ترى غالبية قرّاء (إيلاف) ممّن شاركوا في الاستفتاء الأسبوعي أنّ الانتحار من اجل إشعال ثورة للتغيير في بلدانها مرفوض، في حين تؤكد أقليّة استعدادها لذلك خصوصًا مع انتشار الاحتجاجات وتصاعدها وانتقالها من بلد إلى آخر بوسائل وأساليب أثبتت فعاليتها، بعيدًا من حرق النفس الذيتحرّمه الأديان السماوية.


حمى الديمقراطيّة تجتاح العالم العربي

إيلاف: أبدت غالبية القراء الذين شاركوا في استفتاء quot;إيلافquot; الأسبوعي رفضها للانتحار من أجل إشعال ثورة للتغيير في بلدانها بعكس أقلية،أكدت استعدادها لذلك وحيث لكل فريق اسبابه ومبرراته على ما يبدو خصوصًا مع انتشار الاحتجاجات وتصاعدها وانتقالها من بلد الى آخر بوسائل وأساليب اثبتت فعاليتها، بعيدًا من حرق النفس الذي وقفت ضده الأديان السماوية وحرمته.

حرق النفس والاحتجاجات الممتدة من دون توقف

في استفتاء quot;إيلافquot; الأسبوعي تم طرح سؤال يقول quot;لو أدى حرق نفسك الى ثورة هل تقدم أو تقدمي على هذه الخطوةquot; فجاءت المشاركة واسعة من خلال تصويت 12103 قراء عبر كل منهم عن موقفه بالرفض أو القبول.

ومن المؤكد أن التطورات التي شهدها اكثر من بلد عربي خلال الايام القليلة الماضية والنتائج المتحققة من هذه التداعيات التي شهدت تظاهرات واحتجاجات وصلت الى حد العنف والمصادمات كان لها تأثير على موقف كل واحد من الفريقين اللذين تباينا في آرائهما من السؤال الموقف.

فقد انتقلت خلال ايام قليلة عدوى ثورة الياسمين من تونس لتتفجر في اكثر من بلد عربي في مواجهة حقيقية مع أنظمة طال عمرها كثيرًا فشاخت وترهلت ولم تعد قادرة على الخطو الى امام نحو صالح بلدانها، فإبتعدت عن امال ورغبات شعوبها وخصوصًا من ابناء الاجيال الجديدة المحرومة من العمل والحرية وحق التعبير وطموحات التقدم بمختلف ميادينه السياسيّة والاجتماعية والاقتصادية والعلمية.

فقد شكلت الانتفاضة التونسية تيارًا إقليميًا فعليًا إمتد إلى مصر والجزائر والاردن واليمن والسودان حيث يتدفق المواطنون على الشوارع والساحات العامة للمطالبة بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بعد أن حطموا حاجز الخوف وحققوا نتائج لم تكن متوقعة بسرعة مدهشة يجمعهم قاسم مشترك هو الدور الطليعي للشباب والطبقات الوسطى في هذه التحركات وخصوصًا عبر شبكة الانترنت والمواقع الالكترونية الاجتماعية.

وأظهرت حركات الاعتراض إلى اي مدى تفتقر انظمة كثيرة الى الشرعية الشعبية على الرغم من ان الحكام المعنيين يتوّلون الحكم منذ فترات زمنية قياسية.

وأكدت هذه الاحتجاجات انه لا يمكن بناء الشرعية على القمع وانكار الحقوق السياسية والاجتماعية فلا أحد يمكنه القبول بذلك في القرن الحادي والعشرين والعرب ليسوا استثناء من ذلك بطبيعة الحال.

رفض واسع لحرق النفس وسيلة لدفع الناس الى الثورة

رفض 9157 قارئًا شكلوا غالبية كبيرة بلغت نسبتها 75.66 في المئة من مجموع المشاركين في الاستفتاء الاقدام على حرق النفس انتحارًا حتى لو ادى ذلك الى اشعال ثورة تغيير في بلدانهم. ولأنه لم يكن بوسع هذه الاغلبية من القراء توضيح اسباب رفض حرق النفس انتحارًا نظرًا لطبيعة الاستفتاء فإنه يمكن عزو ذلك إلى أسباب عديدة محتملة.

وأول هذه الدوافع المحتملة للرفض يمكن ان تكون بسبب توفر اساليب اخرى للتعبير عن الرغبة في التغيير ومنها شبكة الانترنيت وصفحات فايسبوك والهواتف المحمولة ورسائلها القصيرة ثم التظاهر في الشوارع والتعبير عن الغضب تجاه السلطة بترديد الشعارات ورفع اليافظات اضافة الى التحدث عن المطالب ايضًا عبر القنوات الفضائية التي تزدحم بها عادة ساحات الاحتجاج.

كما يمكن ان يكون الدافع لرفض حرق النفس ايضًا الفتاوى التي اصدرها علماء دين مسلمون ومسيحيون وخصوصًا في السعودية ومصر وبلدان اخرى وهي تحرم الانتحار وتدعو إلى ممارسة اساليب غيرها للتعبير عن رفض الحكام والمطالبة برحيلهم عن السلطة.

وأيضًا فإن عمليات الانتحار التي حصلت في دول اخرى وهي بالعشرات لم تؤد الى ثورات أو انتفاضات في تلك الدول وحيث ازهق الافراد انفسهم بلا تفجر ثورات أو حتى احتجاجات.

فقد شهد اليمن والجزائر وسوريا والسعودية والمغرب وموريتانيا عشرات عمليات حرق النفس لكنها لم تؤجّج الشارع او لإعلان رفضه لحكامه الأمر الذي أثار تساؤلات عن جدوى حرق النفس موتًا في هذه الحال وشكّل عائقًا أمام النأي عن وسيلة الاحتجاج هذه.

قلة مستعدة للانتحار من أجل الاصلاح

وعلى العكس من العدد الكبير الرافض للاقدام على الانتحار حرقًا فقد ابدى 2946 قارئًا شكلت نسبتهم 24.34 من مجموع المشاركين في الاستفتاء الذين بلغ عدددهم 12103 قراء استعدادهم لممارسة وسيلة الاحتجاج هذه اذا كانت تدفع شعوبهم الى الثورة ضد حكامهم واحتجاجهم على اوضاعهم الراهنة.

ومن هنا، لا بد ان يكون هناك دوافع لاستعداد هذه الشريحة من المستفتين التي شكلت ربع المشاركين تقريبًا للانتحار... قد يكون في مقدمتها اليأس من الاساليب التقليدية المتبعةحتّى الان للتحريض على الاحتجاج، ولذلك فهي ترى انه لا بد من هزة عنيفة تثير المشاعر وتؤججها وتدفعها للتعبير عن رفضها لأوضاعها.

ومن المؤكد أنّ النتائج المتحققة لعملية اشعال بائع الخضار التونسي الشاب محمد البوعزيزي النار في نفسه في السابع عشر من الشهر الماضي احتجاجًا على مصادرة الشرطة لعربته التي يبيع عليها الخضروات والتي اثمرت عن سقوط نظام تسلط على الحكم لمدة 23 عامًا تأثير كبير في النفوس التي اندفعت لتعبر عن رغبة مماثلة بممارسة هذا النوع من الاحتجاج الذي سار عليه ايضًا 11 شخصًا في مصر التي اندلعت فيها انتفاضة شعبية غير مسبوقة في تاريخ البلاد الحديث.

فالتضحية بالنفس هي الملجأ الاخير الذي رأى هذا بعضهم فيه وسيلة ناجعة للتحفيز على قول لا للحكام خاصة مع تمكن هؤلاء من ممارسة أساليب كثيرة لحجب الصوت المعارض وقمعه وقطع سبل تواصل الجماهير مع بعضها وقدرتها على والتفاعل من خلال وقف شبكات الاتصال عبر الانترنت او الهواتف النقالة او الرسائل النصية القصيرة التي تتحكم بها السلطات الرسمية وتضعها تحت رقابتها ورحمة اجراءاتها التعسفية في المنع والتعويق وحتى التشويش.

ولذلك فقد اصبح المنتحرون في عيون الكثيرين شهداء وخصوصًا بالنسبة إلى حشود الطلاب والعاطلين الذين يحتجون على الفقر والبطالة وحتى لبعض رجال الدين الذين هونوا من حرمة الامر في حال الياس والغضب الذي يخرج الانسان عن طوره في التعبير الطبيعي عن احتياجاته المشروعة.

ان الياس من تغيير الاوضاع وتحفيز الحكام على اجراء اصلاحات جذرية بعد فشل الدعوات لذلك عبر عقود من الزمن لم يلتفت اليها ولم ينصت اليها هؤلاء الحكام المتربعين على كراسي السلطة منذ سنوات طويلة تجاوزت الاربعين عامًا في بعض الدول تدفع بعضهم الى التضحية بالنفس عسى أن يهز ذلك مشاعر الناس ويحفز ردود أفعالهم الغاضبة.

وبعيدًا من الاستعداد او الرفض لحرق النفس احتجاجًا او تحفيزًا لثورة شعبية فإنه من المؤكد ان حالات الانتحار هذه لافراد اصابهم الياس من تحسن اوضاع بلدانهم ستتكرر في اكثر من مكان... كما ستتجدد في اكثر من وقت حالات الرفض والاحتجاج على الاوضاع الفاسدة التي تعيشها بلدان كثيرة ومنها العديد في منطقتنا العربية.