كشفت برقيات مسرّبة عن تمويل أميركي لجماعات ومشاريع سورية معارضة، بما فيها إطلاق قناة بردى التلفزيونية التي كثفت عملياتها لتغطية الاحتجاجات الجماهيرية في سوريا في إطار حملة مديدة ضد نظام الرئيس بشار الأسد.

جانب من الإحتجاجات المعارضة لنظام الأسد في سوريا

لندن: كشفت برقيات دبلوماسية اميركية لم تُنشر من قبل ان وزارة الخارجية الاميركية قامت في السر بتمويل جماعات سورية معارضة ومشاريع ذات صلة، بما في ذلك إطلاق قناة تلفزيونية فضائية تبث برامج مناوئة للنظام الى سوريا.

وكانت قناة بردى الفضائية بدأت البث الموجه الى سوريا في نيسان ـ ابريل 2009 ولكنها كثفت عملياتها لتغطية الاحتجاجات الجماهيرية في سوريا في اطار حملة مديدة ضد نظام الرئيس بشار الأسد. وتقول منظمات لحقوق الانسان إن عشرات المحتجين قُتلوا بنيران قوى الأمن السورية منذ بدء التظاهرات في 18 آذار ـ مارس. واتهمت السلطات السورية quot;عصابات مسلحةquot; بالمسؤولية عن اعمال العنف.

وترتبط قناة بردى بحركة العدالة والتنمية وهي شبكة من المغتربين السوريين يوجد مقرها في لندن. وتكشف برقيات دبلوماسية اميركية مصنفة ان وزارة الخارجية الاميركية دفعت نحو 6 ملايين دولار لهذه الجماعة منذ عام 2006 لتشغيل القناة الفضائية وتمويل نشاطات أخرى داخل سوريا. وبدأ تمويل شخصيات سورية معارضة في زمن الرئيس السابق جورج بوش واستمر في عهدالرئيس اوباما فيما كانت ادارته تسعى الى ترميم علاقاتها مع الأسد ، وفي كانون الثاني ـ يناير عينت سفيرا في دمشق لأول مرة منذ ست سنوات.

وتكشف احدى البرقيات المسربة على موقع ويكيليكس ان مسؤولين في السفارة الاميركية في دمشق ابدوا قلقهم من ان غضب السلطات إزاء التمويل الاميركي لجماعات معارضة يمكن ان يهدد تقارب واشنطن مع دمشق.

ولا يُعرف ما إذا كانت وزارة الخارجية مستمرة في تمويل جماعات معارضة سورية ولكن البرقيات المسربة تشير الى تخصيص موارد مالية لهذا الغرض حتى نهاية عام 2010 على أقل تقدير ، وكان بعض هذا التمويل يذهب لدعم برامج ومعارضين داخل سوريا. وقالت صحيفة واشنطن بوست إنها حجبت اسماء معينة وتفاصيل عن هذه البرامج بطلب من وزارة الخارجية الاميركية لأن كشفها يمكن أن يهدد سلامة متلقي هذا التمويل.

ورفضت وزارة الخارجية الاميركية التعليق على صحة البرقيات المسربة أو الرد على اسئلة بشأن تمويل قناة بردى. وقالت تمارا ويتيس نائبة مساعد وزيرة الخارجية لقضايا الديمقراطية وحقوق الانسان في مكتب شؤون الشرق الأدنى ان الوزارة لا ترعى احزابا أو حركات سياسية بل تدعم مجموعة مبادئ. ونقلت واشنطن بوست عن ويتيس quot;ان هناك العديد من المنظمات في سوريا وبلدان اخرى تريد تغييرات من حكوماتها وهذه اجندة نحن نؤمن بها وسندعمهاquot;.
وكانت ادارة بوش اعلنت في شباط ـ فبراير 2006 انها ستقدم منحا بقيمة 5 ملايين دولار quot;لتسريع عمل الاصلاحيين في سورياquot; ولكن احدا من المعارضين داخل سوريا لم يتقدم لتسلم مثل هذه المنح خشية ان يؤدي ذلك الى اعتقالهم أو إعدامهم بتهمة الخيانة ، كما تبين برقية ارسلتها السفارة الاميركية في عام 2006.

وفي تلك الفترة تقريبا بادر سوريون في الخارج الى تأسيس حركة العدالة والتنمية التي تدعو علنا الى اسقاط الأسد. وتصف برقيات اميركية مسربة قادة الحركة المحظورة في سوريا بأنهم quot;اسلاميون ليبراليون معتدلونquot; كانوا اعضاء في جماعة الاخوان المسلمين سابقا.

ولا يُعرف متى على وجه التحديد بدأت الحركة تتلقى تمويلا اميركيا ولكن البرقيات المسربة تبين ان مسؤولين اميركيين اثاروا في عام 2007 فكرة المساعدة على اطلاق قناة فضائية مناوئة للرئيس الأسد.

من جهة اخرى قال مالك العبدة مدير قسم الأخبار في قناة بردى خلال اتصال هاتفي مع صحيفة واشنطن بوست من لندن ان لا علم له بوجدود شيء من هذا القبيل. واضاف العبدة ان القناة تتسلم تمويلا من رجال اعمال سوريين مستقلين رفض تسميتهم.

معارضون آخرون قالوا ان لقناة بردى جمهورا متسعا في سوريا ولكن حصتها من المشاهدين ما زالت ضئيلة بالمقارنة مع قنوات عربية أخرى. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن اسامة منجد وهو سوري مقيم في الخارج عمل في قناة بردى وحركة العدالة والتنمية انه لا يستطيع ان يؤكد وجود دعم من حكومة الولايات المتحدة للقناة الفضائية لأن عمله لم يكن له علاقة بالقضايا المالية. واضاف quot;أنا شخصيا لم اتسلم قرشا واحداquot;.

وتكشف عدة برقيات من السفارة الاميركية في دمشق ان سوريين في الخارج يتلقون تمويلا من برنامج تديره وزارة الخارجية الاميركية باسم مبادرة الشراكة الشرق اوسطية. وكانت الوزارة تقوم بتوصيل هذا التمويل الى حركة العدالة والتنمية عن طريق مجلس الديمقراطية وهو منظمة غير ربحية يوجد مقرها في لوس انجليس. ويقول موقع المنظمة على الانترنت ان المجلس يرعى مشاريع في الشرق الأوسط وآسيا واميركا اللاتينية لترويج quot;العناصر الأساسية لمجتمعات مستقرةquot;. وقال مؤسس المجلس جيمس برنس وهو موظف سابق في الكونغرس انه يعرف بوجود قناة بردى وحركة العدالة والتنمية في لندن لكنه رفض اعطاء معلومات أخرى.

وبحسب برقية أُرسلت في نيسان ـ ابريل من السفارة الاميركية في دمشق فان مجلس الديمقراطية تسلم 6.3 ملايين دولار من وزارة الخارجية لتمويل برنامج يستهدف سوريا باسم quot;مبادرة تعزيز المجتمع المدنيquot;. ويوصف البرنامج بأنه quot;مجهود تعاوني بين مجلس الديمقراطية وشركاء محليينquot; لانتاج تصورات مختلفة تتعلق بالبث. وتكشف برقيات أخرى ان احد هذه التصورات كان قناة بردى التلفزيونية.

وقال ادغار فاسوكويز المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية ان مبادرة الشراكة الشرق اوسطية رصدت 7.5 ملايين دولار لبرامج سورية منذ عام 2005. ولكن برقية من السفارة الاميركية في دمشق تذكر رقما اعلى يبلغ نحو 12 مليون دولار بين 2005 و2010.

وتتحدث البرقيات عن مخاوف مستمرة بين الدبلوماسيين الاميركيين من ان يكون عناصر المخابرات السورية اكتشفوا مصدر التمويل القادم من واشنطن. واشارت برقية في ايلول ـ سبتمبر 2009 الى ان رجال الأمن السوريين استجوبوا عددا من الأشخاص عن عمليات مبادرة الشراكة الشرق اوسطية تحديدا. كما حذر دبلوماسيون اميركيون من اختراق المخابرات السورية لحركة العدالة والتنمية بالدخول على خطوط اتصالاتها. وتصف برقية في حزيران ـ يونيو 2009 الحركة بأنها quot;قارب مثقوبquot; مشيرة الى quot;التسريب الأمني للجماعة التي كثيرا ما تتحدث عن مادة حساسة للغاية على خطوط مفتوحةquot;. وتسوق البرقية أدلة على علم المخابرات السورية بعلاقة حركة العدالة والتنمية بمجلس الديمقراطية في لوس انجليس. واعرب مسؤولون في السفارة عن مخاوفهم من تقويض برنامج الدعم للمعارضة السورية برمّته نتيجة هذا الاختراق. ومن الجائز ان تكون السلطات السورية قررت ألا تتدخل بشكل سافر لأنها تشن حملة من جانبها لاصطياد الناشطين من اجل الديمقراطية.

واشنطن ترفض التعليق على التقارير
واشنطن: رفض المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني اليوم التعليق بشكل مباشر على التقارير، التي تشير إلى أن وزارة الخارجية الاميركية موّلت بشكل سري جماعات معارضة سورية. وقال كارني خلال مؤتمر صحافي في البيت الابيض quot;لن نعلق على تسريبات مزعومة لمواد سريةquot;.

وكشفت صحيفة quot;واشنطن بوستquot; الاميركية اليوم بناء على برقيات دبلوماسية سرية سابقة عن ان وزارة الخارجية الاميركية زودت quot;حركة العدالة والبناءquot;، وهي شبكة للسوريين في المنفى، تتخذ من لندن مقرا لها، ومشروعات ذات صلة من بينها قناة quot;بردىquot; الفضائية بستة ملايين دولار منذ عام 2006.

واضافت الصحيفة ان الحركة تدير قناة quot;بردىquot; التليفزيونية وتنظم انشطة مختلفة داخل سوريا في اطار حملتها طويلة الاجل لازاحة الرئيس السوري بشار الاسد عن الحكم.

وشدد كارني على ان الادارة الاميركية تقدم الدعم للمجتمع المدني والنشطاء المدافعين عن الديمقراطية وحقوق الانسان في كل انحاء العالم quot;اتساقا مع قيمنا التي تتضمن احترام حقوق الانسان الاساسية (ومنها) حرية التعبير وحرية الاجتماع والكرامة الانسانيةquot;.

واكد على ان تواصل الولايات المتحدة مع المجتمع المدني السوري quot;يتسق تماما مع تلك المبادئquot;.