يتبع الرئيس المصري حسني مبارك أساليب قديمة في مواجهة مظاهرات الشارع التي تطالب برحيله عن السلطة.


قد تكون المظاهرات السياسية هزت مصر بقوة غير أيديولوجية لكن الرئيس المصري حسني مبارك وحلفاءه لم يتخلوا عن الأساليب التي ظلوا يتبعونها خلال حكم الحزب الواحد الذي استمر حوالي ثلاثة عقود.

ومثلما كان رد الحكومة للاضطرابات في السابق باعتباره قضية أمنية فحسب واهمال المطالب الأساسية التي نزلوا من قبل إلى الشارع، تكرر الفئة الحاكمة المصرية نفس الشيء اليوم.

وضمن هذا السياق قال عبد المنعم سعيد أحد أعضاء الحزب الوطني الحاكم ومدير صحيفة ودار نشر الأهرام الحكومية لمراسل صحيفة نيويورك تايمز: quot;تحليلي هو أن الحكومة ستتركهم يصلون إلى مستوى الانهاكquot;.

وحسب رأي الصحيفة الاميركية فإن القيادة المصرية الحاكمة قد اعتادت على جمهور غير مسيس وغير متعاطف وهي مقتنعة بأن مصر تمر في فترة تشنج سبق أن عاشتها من قبل ومع تمكنت السلطة الحالية من تجاوزها والبقاء في الحكم.

ويقارن القياديون في الحزب الوطني الحاكم بين ما يحدث الآن وما حدث عام 1977 حين أعلن الرئيس الراحل أنور السادات آنذاك عن خطط تهدف إلى رفع الدعم الحكومي للسلع الغذائية الاساسية وهذا ما فجر حالة من الفوضى امتدت 36 ساعة وانتشرت في شتى انحاء مصر، كذلك يرون ما يحدث الآن باعتباره إعادة إلى ما جرى في التسعينات من القرن الماضي على يد الناشطين الإسلامويين حيث قامت أجهزة الأمن بقمع الاحتجاجات والمظاهرات بشكل عنيف. لذلك فإن قياديي الحزب الحاكم قد قرروا اتباع نفس الأسلوب بنشر قوات الامن والاستمرار في اتهام الاسلامويين في حين أن هموم أغلبية الناس المشاركين في المظاهرات هي اقتصادية لا سياسية.

وهذا ما جعل سعيد يقول لمراسل نيويورك تايمز: quot;لا أظن أن هناك أي شخص أعرفه قلقا على استقرار النظامquot;. لكن ما حدث في تونس جعل مبارك وحلفاءه يتعلمون من تلك الانتفاضة الشعبية التي أسقطت النظام. وأهم شيء في ما تعلموه هو عدم التنازل عن بوصة واحدة.

ففي الوقت الذي ذهب الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي إلى محطة التلفزيون الحكومية وعرض رزمة من التنازلات التي أصبحت موضع سخرية الآن ظل مبارك صامتا تاركا لأعوانه القيام بجهود التهدئة للاضطرابات. وهذا قد يكون لأنه ليس هناك أي طرف في الصراع له قدر كبير من المناورة.
فالرئيس مبارك لا يملك الكثير الذي يستطيع تقديمه خصوصا وأنه كان وراء نزع الحياة عن كل المؤسسات المدنية والسياسية خالقا بدلا عنها نظاما يسمح للتغير أن يقع من خلال حزبه وحلفائه فقط حسبما ذكر محللون سياسيون في القاهرة.

وظلت إدارة مبارك عاجزة عن رؤية هذا الضعف في المؤسسات الزائفة التي خلقتها معتبرة إياها قوية ولها دعم الأكثرية.
وفي مؤتمر صحفي عقد داخل أحد مكاتب الحزب الديمقراطي الوطني الحاكم الخميس الماضي قال صفوت الشريف الأمين العام للحزب وحليف مبارك القديم إن الحزب يريد الحوار مع الشباب لكنه يرى أن المنتقدين على خطأ. وقال: quot;نحن واثقون من قدرتنا على الاستماع، والحزب الوطني الديمقراطي مستعد للحوار مع الجمهور سواء كانوا شبابا أو أحزابا شرعية. لكن للديمقراطية أنظمتها وإجراءاتها. والأقلية لا تستطيع أن تفرض إرادتها على الأغلبيةquot;.

وكان الرد الوحيد الإيجابي تجاه غضب الشارع جاء من خلال تصريح رسمي يقول إن البرلمان المصري سيناقش في جلسة الأحد قضايا تهم الفقراء من ضمنها سياسة دعم السلع وجهود تحسين الحياة في مدن الصفيح حيث يعيش ملايين من المصريين في أوضاع تخلو من البنى التحتية الأساسية. وذكر البيان الصادر عن أعضاء مجلس النواب إنهم على استعداد لمناقشة سبل حماية البلد من انفلونزا المكسيك.

لكن هذه الرسالة لم تلق ترحيبا. وردا عليها قالت غادة شاهبندر الناشطة في مجال حقوق الانسان: quot;آمل أن يكون لهذا النظام درجة ذكاء كافية كي يدخل في عملية التفاوض. فهو عليه أن يتنازل لمطالب الشعب، وعليه أن يحارب الفساد وقبل كل شيء عليهم أن ينزهوا انفسهمquot;.
لكن يبدو، حسبما يرى مراسل نيويورك تايمز في القاهرة، أنه ليس هناك أي إمكانية في الوصول إلى اتفاق بين الطرفين المتواجهين لأن كلا منهما يفسر الأحداث بطريقة مختلفة.
وقال حسام بهجت الناشط في مجال حقوق الانسان والذي اسس منظمة quot;المبادرة المصرية للحقوق الشخصيةquot;، وقد قضى أياما يمشي في الشوارع مع المتظاهرين ويسعى لإيجاد دعم قانوني لكل أولئك الذين اعتقلوا من دون توجيه أي تهمة ضدهم.

وقال بهجت: quot;اظن أن أهم ما في الرسالة التي صدرت عن مجلس النواب أمس هو أن مزاعم النظام التي تعتبر الإصلاح السياسي هو مطلب من نخبة سكان المدن لا تعدو أن تكون خرافة. بالتأكيد فإن المطالبة بالإصلاح والتغيير تتعدى القاهرة والطبقة المتوسطةquot;.
لكن يبدو أن السلطة المصرية، حسبما ترى الصحيفة الأميركية، مصرة على اتباع استراتيجية عرفت باسم quot;الحبل هو المخدرquot; حيث كان الملاكم محمد علي قد استخدمها حين هزم الملاكم جورج فورمان عام 1974 إذ كل ما فعله لمواجهة القوة الهائلة لخصمه هو بقاؤه جولة بعد جولة متكئا على الحبال في حين ظل فورمان يطارده مستهلكا خلال ذلك كل قوته. ثم قام محمد علي بتوجيه لكمة واحدة لخصمه لتسقطه أرضا.