بيروت: يسير المواطن السوري سعيد في شوارع بيروت، متلفتا يمنة ويسرة، يسكنه هاجس ان يجد نفسه فجأة بين ايدي الاجهزة الامنية في سوريا التي هرب منها قبل اشهر... هاجس يدفعه للتكلم بحذر عبر الهاتف، والانزواء، وتغيير مكان سكنه باستمرار.

ويقول سعيد (25 عاما) الذي فر مطلع تموز/يوليو من سوريا انه يخشى ان يتعرض quot;للخطف او الاعتداءquot; من جهات امنية او حزبية في لبنان قريبة من دمشق، مضيفا quot;اسكن في منطقة غير محسوبة على الاحزاب المؤيدة للنظام، بل على طرف يقول انه يدعم الثورة. رغم ذلك، اضطررت لان اغير سكني عشر مرات حتى الآنquot;.

ويشير الى انه غادر منزلا كان قد استأجره بعد يومين من وصوله اليه quot;لانني لم ارتح للجيرانquot;، فيما المدة القصوى لبقائه في منزل واحد لم تتعد الشهر.

وطالبت المعارضتان السورية واللبنانية اخيرا الحكومة بتأمين الحماية للاجئين السوريين الى لبنان بسبب تعرض العديد منهم لعمليات خطف وتهديد واعتداء. واكد تقرير امني الشهر الماضي تورط امنيين لبنانيين والسفارة السورية في اختفاء المعارض السوري شبلي العيسمي (86 عاما) في ايار/مايو وثلاثة اشقاء من آل جاسم في آذار/مارس.

ويقول سعيد الذي يرفض الكشف عن اسمه الحقيقي والذي يوحي في زيه ومظهره وسلوكه بانه قد يكون غربيا، ان quot;السطوة الامنية واضحة في لبنان، (...) وهذا الوضع يثني العديد من السوريين عن اللجوء اليهquot;.

ويروي هذا الشاب المجاز في الادب الفرنسي لوكالة الأنباء الفرنسية القلق الدائم الذي يعيشه quot;أرد على من يوجه الي الكلام بالفرنسية لاضللهم حول هويتي. يدور في رأسي كل الوقت ان علي ان اخفض صوتي كي لا يسمعني نادل المقهى مثلا، وان انتبه الى الحركة حولي وما اذا كان احد يراقبنيquot;.

ويتجنب سعيد قدر الامكان الحديث مع جيرانه، او الانزلاق الى علاقات اجتماعية، ويتواصل مع رفاقه في المعارضة السورية عبر الهاتف مستخدما quot;رموزا معينة، واذا حدث ان تكلم احد منا بشكل مفضوح يغير رقم هاتفهquot;.

هذه الحياة السرية باتت القوت اليومي للعديد من الناشطين السوريين الذين لجأوا الى لبنان منذ بدء الانتفاضة الشعبية ضد نظام الرئيس بشار الاسد في منتصف آذار/مارس، والتي تزامنت مع تغيير في الخارطة السياسية في لبنان وتأليف حكومة من اكثرية تضم حزب الله وحلفاءه الداعمين للنظام السوري، بعد ان كانت الاكثرية الحكومية منذ العام 2005 بيد مناهضين لدمشق.

وتؤكد الحكومة اللبنانية ان الكلام عن عمليات الخطف quot;مبالغ فيهquot; وانها quot;فردية ومعزولةquot;. ويؤكد عضو المجلس الوطني السوري وممثل لجان التنسيق المحلية عمر ادلبي المقيم في بيروت ان المعارضين السوريين في لبنان يشعرون quot;بالضغوط والملاحقةquot;، مضيفا quot;تصلنا تهديدات بشكل مستمر (...) من جهات حزبية موالية للنظام السوري عبر اقارب او معارف مشتركةquot;.

ويضيف لفرانس برس quot;خلال السنوات الماضية، خططت مرارا لزيارة لبنان، ولكن منذ وصولي في نيسان/ابريل، لم اتنقل ابدا. لا اعرف في هذا البلد الا المنازل التي انام فيها، وبعض استديوهات المحطات التلفزيونية التي تجري مقابلات معيquot;.

ويفضل الناشطون السوريون اجمالا لقاء الاعلاميين او الاصدقاء في المقاهي، فلا يدلون احدا على عنوانهم، ولا يصرحون عن امكنة وجودهم مسبقا. وينعكس خوفهم رغبة لدى عدد منهم بمغادرة لبنان، واحيانا... بالعودة الى سوريا.

ويقول عمر الشامي (22 عاما) الذي وصل لبنان في حزيران/يونيو وكان قد اعتقل في سوريا لعشرة ايام، quot;قراري الان هو العودة الى سوريا، رغم انني مطلوب (...) لان هامش الحرية هنا لم يعد اكبر من سوريا، واقامتي في دمشق قد تكون اضمن من اقامتي في بيروتquot;.

ويتابع quot;في دمشق لن الفت النظر، سأكون سوريا بين السوريين. كما اني افهم طريقة عمل الاجهزة الامنية السورية واعرف كيف اتعامل معها. الامن اللبناني (...) ان اوقفني لاي سبب، قد يسلمني الى السلطات السوريةquot;.

ولا يشعر الشامي، الطالب الجامعي المنتمي الى عائلة دمشقية ميسورة، بالامان quot;الا في المنزل الذي أبيت فيه في حي مسيحي شرق العاصمة مزاجه العام معارض للنظام السوريquot;. ويقول quot;أخاف من العسكري ومن رجل الامن، واتساءل عن التوجه السياسي لكل شخص اصادفهquot;.

وسبق الشامي (اسم مستعار) في قرار مغادرة لبنان الممثلان المسرحيان السوريان المعارضان محمد واحمد ملص اللذان استقلا طائرة الاسبوع الماضي الى القاهرة، بعد ان اقاما في بيروت متخفيين لمدة شهر، بينما صفحتهما على موقع فايسبوك الالكتروني للتواصل الاجتماعي كانت تؤشر الى وجودهما في عمان.

وعشية مغادرتهما، قال احمد ملص لوكالة الأنباء الفرنسية quot;هذه ليست بيروت التي تحدث عنها (الاديبان السوريان) نزار قباني ومحمد الماغوطquot; والتي كانت تعتبر واحة للحرية وللشعراء والمثقفين العرب المعارضين للانظمة في بلدانهم.

واوقف الاخوان ملص في تموز/يوليو لايام عدة مع مجموعة من المثقفين والفنانين في معتقل الامن الجنائي في دمشق. وقد عرفا بتجربة quot;مسرح الغرفةquot; الناقد للنظام السوري الذي بدأا بتقديمه في منزلهما اعتبارا من العام 2009. وابرز اعمالهما quot;ميلودراماquot; الذي حاز أخيرا جائزة لجنة التحكيم الخاصة في quot;مهرجان المسرح الحرquot; في عمان، وquot;تظاهرة مسرح الغرفةquot; وquot;كل عار وأنت بخيرquot;، وquot;الثورة غدا تؤجل الى البارحةquot;.

وسأل محمد باسى quot;بأي منطق يكون الانسان سائرا في شارع الحمرا في بيروت ثم يجد نفسه بيد المخابرات السورية في دمشق؟quot;. واضاف quot;اصبح الخوف في بيروت تماما مثل الخوف في دمشقquot;.