شكّل مقتل الشاب خالد سعيد تحت التعذيب في مصر، وانتحار البوعزيزي في تونس، واغتصاب إيمان العبيدي في ليبيا، ومقتل الطفل حمزة الخطيب في سوريا، وقنص والد الطفلة عتاب المنيعي في اليمن، علامات فارقة في عمر الثورات التي اندلعت، وأيقونات لحركة تحرر عربية لم تنته بعدُ.


محمّد البوعزيزي - حمزة الخطيب - خالد سعيد

القاهرة: في تونس، كان الشاب محمد البوعزيزي أيقونة الثورة، التي إندلعت في نهاية شهر ديسمبر/كانون الأولفي أعقاب إحراق نفسه، إحتجاجاً على صفع شرطية له، أثناء سعيه وراء لقمة العيش على عربة خشبية.

لم تهدأ الثورة التي قامت ثأراً له، إلا بعد إسقاط الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن على بعد 23 يوماً فقط، رغم أنه حكم البلاد بالحديد والنار لنحو 23 عاماً.

وفي مصر، شكل الشاب خالد سعيد أيقونة ثورتها التي إندلعت في 25 يناير/كانون الثاني، ولم تهدأ إلا بعد الإطاحة بنظام حكم الرئيس حسني مبارك خلال 18 يوماً، رغم أنه حكم البلاد لنحو 30 عاماً بالقمع والاستبداد.

وكما كان للثورتين المصرية والتونسية أيقونتان، فإن للثورات العربية المشتعلة حالياً أيقونات أخرى، ففي سوريا، يشكل الطفل حمزة الخطيب، الذي قتل على أيدي الأمن وquot;الشبيحةquot;، وتم التمثيل بجثمانه، أيقونة الثورة السورية، فيما يختلف الوضع في ليبيا واليمن، حيث إن إيقوناتهما مازالتا على قيد الحياة، حيث تشكل إيمان العبيدي التي تعرضت للتعذيب والإغتصاب على أيدي قوات القذافي أيقونة الثورة الليبية، فيما تعدّ الطفلة عتاب المنيعي أيقونةالثورة اليمنية، حيث قتل قناصة الرئيس على عبد الله صالح والدها أثناء مشاركته في المظاهرات، وأبكت العالم عندما وقفت تخطب في المتظاهرين وسط صنعاء، قائلة: quot;إرحل يا صالح، قتلت والديquot;، ثم انفجرت في البكاء، فألهبت حماسة الملايين من اليمنيين والعرب، بل وكل من شاهدها على شاشات التليفزيون.

فهل يا ترى ستنجح أيقونات ثورات سوريا وليبيا واليمن في جمع شعوبها حول قضاياها، وتكون سببًا في إنتصارها على الإستبداد والقمع؟.

ذكرى مقتل خالد سعيد

في السادس من شهر يونيو/حزيران من العام 2010، قتل الشاب خالد سعيد على أيدي مجموعة من المخبرين السّريين التابعين لجهاز الشرطة في مدينة الإسكندرية، عقاباً له على نشر مقطع فيديو يظهر قيادات لهم وهم يقاسمون تجاراً للمخدرات حصيلة تجارتهم المحظورة، حسبما تقول أسرته، فيما ردت الشرطة والنظام السابق بكامل أجهزته بأن سعيد ضبط وهو يتعاطى المخدرات، وحاول الفرار من الشرطة، وإبتلع لفافة من نبات البانغو المخدر، ما أدي إلى اختناقه ووفاته.

نتيجة لإصرار النظام السابق على تبرئة أفراد الشرطة من جريمة موت سعيد نتيجة التعذيب، إنطلقت المئات من الوقفات الإحتجاجية والتظاهرات في شتى أنحاء البلاد لمدة ستة أشهر، إلى أن رضخ النظام السابق إلى الضغوط الشعبية والخارجية الآتية من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، وقدم أفراد الشرطة إلى المحاكمة، إلا أن التظاهرات لم تتوقف، بسبب التباطؤ في المحاكمة، وتعرض أسرة الضحية لمضايقات، لإجبارها على التنازل عن الدعوى القضائية.

quot;كلنا خالد سعيدquot;

قاد التظاهرات الآلاف من الشباب إنطلاقاً من موقع فايسبوك، ولاسيما صفحة quot;كلنا خالد سعيدquot;، حيث خرجت دعوة إلى التظاهر يوم 25 يناير، تنديداً بالتعذيب، وللمطالبة بإلغاء قانون الطوارئ، وذلك تزامناً مع الإحتفال بأعياد الشرطة، وإستجاب عشرات الآلاف من المصريين للدعوة، وخرجوا في تظاهرات في شتى أنحاء الجمهورية، وقوبلت التظاهرات بالقمع بالرصاص الحي، وسالت دماء الشهداء، فألهبت نفوس المصريين، وأصرّوا على إسقاط النظام، ولم يبرحوا ميدان التحرير في وسط القاهرة، وغيره من الميادين العامة في شتى المدن، إلا بعد الإنتصار على النظام، ورحيل مبارك عن حكم البلاد، الذي استمر لنحو ثلاثين عاماً.

لم يسدل الستار

الطفلة اليمنيّة عتاب المنيعي

رغم أن خالد سعيد أيقونة الثورة المصرية، وأحد أهم أسباب تفجرها، إلا أن القضاء لم يسدل الستار على قضية وفاته بعد، ومازالت تفاصيل محاكمة قاتليه مستمرة ببطء، حيث تم تأجيلها للنطق بالحكم إلى جلسة 30 يونيو/حزيران الجاري، لتنتهي بذلك المرحلة الأولى من المحاكمة، وتبدأ الدرجة الثانية من التقاضي التي قد تستمر عامًا آخر على الأقل، ليصدر حكم نهائي بحق المتهمين.

وفي مناسبة الذكرى الأولى لوفاته، زارت أسرته مقبرته، وقرأت الفاتحة على روحه، وسط حضور إعلامي ملفت، فيما نظم العديد من الحركات والتنظيمات السياسية وقفات وتظاهرات في نحو 19 محافظة مصرية، منها وقفة أمام وزارة الداخلية في وسط القاهرة، رافعين لافتات تطالب بإيقاف قيادات وضباط وأفراد الشرطة المتهمين في جرائم قتل الثوار أو التعذيب عن العمل، إلى حين فصل القضاء في تلك القضايا المعروضة عليه.

خالد والبوعزيزي والعبيدي وحمزة والمنيعي

وقال محمود مسعود ناشط في حركة quot;25 ينايرquot;، إن خالد سعيد تحول إلى رمز في حياة المصريين جميعاً قبل الثورة. وأضاف لـquot;إيلافquot; إن قتل خالد سعيد أشعل الكثير من الغضب في شتى أنحاء البلاد، بسبب إنتشار التعذيب في السجون ومقار الشرطة بشكل بشع، ودائماً ما كان الجناة يفلتون من العقاب، نظراً إلى حماية النظام الحاكم لهم، والدليل أن ذلك النظام البائد جيّش كل مؤسسات الدولة للدفاع عن الشرطيين اللذين قتلا خالد، ولم يقدمهما إلى المحاكمة إلا بعد تزايد الضغوط الأميركية.

وتابع: quot;ربّ ضارة نافعة، فمقتل خالد جعل المصريين جميعًا ينتفضون من أجل الحرية والكرامة، والحمد لله فإن النظام أخذته العزة بالأثم، واستمر في تجبره في ما يخص مقتل خالد، ليكون سببًا في إنفجار الثورة التي أطاحت بكل أركان الحكم المستبدquot;.

لكن هل تحتاج الثورات العربية التي تناضل حالياً من أجل حريتها في اليمن وسوريا وليبيا أيقونات مثل خالد سعيد في مصر ومحمد البوعزيزي في تونس؟، يرد مسعود قائلاً: قد يكون مقتل البوعزيزي في تونس ومقتل خالد سعيد في مصر على أيدي الشرطة أشعل فتيل الغضب في البلدين، لكن الظروف القاسية والإستبداد والقمع كان الأكثر تأثيراً في إستمرار الثورتين مشتعلتين حتى النهاية، وأعتقد أن الطفل حمزة الطيب الذي تعرض للتعذيب، ثم قتل بالرصاص، ثم تم التمثيل بجثته في سوريا سيكون أيقونة الثورة هناك، وسوف يعمل جميع السّوريين الشرفاء على الأخذ بثأره.

أما في ليبيا - يتابع-فأعتقد أن إيمان العبيدي، التي تعرضت للإغتصاب، صارت بالفعل أيقونة الثورة الليبية. وفي اليمن، قد يكون هناك الآلاف من الأيقونات، لكن الأخوة اليمنيين لم يلتفتوا إليها جيداً، فالانتهاكات هناك قاسية، والدماء تسيل يومياً، وعليهم أن يتخذوا لأنفسهم رمزاً يلتفون حوله، لتظل ثورتهم متوقدة. وأعتقد أن الطفلة عتاب المنيعي تصلح لتكون أيقونتهم، فقد وقفت بشجاعة تهتف في وسط المتظاهرين مطالبة بالثأر لمقتل والدها على أيدي قوات الرئيس على عبد الله صالح.

لا للعدالة البطيئة

الليبيّة إيمان العبيدي

انتقدت سماح سعد الدين، وهي ناشطة في حركة quot;كفايةquot;، والتي شاركت في الوقفة الإحتجاجية أمام وزارة الداخلية، ما وصفته بـquot;التباطؤ في محاكمة قاتلي خالد سعيدquot;.

وأضافت لـquot;إيلافquot; أن أمد المحاكمة طال بشكل يجعل العدالة البطيئة ظلم لأهل الشهيد، الذي كان مقتله سببًا في منح جميع المصريين الحرية.

ولفتت إلى أن جميع من خرجوا في ذكرى خالد سعيد كانوا يريدون إيصال رسالة لوزارة الداخلية، مفادها أن أحدًا لن يفرّط في دماء الشهداء، والتأكيد على ضرورة إيقاف الضباط والقيادات والأفراد المتورطين في جرائم تعذيب أو قتل عن العمل إلى حين فصل القضاء في جرائمهم.

أما أن يستمروا في ممارسة عملهم، فهذا يؤثر بالسلب على سير القضايا، لأن بإمكانهم التأثير على أسر الضحايا، كما هو الحال مع أهالي شهداء منطقة إمبابة في الجيزة، حيث يعيش ضباط الشرطة المتهمون بقتل المتظاهرين أمام قسم شرطة إمبابة في حرية، ويزاولون عملهم في القسم، ويمارسون ضغوطًا شديدة على أسر الضحايا، ويهددونهم.

في ما يخص الثورات العربية، قالت سعد الدين، إن الدماء تلهب حماسة الشعوب، وتزيدها إصراراً على الثأر للشهداء من الأنظمة القمعية، وأضافت: نحن في مصر متفائلون بشأن إنتصار الثورة في سوريا، لاسيما بعدما صار الطفل حمزة الخطيب أيقونتها، سوف تظل صورة جثمانه الصغير وقد إخترقته الرصاص من جانب، ومظاهر التعذيب التي عاناها، والتمثيل بجثته قائمين أمام الثوار هناك، لن يستطيعوا النوم من دون أن يثأروا له.

القتيل الذي منح الملايين الحياة

تقول ليلى والدة خالد سعيد، إن ابنها كان مفتاح الثورة المصرية، وأضافت لـquot;إيلافquot;: بقدر حزني على فراقه، ومقتله بتلك الطريقة البشعة، بقدر سعادتي لأنه صار شهيداً، وأن مقتله منح ملايين المصريين الحياة، وجنّبهم التعذيب، الذي كانوا يتعرضون له في أقسام ومقار الشرطة يومياً، كنت أتمنى أن يكون بيننا بجسده، لكن قدر الله وما شاء فعل، إنه موجود معنا بروحه، وأشعر أن كل شاب في مصر هو ابني خالد.

ودعت والدة خالد سعيد إلى ضرورة الإسراع في محاكمة قتلة الشهداء جميعًا، وليس خالد وحده، وقالت: لا بد أن ينال القتلة عقابهم، حتى تهدأ النيران المشتعلة في صدور الأمهات والآباء.

ويرى الدكتور أيمن نورالمرشح الرئاسي المحتمل، أن الظلم والاستبداد هو أيقونةكل الثورات العربية، وقال لـquot;إيلافquot;: شكّل مقتل خالد سعيد في مصر وإنتحار البوعزيزي في تونس، وإغتصاب إيمان العبيدي في ليبيا، ومقتل الطفل حمزة الخطيب في سوريا، علامات فارقة في عمر الثورات التي إندلعت في تلك البلدان.