أمام مفاعل بوشهر الإيراني

مجددا، راح الإعلام الأميركي يروّج لما يقال بشأن برنامج ايران النووي واتجاهها لتصنيع قنبلة الدمار الشامل، تماماً مثلما فعل في الفترة التي تتوجت بغزو العراق في 2003. ومن الواضح أنه لم يستوعب ذلك الدرس المهم في التاريخ الحديث.


إحدى أقدم الحيل قبل الدخول في حرب على جهة ما هي أن تصوّرها غولاً مخيفاً وأن تنشر بين الناس أسوأ الإشاعات عما تنويه من شرور، واستعدادهاً للقضاء على الأخضر واليابس. فمن شأن الحكومات أن تغرس البذور... ومن شأن الإعلام أن يتعهدها بالسقي حتى تطرح ثمرا يقطفه الجمهور.

كان هذا ما حدث في الأشهر السابقة لغزو العراق وحديث الإدارة الأميركية عن امتلاك صدام حسين أسلحة الدمار الشامل، وهو ما روّج له الإعلام الأميركي حتى صدّق الأميركيون ndash; ومن ورائهم العالم - الكذبة فعلا. ووفقا لصحيفة الـ quot;غارديانquot; البريطانية فإن هذا السيناريو يتكرر الآن مع إيران وبرنامجها النووي.

وعلى سبيل المثال فقد نشرت صحيفة الـ quot;واشنطن بوستquot; مقالاً مخيفاً من قرابة ألفي كلمة عبارة عن نسيج مهترئ تختلط فيه الحقيقة بالخيال والحابل بالنابل ورد فيه أن نظام صدام حسين يوفر غاز الأعصاب بكميات هائلة لتنظيم القاعدة. ورغم ان الصحيفة أقرّت لاحقا بأن معلوماتها كانت مغلوطة، فقد جاء هذا الاعتراف بعد الغزو نفسه وتكشف الحقائق ولذا فلم يحمل ما من شأنه تغيير ما حدث.

وفي الـ quot;نيويورك تايمزquot; أدارت الصحافية المُحتفى بها، جوديث ميلر، صنبورا من الادعاءات غير المسنودة. ومن هذه، مثلا، أن العراق استورد كميات كبيرة من مادة quot;الأتروبينquot;، وهذا عقار طبي لمعالجة مرضى القلب ويمكن استخدامه ايضا كترياق ضد المبيدات الحشرية. وتحدثت هذه الصحافية أيضا عن امتلاك النظام العراقي غاز الأعصاب وغيره، وقالت إنها تستقي معلوماتها من مصدر حكومي موثوق به قال أيضا إن صدام ينوي استخدامه ضد اي عدو يهدد قواته.

أسلحة الدمار نُسبت كذبا لصدام

ومن quot;الخبطاتquot; الأخرى التي قالت quot;نيويورك تايمزquot; إنها توفرت لميلر، أن عالما روسيا كبير الشأن وذا منفذ واسع الى مخزون الاتحاد السوفياتي من فيروسات الجدري زار العراق في 1990 وأنه، على الأرجح، قدم لنظامه أنواعا من هذه الفيروسات بوسعها مقاومة سائر الأمصال المعروفة ويمكن بالتالي استخدامها كسلاح بيولوجي.

على أن هذا الزعم الجامح لم يجد ذرة من الحقيقة يستند اليها عندما اتضح لاحقا أن العالم الروسي المعني لم يزر العراق أصلا. ومع ذلك فقد أصرت إدارة الرئيس جورج بوش على المضي قدما في تطعيم جنودها ضد الجدري مما عاد بأموال طائلة على شركات تصنيع الدواء.

فإذا انتقلنا الى العام 2011، وجدنا أننا نتساءل عما إن كانت الصحافة الأميركية قد استوعبت ذلك الدرس، وأن الإجابة على هذا السؤال تأتي بالنفي. فقد أوردت quot;نيويورك تايمزquot; أيضا أن محاولة اغتيال السفير السعودي لدى واشنطن مؤخرا quot;إيرانية المنبعquot;. وبدون دليل مقنع على هذا، مضت الصحافة الأميركية لتقول إن المحاولة ما هي الا قمة جبل الجليد ومقدمة لمخطط إيراني جهنمي يمتد من اليمن الى أميركا اللاتينية.

وفي laquo;واشنطن بوستraquo; قال الصحافي جوبي واريك إنه استقى من ديفيد اولبرايت، وهو مفتش أسلحة سابق في الأمم المتحدة يترأس الآن معهد العلوم والأمن الدولي، أن العلماء الإيرانيين يعملون على مفجّرة نووية تعرف باسم laquo;آر 265raquo; بمعاونة عالم سوفياتي سابق يدعى فياتشيسلاف دانيلينكو. وقالت إن مركز أبحاث الفيزياء الإيراني ذو العلاقة الوثيقة بالبرنامج الإيراني النووي تعاقد مع هذا العالم في منتصف التسعينات.

والأسلوب الذي تعرض به صحيفة الـ quot;واشنطن بوستquot; كل هذا يوحي بما لا يدع مجالا للشك بأن إيران تعمل الآن على الزناد لقنبلتها النووية. ولكن من الذي أثبت بالدليل القاطع أن طهران تعمل فعلا على كل هذا؟ ومن قال إنها لا تعمل على مشروع لإنتاج الماس الاصطناعي؟

المرء يقف حائرا الآن بين أقوال الطرفين ومَن منهما يصدِّق. المؤكد الوحيد هو أن الأكاذيب جزء لا يتجزأ من بضاعة الطرفين. لكن المدهش حقا هو أن الصحافيين ndash; والأميركيين خاصة ndash; لا يريدون الإقرار بأن هناك هامشا واسعا من الشك، وأنهم سبّاقون لقبول ما يقال من خطر إيراني لا يبقي ولا يذر.