إيران تشوش على محطات عالمية

تكثف السلطات الايرانية جهودها بهدف التشويش على المحطات التلفزيونية المعارضة لها كهيئة الاذاعة البريطانية quot;بي بي سيquot; وفويس أوف أميركا وغيرهما، لمنع الجمهور الإيراني من متابعة هذه المحطات. وهو ما احتجت عليه هذا الشهر خمس شبكات تلفزيونية في بيان مشترك.


القاهرة: في خضم أجواء الثورات التي تعيشها المنطقة، وما تبعها من تغييرات وتداعيات على كافة الأصعدة، سارت إيران عكس التيار الديمقراطي المنفتح، الذي لطالما تشدق قادتها بمعانيه، وذلك بعد أن كثفت السلطات هناك جهودها للتشويش على محطات تلفزيونية فضائية منها هيئة الإذاعة البريطانية quot;بي بي سيquot; وفويس أوف أميركا وغيرهما من الشبكات الغربية التي تمتلك قنوات إخبارية ناطقة باللغة الفارسية.

وأكدت في هذا الصدد اليوم صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أن المقصود من وراء خطوة كهذه هو منع الجمهور الإيراني من متابعة المحطات الأجنبية التي تعتبرها الحكومة الإيرانية معارضة، وهو ما احتجت عليه هذا الشهر خمس شبكات تلفزيونية في بيان مشترك.

ونقلت عن سيدة إيرانية تدعى شوهره، تعمل كممرضة، حيث كانت تجلس رفقة زوجها ووالديها في إحدى ليالي شهر أيلول/ سبتمبر الماضي بانتظار بث الخدمة الفارسية التابعة لهيئة الإذاعة البريطانية فيلماً وثائقياً عن آية الله علي خامنئي، لكن حدث تشويش على القناة قبلها بقليل، قولها quot; شعرنا بإحباط شديد لعدم تمكننا من مشاهدة الفيلمquot;.

وأعقبت الصحيفة بقولها إنه في الوقت الذي سُلِّطَت فيه الأضواء هذا العام على استخدام التكنولوجيا الغربية في فرض الرقابة على الإنترنت من جانب أنظمة حكم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن التلفزيون الفضائي قد أصبح أيضاً قوة كامنة في المنطقة، وأصبح هدفاً للرقابة في إيران. ووفقاً لبيانات إحصائية حديثة، فإن نسبة تتراوح ما بين 45 % إلى 60 % من الإيرانيين يشاهدون المحطات التلفزيونية الفضائية، وهي أرقام تتجاوز النسبة التي يعتقد أنها تستخدم شبكة الإنترنت.

ويبدو أن إيران فائزة حتى الآن في ذلك الصراع الذي ترمي من ورائه إلى ترشيح المحتوى التلفزيوني غير المرغوب فيه وبث ما تريده من الدعاية الخاصة بها. فهي تقوم بالتشويش على محطات مثل البي بي سي على أقمار اصطناعية غربية حتى في الوقت الذي تقوم فيه الشركة الإعلامية الإيرانية ببث أخبار مؤيدة للحكومة على بعض من هذه الأقمار، وتبث في بعض الأحيان اعترافات قسرية لمعتقلين سياسيين.

من جانبه، قال مسؤول من وزارة الخارجية الأميركية :quot; تتعامل إيران مع المسألة في كلا الاتجاهين. فبينما تستفيد من احترام المجتمع الدولي لحرية التعبير وحرية موجات الأثير، فإنها تنكر الحق نفسه على المواطنين، حيث تشوش بصورة قوية على القنوات التي تبث باللغة الفارسية من بلدان أخرىquot;. وأفادت تقارير إعلامية من جهات حكومية إيرانية العام الماضي بأن رئيس الشركة الإعلامية الإيرانية سبق له وأن اعترف باستخدام مثل هذه الأساليب التكتيكية ( التشويش على القنوات الفضائيات ).

وأشارت ستريت جورنال كذلك إلى أن بعضاً من القنوات الإخبارية غير الإيرانية وجدت نفسها في لعبة قط وفأر مع النظام. فقد قامت البي بي سي، على سبيل المثال، بإطلاق قناتها الناطقة باللغة الفارسية عام 2009 وبثتها من على القمر quot;هوتبيردquot; التابع لشركة يوتلسات كومينيكيشينز الواقعة في باريس، الذي تستقبله كثير من الأطباق في إيران لمشاهدة القنوات الفارسية المجانية. وبعد أن شوشت إيران على إشارة بث القمر، انتقلت البي بي سي على مضض إلى قمر اصطناعي مختلف يصل للمنازل التي تقع في مناطق بعيدة في إيران. ومنذ شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، والسلطات الإيرانية تحاول بانتظام أن تشوش على تلك الإشارة أيضاً.

ثم مضت الصحيفة تنوه بأن المشاهدين عادةً ما يلجأون إلى حلول مثلهم مثل مسؤولي تلك المحطات التلفزيونية التي تتعرض إشاراتها للتشويش. وهنا، عاودت شوهره لتقول إن أحد الجراحين الذين يعملون معها في المستشفى قام في اليوم التالي لعرض البي بي سي لفيلم خامنئي، والذي لم يتمكنوا من مشاهدته بسبب التشويش على القناة، بتحميله من موقع اليوتيوب ونسخه على اسطوانات وتوزيعه على الزملاء.

وتابعت الصحيفة بقولها إن أسلوب التشويش الذي تلجأ إليه إيران واستخدام شركتها الخاصة بالبث كوسيلة للرقابة أثارا تساؤلاً كان سبباً في حدوث حالة من الانقسام بين الناشطين والساسة ورجال الأعمال، هو: هل يجب حرمان الدولة من الوصول إلى الأقمار الاصطناعية الغربية ؟ وهو التساؤل الذي أجاب عليه بعض ناشطي حقوق الإنسان بـ quot;نعمquot;، وهو ما أكدت عليه المحامية الإيرانية التي سبق لها الفوز بجائزة نوبل، شيرين عبادي، بقولها إن ذلك يجب أن يحدث إلى أن تتعلم الحكومة الإيرانية احترام حرية التعبير وحرية المعلومات الحرة، أو على الأقل إلى أن تتوقف عن تخريب إشارات بث المحطات الإخبارية الأجنبية، هذا الإجراء الممنوع بموجب اتفاقيات دولية وقعت عليها إيران. ودعت عبادي كذلك إلى أن تقوم الشركات المالكة للأقمار الصناعية بوقف التعامل مع هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية IRIB.

وفي الوقت نفسه، أوضحت الصحيفة الأميركية أن إيران لا تجد سبباً يجعلها تقوم بالتشويش على قمري انتلسات وآسياسات، اللذين لا يحملان الخدمة الفارسية التابعة للبي بي سي أو أي من القنوات الأخرى المستهدفة، وقالت الشركات المالكة لتلك الأقمار إنها لم تكن على دراية بأن أقمارها تتعرض للتشويش. فيما أشارت الشركة المالكة لقمر تيليسات، التي تبث الخدمة الفارسية التابعة للبي بي سي، إلى أنها لم تكن تعلم أن إشارتها تتعرض للتشويش، غير أنها لا تُشَاهَد على نطاق واسع في إيران. وفي غضون ذلك، قالت الشركة المالكة ليوتلسات إنها تتعرض للهجوم بشكل متكرر.

وقالت هنا دياني فان بيبر، نائبة الرئيس والناطقة باسم شركة انتلسات، التي يوجد مقرها في لوكسمبورغ ولديها مكاتب أساسية في واشنطن وتتعامل مع إيران على الرغم من الحظر الأميركي: quot;الشركات المالكة للأقمار الصناعية مثل انتلسات لا تراقب المحتوى الذي يتم بثه على أقمارهما. وإن كان العميل في وضعية جيدة وملتزما ببنود اتفاقنا معه، فإنه يحق لها في تلك الحالة أن تقوم ببث المحتوى الخاص بهquot;.

وقال ميشيل دي روزن، الرئيس التنفيذي لشركة يوتلسات :quot; تعرضت لضغوط من عدة حكومات بشأن العديد من القنوات. ونرد على ذلك دائماً بقولنا: لن نتخذ أي إجراء بشأن أي محطة إذا لم نتلق أمراً واضحاً يدعمه القانونquot;. وقالت يوتلسات كذلك إنها أوقفت محطات تابعة للحكومة الليبية في شهر نيسان/ أبريل الماضي بعد أن حظر الاتحاد الأوروبي تقديم أي مساعدات تقنية لنظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي.

وأكد بعض الناشطين أنه يمكن مواجهة إيران قانونياً نتيجة إقدامها على استخدام بث أقمار صناعية تابعة للدولة في قمع المعارضة. ووصف هادي غائمي، مدير الحملة الدولية لحقوق الإنسان في إيران، هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانيّة بأنها quot;أحد أذرعة القمعquot;.

وأوضح متخصصون في طرق عمل الأقمار الاصطناعية أن إيران تستعين بأسلوبين في التشويش هما quot;التشويش الرأسيquot; و quot;التشويش الإقليميquot;. وختمت الصحيفة بلفتها إلى وجود مؤشرات تبين أن إيران تتحصل حالياً بالفعل على معدات أكثر تطوراً تساعدها على ما تقوم به من أعمال تشويش. واتضح أن روسيا باعت لها بعضاً من تلك المعدات، وأن هذه الصفقة غير ممنوعة بموجب عقوبات الأمم المتحدة.