أكد الخبير الإسرائيلي quot;يورام ميتالquot; إقبال مصر على quot;ثورة جياعquot; نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية، والتوازنات التي يمارسها المجلس العسكري مع جماعة الإخوان المسلمين، وشعور الشباب بعدول الثورة عن مسارها، ومحاولات إبعاده عن دائرة القوى السياسية بطرق ديمقراطية، وآليات محاكمة رموز النظام السابق.


تقف مصر على اعتاب quot;ثورة جياعquot;، بهذه العبارة الموجزة بدأت صحيفة يديعوت احرونوت العبرية تقريرها المطول، الذي رصدت فيه بصورة تحليلية ما يجري على الساحة السياسية في مصر، وما ينطوي عليه من مغازلة المجلس العسكري المصري للإخوان المسلمين وعدد من الفصائل السياسية، الامر الذي انعكس على قلة الاعداد المشاركة في المظاهرات الاخيرة التي شهدها ميدان التحرير، إذ يشير الواقع الى انسحاب الاخوان وعدد من النشطاء السياسيين من تلك المظاهرات، نتيجة لاتصالات وربما صفقة مع المجلس العسكري، رغبة من الاخير في الهدوء، مقابل تسهيلات وربما وضعية سياسية للاخوان في مرحلة ما بعد نظام مبارك بحسب الصحيفة العبرية.

لقب quot;أم الدنياquot; ليس مجانياً

رغم ان تونس هى الدولة العربية التي استهلت اولى فصول موسم الربيع العربي بثورتها التي اطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي، الا ان التطورات الأكثر دراماتيكية في منطقة الشرق الاوسط كانت من نصيب مصر، خاصة بعد الاطاحة بنظام مبارك، فلم يُطلق لقب quot;ام الدنياquot; على مصر بحسب يديعوت احرونوت مجاناً، وانما حملت هذا اللقب نظراً إلى دورها المحوري وسط العالم العربي.

فبعد مرور ما يربو على اربعة اشهر ونصف شهر على عزل حسني مبارك ونظامه، وقفت جارة اسرائيل الجنوبية على اعتاب صراع حول هوية ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير، إذ دخلت الثورة في أتون أزمة سياسية ndash; تشريعية، فرضتها تهديدات اقتصادية قد تقود البلاد الى ثورة جديدة.

يرى quot;يورام ميتالquot; رئيس مركز quot;هيرتسوغquot; لدراسات الشرق الاوسط في جامعة بن غوريون الاسرائيلية، ان ما يشهده الواقع السياسي في مصر حالياً هو صراع القوى السياسية، الذي يتمحور حول اشكالية كبيرة هي هل ستخوض مصر انتخابات تشريعية قبل تعديل الدستور، كما يرغب في ذلك الاخوان المسلمين والمجلس العسكري المصري، ام يتم تعديل الدستور اولاً، كما تطالب بذلك معظم القوى السياسية خاصة quot;ائتلاف الشبابquot;؟ ولعل هذا التوجه هو ما يقود الشباب الى التظاهرات المتكررة التي يغيب عنها الاخوان وبعض الفصائل السياسية الاخرى.

ووفقاً لما نقلته الصحيفة العبرية عن الباحث الاسرائيلي، تتصدر هذه الاشكالية مقدمة الخلافات التي تطفو على سطح الواقع السياسي في القاهرة، وربما تحسم هذه الاشكالية بقدر كبير قضية اخرى وهي، هل تسير مصر على خُطى التحول الثوري بكل ما تحمله الكلمة من مغزى؟.

ويضيف ميتال: quot;لبّ القضية ينحصر في الاجابة على سؤال واحد وهو، من سيكون له التأثير الأكثر عند صياغة الدستور الجديد؟، ويحاول جيل الشباب الاجابة على هذا السؤال، مؤكداً انه اذا اجريت الانتخابات التشريعية في مصر خلال شهر ايلول/ سبتمبر، فإن فرصهم في التنظيم والتمحور ستكون ضئيلة للغاية، وسوف يصبّ ذلك في مصلحة الاخوان المسلمين، إذ إن الجماعة المحظورة سلفاً، باتت الفصيل السياسي الوحيد الأكثر تنظيماً وجهوزية لخوض الانتخابات، وإذا ما فاز الاخوان في الانتخابات وقاموا بتشكيل حكومة، فستكون الجماعة ضالعاً رئيساً في صياغة الدستور الجديد، الامر الذي سيقابل باعتراض واسع من قبل الجماهير المصريةquot;.

وبحسب البروفيسور الاسرائيلي، لا يرغب الاخوان المسلمون حالياً في اجراء تعديلات على الدستور المصري في الوقت الراهن، ويفضلون اجراء انتخابات برلمانية استباقية تحسباً لتعديلات دستورية قد تحول دون فوزهم في الانتخابات المرتقبة، ولعل ذلك هو ما يحمل العنوان العريض للمظاهرات والاضطرابات السياسية التي شهدتها وما زالت تشهدها مصر حالياً، والاجابة على كل الاسئلة سالفة الذكر ربما تحددها الاسابيع المقبلة، كما ستستطيع الفترة المقبلة تحديد مستقبل الثورة المصرية.

الانزلاق في دائرة الانهيار

ويلفت رئيس مركز quot;هيرتسوغquot; لدراسات الشرق الاوسط النظر الى قضية أخرى، وهي قضية الاقتصاد المصري، مشيراً الى انه كلما دارت عقارب الساعة منذ الاطاحة بنظام مبارك وحتى الان، تزداد فجوة الازمة الاقتصادية في مصر اتساعاً.

إذ يكتشف الخبراء اليوم تلو الاخر حجم الفساد الذي طغى على مصر خلال السنوات الأخيرة، فعجز الموازنة وصل الى نسب غير مسبوقة في تاريخ مصر، كما توقفت الاستثمارات الاجنبية تماماً، وتقلصت السياحة التي تعيش على دخلها الالاف من الأسر المصرية الى 20% مقارنة بالماضي.

وستصبح مصر مضطرة الى مطالبة البنك الدولي ومنظمات الدعم الدولية بمساعدتها لانقاذها من الانزلاق في دائرة الانهيار، وسيتحول هذا السيناريو الى واقع درامي اذا ارتبطت الازمة الاقتصادية بديمومة الازمة السياسية طويلة المدى في مصر. كما يحذر الخبير الاسرائيلي من ان الدمج بين الازمتين السياسية والاقتصادية في مصر سيقود الى ولادة ثورة أخرى اكثر صراعاً وقوة يمكن وصفها بـ quot;ثورة الجياعquot;، وستعتمد ابجديات الثورة الوشيكة على النضال من اجل توفير كسرة الخبز لما يزيد عن 85 مليون مواطن.

وفي رد على سؤال لصحيفة يديعوت احرونوت حول مدى نجاح القيادة السياسية والعسكرية المصرية في اتخاذ القرار وادارة البلاد، يقول الباحث الاسرائيلي: quot;تقود مصر حالياً قيادة تحمل طابع quot;المرحلة الانتقاليةquot;، إذ يتولى دفة الحكم مجموعة من قادة الجيش، إذ يبدو واضحاً ان القطاع الاكثر انهياراً في مصر حالياً هو قطاع الشرطة والامن الداخلي، وعندما نربط ذلك بالازمة الاقتصادية، يتضح ان غياب الامن الداخلي والازمة الاقتصادية سيسفران عن صعود سريع في نسبة الجريمة، ولعل ذلك هو ما تشهده مصر يومياً ويؤرق مضاجع المسؤولين في المرحلة الانتقاليةquot;.

وبنظرة المراقب يؤكد الباحث الاسرائيلي ان العالم العربي تابع عن كثب بالغ خلال الايام الاخيرة مظاهرات ميدان التحرير، خاصة ما اطلق عليه الثوار quot;جمعة القصاصquot;، وكانت المظاهرات - وفقاً لهتافاتها - مناوئة للمجلس الاعلى للقوات المسلحة، الذي يسيطر على مصر منذ الاطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك.

غير ان هذه المظاهرات اقتصرت على اعداد ضئيلة مقارنة بسوابقها من المظاهرات الحاشدة. واضاف الباحث الاسرائيلي: quot;لم تكن المظاهرات الاخيرة مليونية، الا انها عبّرت في الوقت عينه عن الخوف من فقدان ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير لطريقها الذي خرجت من اجله، ومن وصول ضباط الجيش الى تفاهمات مع الاخوان المسلمين او مع ائتلاف سياسي آخر يحظى برضاهم، ليفقد ائتلاف الشباب وجودهم داخل دائرة مراكز القوى السياسية في السلطة بطريقة ديمقراطيةquot;.

العدوى السياسية والاقتصادية
لا يستبعد الباحث الاسرائيلي quot;يورام ميتالquot; انتقال العدوى السياسية والاقتصادية في مصر الى سائر الدول العربية، التي كان لها نصيب من موسم الربيع العربي، مشيراً الى وجود علاقة وطيدة بين ما يجري في مصر وما تشهده منطقة الشرق الاوسط من تحولات سياسية، فالثورة التونسية لم تنته بعد، وما زالت الحرب الدائرة في ليبيا على قدم وساق، ولا تعلم سوريا واليمن المصير الذي ينتظرهما، وما يؤكد على محورية ما يجري في مصر هو ان الحوار الاقليمي الدائر حالياً، يتابع ما يدور في القاهرة من تطورات متواترة، وينصبّ الاهتمام العربي على محورين اساسيين، الاول اشكالية محاكمة رموز النظام المصري السابق، او بعبارة أخرى الكيفية التي يتم بها محاكمة هؤلاء الرموز، ثانياً ما مستقبل تعديل الدستور.

وفي تعليق على اشكالية مرتبطة بهذه النقطة، يقول الباحث الاسرائيلي في حديثه مع صحيفة يديعوت احرونوت: quot;يتابع العالم العربي وربما اسرائيل محاكمة رأس النظام المصري السابق حسني مبارك، خاصة ان محاكمته ستبدأ اوائل الشهر الجاري، ويتضح من لوائح الاتهام المقدمة ضده انه سيواجه عقوبة الاعدام، غير ان هذه المحاكمة ستستغرق مدة طويلة تفوق ما يتوقعه غير القانونيين، فضلاً عن ان ظروف مبارك الصحية السيئة ستؤدي الى اطالة فترة المحاكمة.

ومن غير المستبعد ان ينجو مبارك من حكم الاعدام بموته الطبيعي او باستئناف محاكمته او بمنحه عفواًquot;. وفي ختام حديثه مع الصحيفة العبرية، اعرب الباحث الاسرائيلي quot;يورام ميتالquot; عن تفاؤله بتحسن الظروف الاقتصادية والسياسية في مصر، الا انه رهن ذلك بالمدى البعيد، مشيراً الى ان مصر ستواجه خلال الاشهر القليلة المقبلة تحديات بالغة الصعوبة،لافتًا الى ان فرصة الخروج من تلك الازمة مرتبطة بمدى تجاوب الجيش المصري مع مطالب شباب ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير، وتقديم تعديل الدستور على التوجه الى صناديق الانتخابات التشريعية.