يؤكد الكثير من السوريين على استحالة استمرار الوضع في بلادهم على حاله، مشددين على تطلعهم إلى التغيير من أجل الوصولإلى الحرية الحقيقية، فيما علت الأصوات المطالبة بإجراء إصلاحات سياسية ودستورية في البلاد.
بينما يراقب السوريون بشغف التطورات التي تحدث في الشرق الأوسط، فإنهم وللمرة الأولى خلال نحو أربعة عقود، شرعوا يناقشون الامور السياسية في بلادهم وبصوت عال.
الجميع في سوريا يبدو في حالة ترقب وانتظار، وذلك هو الحال بين كل شرائح المجتمع والفئات السياسية. يقول قيس زكريا، وهو طبيب أسنان في الخامسة والثلاثين من عمره في حديث لموقع quot;بي بي سيquot; باللغة العربيةإن quot;الامر الذي يتفق عليه الجميع هو أن التغيير لا بد وأن يكون سريعًا وملموسًا. هذا أمر لا يحتمل الانتظارquot;. وهناك دلائل على أن موجة التغيير في الشرق الأوسط كان لها أثرها هنا.
ففي الشهر الماضي خرجت مظاهرة في السوق القديم في دمشق. حدث ذلك على إثر مشاجرة بين الشرطة وأحد تجار السوق، وتجمع مئات الغاضبين للتصدي لأسلوب الشرطة المتعسف. وكان المتظاهرون يهتفون quot;حرامية حرامية... الشعب السوري ما بينذلّquot;. مثل تلك المشاهد لم يسبق لها مثيل هنا، ولكن يبدو أن السوريين، وخاصة الشباب يشعرون بثقة جديدة في أنفسهم. وهم غاضبون من الظروف الاقتصادية القاسية التي يعيشونها وغياب الحريات السياسية.
وفي يوم مظاهرة السوق، توجه وزير الداخلية بنفسه ليتحدث إلى المتظاهرين، كما عوقب رجال الشرطة الذين اعتدوا على التاجر.
ومع رشفات من فنجان قهوة يتصفح زكريا بين مواقع الأخبار في أحد مقاهي الإنترنت في وسط دمشق ويعلق قائلا: quot;هناك فجوة واسعة بين الحكومة والشعب في سوريا. نحن بحاجة لاستعادة ثقتنا في الحكومة... والخطوة الأولى هي تحسين ظروف المعيشة والتوزيع العادل لثروة البلادquot;.
ويقول تقرير quot;بي بي سيquot; أنه في سوق قريبة للخضر والفاكهة، يتجادل البائعون والمشترون في مساومات حامية حول الأسعار، ولا يبدو أن أحدًا يشعر بالرضا. أحد البائعين يصرخ في زبائنه قائلاً quot;يا دوب ألحق تمن الخبزات.. أنا حاربت الإسرائيليين في 73. وهلق عم بتبهدلني الشرطة... شو اللي بيخليني اتحمل؟quot;.
وعقب ثورتي تونس ومصر، اتخذت الحكومة سلسلة إجراءات لتخفيض أسعار السلع الأساسية وخاصة الطعام. كما قدمت الحكومة مساعدات للفقراء، وأنباء عن تعليمات لموظفي الحكومة بحسن معاملة المواطنين.
لكن سوريا تعاني من الفساد الذي يضرب بجذوره في صميم النظام. ورغم تصاعد وتيرة الحملات الحكومية لمكافحة الفساد، إلأ أن بعض المقربين من النظام لا يزالون بمنأي عن المحاسبة.
واتهمت وزارة الخزانة الأميركية رجل الأعمال السوري الشهير رامي مخلوف بالضلوع في الفساد. وتصفه الوزارة بأنه quot;من داخل دائرة الحكم، ويشيع الفساد بين مسؤولي النظام، ويتربح من ذلكquot;. وقد نفى مخلوف، وهو قريب من الرئيس السوري، تلك الاتهامات. لكن كثيرين هنا يعتقدون أنه ما لم تتحقق سيادة القانون فإن أي تغييرات ستكون شكلية.
مع ذلك فإن السوريين في شوارع دمشق يخامرهم شعور بأن المظاهرات في العاصمة ليست وشيكة على الإطلاق. ففي الشهر الماضي كانت هناك دعوة إلى الخروج في quot;يوم غضبquot;، قد دعت إليه جماعات المعارضة السورية في المنفى. إلا أن الدعوة لم تلق استجابة من أحد.
وأخيرا، صدرت على موقع فايسبوك دعوة أخرى إلى الخروج في يوم غضب، لكن لم يحدد لها موعد بعد. وقد عزي فشل الدعوتين إلى غياب أي معارضة حقيقية داخل البلاد، وكذلك الخوف من سلطات الأمن.
وحتى الآن لم ترتفع سوى أصوات قليلة تنادي الرئيس بشار الاسد بالتنحّي عن السلطة. فبالرغم من أن سوريا تواجه مشكلات مشابهة لما تواجهه مصر وتونس، إلا أن الرئيس الشاب يحظى بشعبية كبيرة هنا. فمند أن ورث بشار الأسد الحكم عن والده عام 2000، عكف على تنفيذ إصلاحات تدريجية انعكست في إخراج الاقتصاد السوري من الجمود وفتح الباب أمام وسائل الإعلام. وكان ذلك وحده كافيًا لإرضاء الكثيرين.
يقول وضاح عبد ربه رئيس تحرير صحيفة الوطن المقربة من الحكومة إن quot;أي تغيير لابد وأن يأتي من الداخل وأن يتجاوب مع مطالب الشعب، ولا يكون استجابه لأي ضغط خارجيquot;.
ويعترف عبد ربه بأن التغيير جاء متأخرًا، ولكنه يؤكد أن مزيدًا من الاصلاحات في الطريق، بما في ذلك نظام جديد يقوم على التعددية الحزبية. يذكر أن نظام الحكم المعمول به في سوريا في الوقت الراهن يقوم على الحزب الواحد، كما إن حالة الطوارئ معلنة في سوريا منذ عام 1963.
وهناك قيود صارمة على النشاط السياسي وحرية التعبير. وهناك تقارير عن وجود آلاف من سجناء الرأي، فضلاً عن كثيرين ممن هم ممنوعون من السفر.
وفي الأسبوع الماضي، خرجت مظاهرة سلمية في دمشق، شارك فيها عشرات من الشباب المتعاطفين مع الاحتجاجات ضد القذافي في ليبيا. لكن متظاهرًا واحدًا ارتكب مخالفة واحدة للتعليمات الأمنية. وكان ذلك كافيًا كي يتعرض متظاهرون كثيرون للضرب المبرح على أيدي الشرطة، التي اعتقلت بعض الشباب، ثم أفرجت عنهم بعد وقت قصير.
ويقول زكريا quot;نريد إصلاحات سياسية، وانتخابات نزيهة وحرة، ونريد أن نكون جزءًا مشاركًا في بناء مجتمعناquot;. ومن المقرر أن تنتهي فترة الولاية الثانية للرئيس الأسد في عام 2014.
وستشهد سوريا خلالالعام الحالي انتخابات برلمانية وبلدية. ويعتقد كثيرون أن أمام سوريا الآن فرصة ذهبية كي تحقق التغيير والتحول السلمي إلى نظام ديموقراطي.
دعوات إلى إجراء إصلاحات
هذا واطلق ناشطون سوريون دعوات إلى إجراء اصلاحات سياسية في سوريا، تشكل اولوية في الاوضاع الحالية في الشرق الاوسط، بينما تكرر السلطات رغبتها في تحسين وضع حقوق الانسان والمشاركة السياسية في البلاد. وتدين منظمات حقوق الانسان باستمرار فرض رقابة على المجتمع عن طريق التوقيفات التعسفية وعرقلة حرية التعبير وتحركات قمعية.
وقال ايمن عبد النور مدير موقع quot;كلنا شركاءquot;، الذي يحرر من دبي، quot;يجب ان تكون هناك ثقة بأن المجتمع جاهز للديموقراطية، ولن يؤدي ذلك الى اضطراب او فوضى كما يروج البعض، وبعد ذلك يتم الاتفاق على صياغة دستور جديد تشارك فيه كل الاطياف، ويناسب طبيعة المجتمع السوري الجديدة التي تختلف عن 1973quot;.
وينصّ دستور 1973 الذي أقر بعد تولّي الرئيس الراحل حافظ الأسد السلطة على أن quot;حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمعquot;. ورأى عبد النور أن quot;حزب البعث لا يمثل الآن ما كان يمثله من قوة ووزن في الشارع عشية 1973quot;.
وكان الرئيس السوري بشار الأسد أكد في مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال أخيرا ان quot;سوريا ستشهد إصلاحات سياسية في عام2011 عبر الانتخابات المحلية وإصدار قانون جديد للإعلام، وتخفيف الشروط على منح التراخيص للمنظمات غير الحكوميةquot;.
كما أكد على رغبته في العمل على إقرار قانون حول تأسيس الأحزاب السياسية، يسمح بإنشاء أحزاب أخرى غير البعث والتنظيمات القريبة منه.
التعليقات