كابول: يثير بدء انسحاب القوات الدولية من افغانستان مخاوف من تخفيض المساعدة الدولية بشكل مواز، ما قد تترتب عنه عواقب كارثية لاقتصاد بلد ما زال يعاني من تبعات نزاعات تعاقبت عليه منذ اكثر من ثلاثين عاما.

ولم تستفد من الانتعاش الاقتصادي الذي تلى اطاحة نظام طالبان سوى نخبة صغيرة من سكان المدن، بينما لا تزال غالبية السكان المتركزة خصوصا في الارياف تعاني من الفقر الشديد ولا تزال البلاد بالتالي تعتمد الى حد بعيد على هذه المساعدة الخارجية.

وتتلقى افغانستان حوالى 15 مليار دولار من المساعدات السنوية، ما يوازي تقريبا اجمالي ناتجها الداخلي المقدر بحوالى 16 مليار دولار، بحسب ارقام اوردها مسؤولون غربيون. ويخشى الخبراء ان تتقلص هذه المساعدة مع انسحاب القوات القتالية التابعة للحلف الاطلسي الذي بدأ هذا الشهر على ان ينتهي مبدئيا بنهاية 2014 مع انجاز عملية نقل المسؤوليات الامنية الى القوات الافغانية في جميع انحاء البلاد.

وراى مسؤول غربي طلب عدم كشف اسمه ردا على اسئلة فرانس برس ان quot;التجارب الدولية السابقة في هذا المجال تشير الى ان المساعدة تنخفض بسرعة بعد عودة القوات الى بلادها، ومن المرجح ان يحصل هذا هناquot;.

والمساعدة الدولية على ارتباط وثيق بالعمليات العسكرية في افغانستان. ويشار بهذا الصدد الى ان الولايات المتحدة التي تنشر القسم الاكبر من القوات، تعتبر الدولة المانحة الاولى بفارق كبير عن سواها. غير ان قيمة المساعدة الاميركية لافغانستان التي يقوم الكونغرس بمراجعتها كل سنة، تنخفض عاما بعد عام.

وكشف موقع quot;فورين اسيستانس.غوفquot; الحكومي الاميركي للمساعدات الخارجية ان هذه المساعدة تراجعت من 4,1 مليار دولار للسنة المالية 2010 الى 3,9 مليار دولار عام 2011، ومن المقرر ان تكون بقيمة 3,2 مليار دولار عام 2012، ما يعني تراجعا بنسبة 22% خلال عامين.

وانفقت واشنطن حتى الان 27,8 مليار دولار في اعمار البلاد وتدريب قوات الامن التي يفترض ان يتخطى عديدها 350 الف عنصر بحلول نهاية 2014، في حين ان الميزانية الافغانية الهزيلة بحاجة الى اكثر من عشر سنوات وفق السيناريوهات الاكثر تفاؤلا قبل ان تتمكن من تمويل قوة بهذا الحجم ودفع رواتب عناصرها.

وحذر تقرير اميركي نشر في حزيران/يونيو من انه في حال توقفت مساعدات الشركاء، فان افغانستان قد تشهد quot;انهيارا اقتصاديا خطيراquot;. ويسعى المسؤولون الغربيون منذ الان لمنع انقطاع المساعدة، قبل انعقاد المؤتمرين المهمين المقبلين حول مستقبل البلاد في بون (المانيا) في كانون الاول/ديسمبر المقبل وفي شيكاغو بالولايات المتحدة عام 2012.

وتزداد هذه المخاوف على ضوء استياء مانحي الاموال الدوليين بعد الفضيحة الاخيرة التي احاطت بمصرف quot;كابول بنكquot;، اكبر المصارف الخاصة الافغانية، حيث تبين ان قادته ومؤسسيه المرتبطين بحكومة الرئيس حميد كرزاي اختلسوا اكثر من 900 مليون دولار، ما هدد استقرار القطاع المالي الضعيف الافغاني.

وعلى اثر هذه القضية، قام صندوق النقد الدولي بتجميد برنامج مساعداته لهذا البلد ما جعل جهات ممولة اخرى تحذو حذوه الى ان يتم اقرار اصلاحات للنظام المالي الافغاني. وكتب الاميرال جيمس سترافريديس القائد الاعلى للحلف الاطلسي في اوروبا في حزيران/يونيو quot;علينا وضع استراتيجية انتقالية للاقتصاد الافغاني لضمان عدم انهياره بالكامل بعد 2014quot;.

فالقطاعات التي يمكن ان تدعم النمو في افغانستان على المدى البعيد لن تولد مداخيل قبل فترة طويلة. اما المداخيل المرتقبة من قطاع المناجم الواعد (النحاس ومعدن الحديد والليتيوم) والمقدرة بحوالى 750 مليون دولار في السنة فلن تتوافر قبل عشر سنوات.

بل من المحتمل ان تتحول هذه الثروة المنجمية الى لعنة لافغانستان في حال قيام صراع بين زعماء الحرب النافذين للسيطرة على الاراضي طمعا في ما يمكن ان تحويه من معادن. والنقطة الايجابية الوحيدة ولو ضئيلة في هذا الوضع الافغاني بنظر بعض المحللين هي ان تراجع المساعدات قد يرغم المسؤولين الافغان على البحث عن حلول تحد من اعتماد البلاد على الخارج.