عراقيون يهتفون للثورة السورية

تتباين مواقف الإعلام العراقي من الأزمة السورية مع تباين توجهاته. ففيما وجد بعض الإعلاميين العراقيين أن الإعلام الرسمي يؤيّد بقاء نظام الأسد وإجرائه إصلاحات، رأى البعض الآخر أن موقفه يشوبه الغموض، بينما الإعلام الحزبي فتختلف تغطيته باختلاف جهاته المموّلة الخاصة وعلاقاتها بالنظام.


قال إعلاميون عراقيون إن الإعلام في بلدهم يتصف بالتباين في تصدّيه لما يجري في سوريا من احتجاجات، وإن مرّ عليها نحو ثمانية أشهر، هذا التباين يعود إلى توجهات أصحاب وسائل الإعلام هذه، سواء كات حكومية أو حزبية، حسب ظروف العلاقات ما بين النظام السوري والوسيلة الإعلامية، سواء كانت صحيفة أو إذاعة أو قناة تلفزيونية فضائية ومن يصدرها أو يموّلها.

مصالح ومواقف وشعارات

يقول الدكتور محمد بديوي الشمري، الإعلامي والكاتب والأستاذ في الجامعة المستنصرية: quot;السؤال عن موقف الإعلام العراقي من أحداث سوريا يستبطن خطأً دارجاً بوجود إعلام يحمل من المشتركات ما يؤهله لهذا الوصف (الإعلام العراقي). والواقع أن مشهد وسائل الإعلام في العراق مكون من quot;إعلاماتquot; إن صح التعبير وليس إعلامًا واحدًا، ممكن أن نتساءل عن موقفه بالصيغة الجمعيةquot;.

وأوضح أن وسائل الإعلام في العراق تنقسم اليوم الى قسمين رئيسين هما: وسائل الاعلام الحزبية ووسائل الاعلام التي تدور في فلك الأحزاب والتيارات السياسية والدينية، وإن حملت شعارات الاستقلالية الخالية من أي مضمون، مشيراً إلى أنه في القسمين فإن هذه الوسائل تقرأ المشهد المحلي والعربي والعالمي وعلى صعد كافة من زاويا حزبية بكل ما تحمله من مصالح ومواقف وشعارات.

وأكد أن الأزمة السورية كانت إحدى المناسبات المهمة للكشف عن ارتباطات وسائل الإعلام العراقية، خاصة الفضائيات، وقال إن quot;الوسائل المحسوبة على الخط الإيراني في العراق تكاد تهمل أخبار المذابح التي يرتكبها النظام في سوريا ضد المحتجين، وفي المقابل تبالغ الوسائل المحسوبة على خط النظام الرسمي العربي في وصفها لما يحدث هناك.

وعلى الرغم مما خلقه هذا الموقف المزدوج والمتداخل من بلبلة لدى الرأي العام العراقي، فإنه سهّل عليه فرز وسائل الإعلام ومعرفة الأجندات التي تعمل تلك الوسائل من داخلها، الأمر الذي عزز هاجس فقدان الثقة القائم أصلاً بين الجمهور العراقي ووسائل الإعلام، المصنفة عراقيًا على أسس ومعايير مختلفة، بعضها لا يتعلق إلا بالمسمى فقطquot;.

الإعلام الرسمي والطائفي مع الأسد

أما الدكتور سعيد عبد الهادي، الإعلامي والمحلل السياسي والأستاذ في جامعة بغداد، فقال: quot;أعتقد أننا من الممكن أن نتحدث عن توجهات متعددة في الإعلام العراقي، إذا ما كنا نقصد به الإعلام الرسمي، أي إنه إلى حد ما مع بقاء نظام بشار الأسد وإجرائه إصلاحات بما يتناسب والوضع الحالي في المنطقة ككل، وهناك موقف إعلام قنوات حزبية متعددة قريب من موقف الحكومة.

في حين هناك قنوات إعلامية تقف إلى جانب بشار الأسد بلا تحفظ، وهناك قنوات ربما يدفعها تمويلها الخاص أو تدفعها طبيعة توجهها العام، الذي اتخذ منحى طائفيًا ذهبت إلى الوقوف بوجه بقاء نظام الأسد، وتعزيز حركة التمرد في سوريا، وتسليط الضوء المتواصلعلى حركات التمرد. وبالتالي لا نستطيع التحدث عن موقف موحد للإعلام في العراق لكونه متعددًا لا يحكم بمنظومة موحدة كما هو واقع الحال في الإعلام العربيquot;.

وأضاف: quot;ربما الحرية الإعلامية المتاحة للإعلام العراقي تجعل منه إعلامًا يعطي رؤية خاصة تعبّر عن شريحة ما أو حزب ما، ولا يعطي موقفًا يعبّر عن موقف العراقيين ككل، وهنا من الصعب جدًا أن نتحدث عن رؤية موحدة يجتمع العراقيون حولها تجاه الوضع في سورياquot;.

وأوضح: quot;لكن عموماً، نستطيع أن نتحدث عن قاسم مشترك هو أن قضية الإصلاح في سوريا ضرورية، وقد شهدنا نحن في العراق تجربة لحزب البعث ربما تقترب إلى حد ما أو تبتعد في بعض جزئياتها عن الحكم في سوريا، كل هذا يجعل من مجموع الشرائح العراقية بمختلف أطيافها واثنياتها تميل إلى إحداث إصلاحات تتناسب مع الوضع في المنطقة، وتبعد الحكومة السورية وحزب البعث فيها عن الإطاحة به، كما أطيح بالأنظمة العربية الأخرى. علنا نبقي الوضع في العراق إلى حد ما مستقراً أيضًا بوجود أنظمة مستقرة مجاورة، فأي تخلخل في منظومة بلدان الجوار سيؤدي إلى تخلخل كبير في منظومتنا الأمنية، وهذا ما نخشاه في العراق، وربما ما تخشاه معظم الكيانات والكتل الحزبية العراقيةquot;.

غموض وارتباك

أما الدكتور فوزي الهنداوي، مدير تحرير جريدة الزمان فيقول: quot;التغطية الإعلامية لوسائل الإعلام العراقية من صحف وفضائيات وإذاعات للأحداث الجارية في سوريا غامضة، ويشوبها الارتباك، وأحيانًا تخضع لتوجيهات وأجندات مختلفة ومتناقضة.

أصلاً موقف الحكومة الرسمي تجاه القضية غامض، ليس هنالك موقف موحد لها تجاه ما يحدث في سوريا، وبالتالي ينعكس ذلك على وسائل الإعلام حسب قربها وبعدها من الحكومةquot;.

الإعلام العراقي أكثر عقلانية من العربي

من جانبه قال عادل المانع، رئيس تحرير جريدة السياسة عراق: quot;الصحافة العراقية وكيفية تعاطيها مع الأحداث في سوريا تختلف اختلافًا جذريًا عن التغطيات العربية لكثير من الاسباب، لأن الشارع العراقي يعتقد أن سوريا مجاورة بحسبموقعها الجغرافي مع العراق وهناك امتداد للأواصر المشتركة بين الشعبين، ولذلك فإن هذا التعامل يبدو أكثر عقلانية إذا ما قورن بتغطية الصحف العربية، لأن هذه منطلقها ربما قد يكون طائفيًا بعض الشيء لعلاقة سوريا بحزب الله ودعمه لها.

وهناك رؤية، أعتقد هي الأكثر شيوعًا، هي أن هناك محاولات من أميركا أو المجتمع الدولي أو حتى من منظومة الخليج العربي تشجّع على القضاء على النظام الموجود في سوريا، وتجفيف منابع حزب الله، ألا وهو الامتداد عبر العراق إلى إيران. أنا أعتقد أن الإعلام العراقي تعامل بشكل حيادي ومنطقي وعقلاني في توضيح الصورة بشكلها الواضح الصحيح من دون تأثيراتquot;.

دور التمويل

وقال الإعلامي في جريدة (الصباح) علي السومري: quot;تعامل الإعلام العراقي مع الاحتجاجات في سوريا كل حسب مصلحته. فالقنوات المموّلة من دول عربية معادية لسوريا هي ضد النظام السوري. أما القنوات الممولة من النظام السوري فهي ضد الاحتجاجات.

من هنا يمكن ان نقرأ الواقع الاعلامي العراقي تجاه المسألة السورية، فأي وسيلة إعلام عراقية تتلقى أموالاً من دول ناقمة على سوريا سيكون موقفها داعمًا للاحتجاجات والعكس صحيح. لذلك لن تقرأ حالة واحدة من وجهات النظر. هناك من يريد بقاء النظام السوري لأسباب تتعلق بعلاقاته مع النظام نفسه أو مع أنظمة ترتبط بنظام الأسد، وهناك من يدعم ويساند الاحتجاجات، ويبالغ في التعاطي معها، لأنه يرتبط بدول لا تريد لبشار الأسد أن يبقى. وقد نجد بين هذا وذاك رأي إعلامي وسط، يقوم على نشر الأخبارالمتعلقة بما يجري داخل سوريا فقط بدون مبالغة ولا تشذيب.

التعامل بمكيالين

وأخيرًا .. عبّر الكاتب والإعلامي محمد رشيد عن رأيه قائلاً: quot;تعامل الإعلام العراقي مع الأحداث السورية بمكيالين، فهناك الإعلام الرسمي، الذي حاول أن يعطي وجهة النظر الرسمية باضطراب والتباس الموقف، وكثيرًا ما يخرج علينا أحد السياسيينمستعرضًا وجهة نظر، ثم يأتي الآخر ليناقض تلك الوجهة، أو أحيانًا الشخص نفسه يناقض تلك الوجهة.

بينما في الإعلام الالكتروني أو غير الحكومي والفضائيات العربية نجد الساحة مكشوفة للتعبير عن الواقع المزري للشعب السوري. لذلك نقول إن تعامل الإعلام العراقي مع القضية السورية بشكل عام تعامل قاصر وبدون تحليل، أي مجرد نقل للأحداث من دون تحليل علمي وموضوعي لما يحدث على الساحة السورية، بل إنه قاصر حتى بالنسبة إلى ما يجري في اليمن، وهذا يؤكد عدم نضج أدوات الصحافيين، لاسيما في الصحف الحزبية المرتبطة بتوجهات أصحابهاquot;.