكبة الأحداث وتقول quot;منذ بداية الاحداث أتابع الاخبار، خاصة في مواقع الصحف الفرنسيةquot;.

وتقول إيمان إن الدافع وراء هذا الفضول هو quot;الاطلاع على ما يحدث عند جيرانناquot; وquot;الخوف من تكراره في المغربquot;، خاصة أن المملكة المغربية شهدت في السنوات الأخيرة إحتجاجات اجتماعية غير أنها لم تكن دامية كما هو الحال في الدولتين المغاربيتين.

هذا الخوف تتباين حوله آراء السياسيين والباحثين والناشطين الحقوقيين والإعلاميين، بالنسبة للباحث الانتروبولوجي عبد الباقي بلفقيه، فالأمر محسوم، quot;ما حدث في تونس والجزائر لا يمكن أن يحدث في المغرب، ومضى مفسرا ذلك في تصريح لـquot;إيلافquot; quot;مبدئيا لا يمكن حدوث ذلك في المغرب لأن التركيبة الاجتماعية للمغرب والبنية التحتية فيه مختلفة كثيرا عنها في الجزائر وتونسquot; وأوضح أن الجزائر quot;تتوفر على خيرات كثيرة (النفط)، لكن تلك الخيرات لا تؤسس لاقتصاد يستفيد منه عموم المواطنينquot; غياب ما سماه quot;السلوك الاقتصادي المعممquot; يقابله في المغرب quot;حضور مجهودات لخلق الثروة والغنىquot;.

وفي تونس، يرى الباحث، أن quot;طبيعة الحكم العسكري، تستثني إشراك المواطنين في التدبير الاقتصاديquot;، لأن quot;الهم الوحيد للحكام هو السلطةquot;، في المقابل هذا الأمر غير مطروح في المغرب quot;لأن الملكية متجدرة في المغرب، ورغم دخولها للاقتصاد إلا أنها quot;تترك نوعا من تكافؤ الفرصquot; بين عموم المواطنين.

وأضاف بلفقيه أن quot;تونس تتوفر على أمور كثيرة لكنها تفتقد لبنية اقتصادية تسمح لكل المواطنين بامتلاك الثروة. كما حذر الباحث أن المغرب، رغم ذلك، لم يوفق quot;في خلق طبقة متوسطة يمكن ان تجنبه هزات مماثلةquot;، خاصة أنه يعرف هشاشة اقتصادية.

لكن هناك من يرى أن انعكاسات ما حدث في تونس والجزائر على المغرب quot;وشيكةquot;، ويذكر بهذا الصدد الناشط الأمازيغي المغربي منير كجي بما وقع أخيرا في تنغير بالمغرب وبما سبق أن وقع في مدن العيون وسيدي إيفني والحسيمة وصفرو.

وقال إن quot;الاحتقان الاجتماعيquot; في المغرب مشابه بما يحدث في الدول المغاربية الأخرى، حيث يعاني المواطن من quot;الإقصاء الاجتماعيquot;. وأوضح أنه بعد نصف قرن على استقلال المغرب ما زال هناك quot;مغرب نافعquot; وquot;مغرب غير نافعquot; (اسم كانت أطلقته سلطات الحماية الفرنسية للمغرب (من 1912 إلى 1955) وقال quot;المغرب مادة قابلة للانفجار، وقد يحدث هذا الانفجار في أي لحظةquot;، وأضاف أن quot;الضغط كبير نتيجة استغلال فئة صغيرة جدا لكل خيرات المملكةquot;، وطالب بتقليص خارطة الفقر بالمغرب لتجنب الأسوأ.

اما بالنسبة لصلاح الوديع، الناطق الرسمي باسم حزب quot;الأصالة والمعاصرةquot; المغربي المعارض للحكومة فإنه ينتقد طريقة التعامل مع الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدتها تونس والجزائر، وقال في تصريح لـquot;إيلافquot; quot;نعتبر، في الحزب، أن المشاكل الاجتماعية يجب أن تعالج بالحوار بالإنصات إلى الفئات المحرومةquot;، كما اوضح أنه كان يجب تجنب تلك الأحداث الدامية لو استبقت حكومة الدولتين بـquot;حوار استباقي، وبالإنصات إلى مطالب السكانquot;.

ودعا إلى ضرورة إجراء حوار وطني تشارك فيه جميع الأطراف. وحول إمكانية انتقال تلك الاحتجاجات التي شهدت سقوط عدد من القتلى في الجزائر وتونس، إلى المغرب، قال الناطق الرسمي باسم quot;الأصالة والمعاصرةquot; quot;كمعارضة نقر بوجود هشاشة اجتماعية، وإذ لا يمكن التكهن بالغيب، فإن المسؤولية الملقاة اليوم على الحكومة وعلى جميع الفاعلين هي في فتح حوار وطني في الموضوع من أجل درء الاحتمالات السيئة. هذه الاحتمالات جعلت المغاربة يهتمون كثيرا بأخبار الجارة الجزائر وتونس، وقال الصحافي هشام سميج إنه يتابع عن كثب ما يقع في تونس والجزائر من خلال مواقع فايسبوك ويوتيوب والصحافة، وتأسف لغياب المعلومة، خاصة في تونس حيث تمارس السلطات المحلية رقابة صارمة على الانترنت.

كما انتقد الصحافة الفرنسية التي تعاملت ب quot;نوع من المجاملةquot; مع النظامين الجزائري والتونسي ولم تخصص أغلفة أو تحقيقات كثيرة للأحداث.

ويعتقد هشام أن ما حدث في تونس لا يمكنه أن يقع في المغرب لعدة أسباب، أولها أن ما حدث في الجزائر كان ردة فعل على ارتفاع صاروخي في المواد الأساسية بداية الشهر الجاري، خاصة مادتي الزيت والسكر اللتين شهدتا ارتفاعا ب15 في المائة، وشبه ما حدث في الجزائر بما سبق أن عاشته الدار البيضاء بداية الثمانينات من القرن الماضي في ما بات يعرف بquot;شهداء الكوميراquot; (شهداء الخبز)، وأوضح أنه منذ ذلك التاريخ انتبهت الدولة المغربية إلى خطورة المواد الغذائية الأساسية، فتجنبت رفع الأسعار، ويشرف صندوق تابع للدولة في المغرب يطلق عليه quot;صندوق المقاصةquot; دعم المواد الغذائية الأساسية، ويدعم الزيت والسكر والدقيق. ويضرب هشام مثالا على دور الصندوق الكبير ما شهدته السنة الماضية من ارتفاع صاروخي لأثمنة القمح، وهو ما حدا بالحكومة المغربية إلى إلغاء جميع الحقوق الجمركية على استيراده، وهذا ما جعل الأثمنة تبقى في مستوياتها السابقة.

بالنسبة لاحتجاجات تونس، قال هشام إنها مرتبطة بـquot;الفقرquot; وquot;البطالةquot;، وربط هذه الوضعية بتضييق الحكومة التونسية الخناق على كل المداخيل المدرة للثروة أو الدخل، فيما يسمح المغرب باقتصاد غير مهيكل، كما هو الحال بالنسبة لـquot;درب غلفquot; (أكبر سوق لبيع المواد المهربة من الخارج في المغرب).

وقال إن الحكومة المغربية لم تسع للقضاء على الاقتصاد غير المهيكل رغم صرامة مديرية الضرائب المغربية منذ سنتين في فرض مراقبة ضريبية صارمة على المقاولات، وقال إن الحكومة تعي جيدا دور هذا القطاع بالنسبة لفئات عريضة.

سد الذرائع

وإتهم الناشط الأمازيغي منير كجي الرباط بمساندة الانتهاكات في تونس وقال quot;منع المغرب لتظاهرة أمام سفارة تونس بالرباط يعني أن الرباط تساند النظام السياسي للدولةquot;. وكانت التنسيقية المغربية لمساندة الديمقراطيين التونسيينquot; قد توصلت برسالة مكتوبة من قبل السلطات في العاصمة المغربية تخبر التنسيقية برفض التصريح للقيام بالوقفة أمام السفارة التونسية بالرباط.

وكانت شخصيات مغربية قد شكلت سنة 2005 لجنة لمساندة الديمقراطيين التونسيين أطلقت على نفسها اسم quot;التنسيقية المغربية لمساندة الديمقراطيين التونسيينquot;، وتضم جمعيات وهيئات نقابية وحقوقية ونسائية وسياسية، وقد طالبت هذه التنسيقية بوقفة تضامنية أمام سفارة تونس بالرباط الاثنين العاشر من يناير- كانون الثاني 2011، وذلك quot;احتجاجا على قمع المتظاهرين وتضامنا مع القوى الديمقراطية بتونس الشقيقةquot; بعد الأحداث الاجتماعية الخطرة.

ونددت التنسيقية بما سمته quot;انتهاكات حقوق الإنسان، التي تعرضت لها الجماهير الشعبية أثناء مظاهراتها السلمية والمشروعة وطالبت بمحاكمة المسؤولين عن القمع المفضي إلى القتل الذي تم تسليطه على المحتجينquot;.

حتى لا تتكرر التجربة

وحول تعامل الصحافة المغربية مع أحداث تونس والجزائر، قال محمود شعال إن quot;المشكلة في نظري مرتبطة بمصادر الخبر، فالصحافة المغربية تعتمد على وكالات دولية للأخبار، ولا تتوفر على مراسلين في المكان، كما أنها لا تستطيع أن تبعث موفدين عنها إلى الجزائر أو تونسquot;.

كما تحدث عن quot;الحساسية السياسيةquot; من تناول موضوع مثل هذا في المغرب، خاصة بالنسبة لما حدث في تونس التي شهدت أحداثا أكثر خطورة لما شهدته الجزائر، وقال quot;وكالة الأنباء المغربية وquot;الصحف المهادنةquot; تتوفر على تعليمات بعدم إغضاب نظام بن علي، وأوضح أن هذا يسمح فقط بتقديم quot;تحاليل حول الوضعيةquot;.

وبالنسبة إلى مسؤول كبير في إحدى الإذاعات الخاصة المغربية، فضل عدم الكشف عن هويته واسم إذاعته، فإن quot;التعامل مع أحداث تونس والجزائر سيكون مختلفا، إذ سيتم الاشارة في حالة تونس، إلى أخبار رسمية للحكومة التونسية وتجنب معطيات صادرة عن المعارضة، فيما سيتم التعامل بطريقة مختلفة مع احتجاجات الجزائر، إذ سيتم اللجوء إلى ما نشرته وكالات الأنباء العالمية وستتم استضافة المعارضة الجزائريةquot;. هذا التعامل التفضيلي يدخله الصحافي في ما يسميه بالـquot;التعامل بالمثلquot; إذ تتعامل وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية بكثير من التحيز مع الأخبار.

واهتمت الصحافة المغربية بالموضوع، وكتبت جريدة quot;أخبار اليومquot;في صفحتها الأولى خبرا صغيرا عن quot;17 قتيلا في تونس والجزائر بسبب اضطرابات اجتماعيةquot;، كما اختارت أن تعنون افتتاحيتها ليوم الاثنين 5 كانون الثاني- يناير 2011 عن أحداث الجزائر وتونس quot;النار تشتعل في بيت الجيرانquot;، وقالت الافتتاحية إن هذه الأحداث سياسية quot;أليس هذا ضحكا على الذقون؟ أليست التظاهرات الاجتماعية ذات طابع سياسي بالأساس؟ وما فائدة السياسة إذا لم تكن في خدمة مطالب الناس؟quot; ثم أضافت quot;ان غياب الديمقراطية يفضي إلى غياب انتخابات حقيقة وبرلمانات حقيقية وسلطة رقابة على صانع القرار، مما يؤدي إلى اختلال في التوازن السياسي الذي يعبر عن نفسه في اختلالات أخرى في التوازنات الاجتماعيةquot;.

هذه الرسالة نقلتها افتتاحية quot;الصباحquot; لليوم نفسه، وعنونها quot;انتباهquot;، ونبهت إلى إمكانية انتقال هذه الموجة إلى المغرب، وقال رئيس تحريرها خالد الحري quot;إن ما يقع في بلدان المغرب العربي من احتجاجات وانتفاضات شعبية ضد الجوع والبطالة في الجزائر وضد ضيق مساحات الحريات في تونس، يؤكد بالملموس أن فتيل الحريق حين يشتغل قد يصل إلى أبعد مداهquot;.

وتذهب يومية quot;الأحداث المغربيةquot; إلى أبعد من ذلك، عندما تقول في القسم اليومي بالصفحة الأولى quot;من صميم الأحداثquot; أن المغاربة عليهم قراءة ما يقع في الجزائر وتونس، وذلك لكون quot;الوضعية متشابهة على كثير من المستويات بين الدول المغاربية تفرض هذه المقارنةquot;، وأوضحت اليومية أن quot;الدرس الأساس هو درس وجود الأحزاب السياسية والنقابات في الشارع المغاربي..quot;، وتدعو إلى ضرورة أن تتمتع هذه الهيئات بتمثيلية فعلية، وهو ما تفتقده حاليا. أما الدرس الثاني فهو quot;درس ديموقراطيتنا التي ينبغي أن تظل الحكم بين كل الأطراف داخل هذه الدول. لا يجب أن يصل الاحتقان في يوم من الأيام مداه الأخير الذي يجعل الأمن يطلق الرصاص المواطنين يضربون بالحجارةquot; والدرس الثالث هو quot;درس الاعتبار من كل هذا لبناء ديموقراطيات حقيقية في المنطقة تستحقها الأجيال الجديدة التي تجد صعوبة في التخلص من العقلية العتيقة التي حكمت هذه البلدان وورطتها في اختيارات سياسية واقتصادية مكلفة للغايةquot; وختمت الافتتاحية بالقول quot;لا يجب أن يمر درسا الجزائر وتونس دون ان نستفيد منهما الاستفادة التي تعفينا من تكرار الأخطاء التي قد يكون وقع فيها الجارانquot;.

كما اهتمت اليومية بالموضوع كثيرا وخصصت له صفحة كاملة بعنوان quot;تونس والجزائر فوق صفيح الاحتجاجات الساخنquot;، كما حذر المختار لغزيوي كاتب العمود اليومي بالصفحة الأخيرة quot;في الواجهةquot; من الشماتة في ما يقع في الجزائر، وقال quot;البعض يقول إن علينا أن نستغل الأحداث التي تجري حاليا في الجزائر كي نعيد للجارة الصاع صاعينquot;.

بدورها، اكتفت جريدة quot;المساءquot; اليومية المغربية بخبر عن quot;ثلاثة قتلى في الجزائر وأربعة في تونس حصيلة الاحتجاجات على ارتفاع الأسعار والبطالةquot;، وذكرت في مقال بصفحتيها الأولى والثانية بـquot;استدعاء الخارجية الأميركية للسفير التونسي في واشنطن وتسليمه رسالة تعبر عن قلق الحكومة الأميركية من تعامل الحكومة التونسية مع الاحتجاجات.

ويعول المغرب على هامش الحرية الكبير مقارنة بدول الجوار لمعالجة احتجاجات مماثلة، لكن المنظمات الحقوقية المغربية تذكر وتعيد بالتراجع الكبير لذلك الهامش في السنتين الأخيرتين، وتقول إن فاتورة تراجع الهامش قد تكون مكلفة، غير أن الحكومة تعقب بالقول إن لا تراجع عن خيار الديمقراطية وحقوق الإنسان التي اختارها المغرب ولم يملها عليه أحد.