العراقيون ينظرون بريبة إلى مستقبل الأنظمة العربية

ينظر العراقيون بريبة إلى التغيرات التي تطرأ على الأنظمة العربية، التي تتعرض لسيطرة الإسلاميين، لا سيما الدول التي عاشت أحداث الربيع العربي. وفي حين يظهر البعض التخوف ومن ظهور المتطرفين الذين سيعودون بهذه البلدان إلى الوراء، يؤيد آخرون الاعتدال الإسلامي.


بغداد: ينظر العراقيون بعيون ملؤها الشك والريبة والقلق لما يحدث في الدول العربية من تحولات في أنظمة الحكم التي تتعرض إلى سيطرة الإسلاميين عليها لا سيما الدول التي مرّ بها الربيع العربي، ويعلن الكثيرون عن تخوفهم من أن تتغير الصورة التي كانت عليها هذه الدول إلى ما يحاول الاخرون ترويجه من ضرورات الابتعاد عن العلمانية وتقديم نماذج مشابهة لما عليه الدول التي اضافت إلى اسمها quot;الاسلاميةquot;، او ما يشابه النموذج العراقي الجديد حيث تميز نظام الحكم بسيطرة القوى أو الاحزاب الدينية.

ومن خلال آراء المواطنين من مختلف الثقافات، التخوف واضح من تمزق النسيج العربي، ومن ظهور المتطرفين والسلفيين لكي يتسيدوا المشهد ومن ثم العودة بهذه البلدان إلى الوراء عدة قرون، ومن خلال مواطنين من ثقافات مختلفة، فكان الأغلب يعلن تخوفه من الوضع القائم ومستقبله إذا ما آل إلى الاسلاميين، فيما قال البعض إنهم مع الاسلام المعتدل ويتمنون أن يكون الحكم في البلدان العربية اسلاميا، مبرراً ذلك بالفساد الهائل على كافة الأصعدة، فقد اوجز المحامي عبد الستار لطيف تخوفه بالقول: نخشى ممن يدعون الإسلام زوراً وبهتاناً، هؤلاء هم الذين يفسدون في الارض، يحكمون على الناس بالسيف لكنهم يغضون النظر عن افعالهم وافعال الذين حولهم، فيقودون حملات إيمانية لكنهم لا يلتزمون بها وهذا ما يجعل الظلم كثيرا ويزداد مع السنوات.

أما المعلم عبد الاله عبد الصمد فقال: quot;إذا دخل الدين في السياسة أفسد كل شيء، لانهما نقيضان، خاصة في عالمنا الحالي حيث كل شيء متاح للإنسان، ولنا تجارب على مرّ الازمنة. برأيي إن العرب قد يحتاجون إلى العمل بكتاب الله وسنة نبيّه، ولكن من يستطيع أن يفعل هذا، لأن السياسة تعني المصلحة والعلاقات بين الدول مصالح، ولايمكن للنظام الإسلامي ان يعيش بمعزل عن الدول الغربية وما تقدمه للبشرية اليوم، ثم إن الناس شعرت باليأس من الاسلاميين، فلم يجدّ جديد عندهم سوى التحدث باللغة العربية الفصحى، وأصول الدينquot;.

ومن جانبه قال أحمد برهان خريبط: quot;كان النظام السابق يتشدق بالحملة الإيمانية، فيما كان يقيم المقابر الجماعية، وجاءت الاحزاب الاسلامية ولم نسمع غير التصريحات الدنيوية والاخبار الكثيرة عن الفساد والفقر المتزايد فأصبحنا لا نعرف بمن نثق، لذلك أعتقد أن الإسلاميين لم يمنحوا الشعوب العربية طموحاتهاquot;.

ومن خلال آراء المواطنين هذه، يطرح السؤال التالي على النخبة وهو: كيف تقرأ سيطرة الاسلاميين على الأنظمة العربية وخاصة الدول التي شهدت الربيع العربي وكيف ترى مستقبلها؟

ويجيب الدكتور محمد الشمري، مؤلف كتاب quot;تحولات الاسلام السياسي في العراقquot; قائلاً: قلت سابقا وأقول الآن؛ إن الاسلاميين هم أبطال التحولات، هم أفضل من يستثمر الفوضى وعدم الاستقرار، سواء كانا منظمين وممولين كما هو حال الاخوان في مصر الآن، او لم يكونوا.

وتستند قدرة الاسلاميين على تحقيق هذا الاستثمار إلى عوامل عدة منها ما يتعلق بالبيئات المحلية التي يعملون فيها، ومنها ما يتعلق بالاسلاميين انفسهم، فالناس في وقت التحولات المترتبة غالبا على سقوط الدكتاتوريات يعيشون حالة من الخوف وفقدان التوازن، لانهم تربوا وتفتح وعيهم على خطاب وشعارات ثم سقطت هذه الشعارات دفعة واحدة، وانكشف زيفها وبطلانها وخواء ابطالها، وفي مثل هذه الحالة، يصبح الناس كمن يبحث عن طوق نجاة في بحر هائج، كل ما حولهم صاخب ويثير الريبة.

وهنا يقفز الإسلاميون بشعاراتهم البسيطة والأمينة لانها تستند إلى ما بين أيدي الناس، وما يعرفونه ويثقون به وهو الاسلام، والشكل التأريخي للتنظيم والقيادة المستمد من الاسلام وهو ما يوفر ملاذات نفسية وفكرية آمنة لحالة العصف التي تتسم بها التحولات، يضاف إلى ذلك أن القادة الاسلاميين انفسهم يملكون من مهارات الخطابة واطلاق الوعود والشعارات، ما لا يستطيع احد ان يجاريهم فيه، فثقافتهم ومهنتهم وحضورهم قائم على الخطابة، كما أن حجم تمويلهم في الوقت الراهن يفوق كل القوى والحركات الاخرى.

وأضاف: quot;ولكن يبقى اكبر تحد يواجه الإسلاميين هو ممارسة السلطة، فقد أثبتت تجاربهم السابقة أنهم أبعد الناس عن نموذج رجل الدولة المرن والمتخصص والداهية، فغواية الناس بالشعارات تصيبهم بالغرور وتجعلهم يستندون إلى قناعة زائفة، هي أن نجاحهم في كسب الانتخابات يمثل ضمانة أكيدة لنجاحهم في قيادة الدولة، وهذا ما لم يتحقق حتى الآن على الاقل، فتجارب الحكم في العراق وقطاع غزة وافغانستان وحتى ايران، وهي تجارب تمثل مختلف اطياف الاسلام السياسي، أثبتت ان الاسلاميين على العموم ليسوا رجال دولة، فهم في الغالب استئثاريون وإقصائيون ومعاييرهم في العمل معايير حزبية استعارت من الانظمة الشمولية الكثير من أساليبها من قبيل تقديم (المؤتمن) على المتخصص والكفوء، والتشكيك بكل ما هو خارج أسوار الحزب، خطابهم غالباً ما يكون خطاباً سجالياً مصمماً على فكرة وجود عدو وصديق فقط وهو يبالغ في تعبيره على ضفتي هذه العلاقة. ونذكر أن في هذا المجال هناك بعض المهنيين الذين حاولوا أن يساهموا في صناعة خطاب دولة لبعض القوى الاسلامية النافذة في العراق، فاكتشفوا بعد فترة قصيرة أن المطلوب هو خطاب حزب، وليس خطاب دولة وهو بحاجة إلى حزبيين اكثر من حاجته إلى مهنيينquot;.

واختتم حديثه بالقول: quot;أعتقد أن الربيع العربي الذي لاشك أن الاسلاميين سيكونون الفائز الاكبر فيه، سواء في تونس ومصر وليبيا او في سوريا واليمن والجزائر والمغرب، سيكون له ملحق بعد فترة ربما لن تطول، تتلخص مهمته في التخلص من الحكام الجدد والبحث عمن يحقق للناس أحلامهم في الواقع وليس في الشعارات والتاريخquot;.

وقالت الكاتبة ورئيسة تحرير مجلة quot;نرجسquot; عالية طالب: quot;هناك نوع من الترويج في الساحة العربية، اي ان تغيير النظام الموجود الحالي يعني صعود الاسلاميين إلى سدة الحكم، وهذا ما نلمسه في الشواهد التي حصلت. ولكن هل الانسان العربي بكل عقله الحضاري وفكره الواعي وكل تاريخه الذي مرّ به، بالمتغير السياسي الذي عاشه، ممكن ان يقبل بتسلط أفكار سلفية او افكار متخلفة وبعضها متشددة؟ يلغي تاريخه الحضاري والفكري، لا اعتقد ذلك، واننا سنشهد صراعاً اخر يختلف عن الصراع الذي غيّر أنظمة الحكم بين هذين الوجودين، وهذا ما شهده العراق في السنوات التي مرت، وبالنتيجة لم ينتصر أحد من هذه الحركات المتشددة على مشهد ثقافي، متسع مثل المشهد العراقي الذي هو مشهد حضاري وفكري وانساني واجتماعي، وحقوق مدنية لشعب يعرف كيف يتعامل مع الآخر ويقبله ويرفضه بناء على العقل الواعي وليس بناء على التشدد المرفوض، بدليل فشلهم في العراق والجزائر التي حصل فيها اشد مما حصل لدينا في العراقquot;.

وأضافت: quot;لا يعني خلو الساحة من أنظمتها الحالية، ان هناك تياراً إسلامياً فقط سيبرز، لا، هناك تيارات عديدة متصارعة بدأت تبرز على الساحة العربية ستصفي بعضها البعض، وفي النتيجة كما نقول: لا يصح إلا الصحيح، وستهدأ الامور لصالح الحقوق المدنية للشعوب العربية، ولصالح دساتيرها وقوانينها وليس لصالح حركات متشددة، هذا ما أعتقده وهو ما يبرزه واقعنا العراقي المعاش بتجربتنا المحلية، وأعتقد أن مصر، رغم وجود الاخوان فيها، لكنّهم غيروا الكثير من خطابهم وخرجوا مع العلمانيين في يوم جمعة مؤخراً في تجمع واحد، هدفهم تغيير النظام المصطرع اليوم بالعديد من التجاذبات بنظام هادئ وحقيقي وقانونيquot;.

أما الكاتب والشاعر جبار سهم السوداني فقال: quot;نحن الآن في مرحلة الفوضى الخلاقة التي تتركها أميركا والاحتلالات الاخرى، نعيش هذه المرحلة كعرب سواء في العراق او ليبيا، وما سيسقط من انظمة اخرى، أما الإسلام السياسي فهو عكازة مقبلة لدى الشارع المسكين الجائع الذي يعدونه بأنهار من خمر ومن لبن ومن حور عين، هذه وجدت مساحتها كما وجد الفكر الماركسي مساحته ابان الثورات الخمسينية والستينية، أما الان، فهل يتصاعد التطرف الديني؟ الإجابة هي أن هناك معادلة وهي ان الإسلام المعتدل هو الفكر المعتدل، لأن الاعتدال هو ما تطلبه الجماهير العربية في وقت ترفض فيه التطرف الذي سيغادر الساحة، لأن الزمن الآن زمن العلم، والناس بدأت تعرف ما يفيدها وما ينفعهاquot;.