رام الله: لم تمض ساعات على بدء العزف على أوتار الفرح بعد إعلان نتيجة امتحان الثانوية العامة في فلسطين حتى تحولت الأفراح إلى أتراح، ومضى الجميع هائمين ومستغربين ومتسائلين كيف حدث وما الذي حدث ولماذا حدث؟ ولم تكن الإجابة وافية لأن الاستهتار هو فقط الذي حوّل الفرح إلى مأتم.

أعلنت مصادر طبية وأمنية أن نحو 40 مواطًنا أصيبوا في الأراضي الفلسطينية بجروح مختلفة إثر استخدام المفرقعات والألعاب النارية في الحفلات خلال 48 ساعة، كما قتلت فتاة في قطاع غزة، وقتل شاب في الجليل، نتيجة أعيرة رصاصية بالخطأ ابتهاجًا بالفرح.

قُتلت الطالبة فاطمة أحمد المصدر، وهي من أوائل الثانوية العامة في قطاع غزة، والتي حصلت على معدل 95.2% في الفرع العلمي، إثر إصابتها بعيار ناري بالخطأ من سلاح شقيقها، بعد إعلان نتائج الثانوية العامة الأحد الماضي وحصولها على علامات متقدمة، حيث كانت من بين الأوائل، وفي بلدة مجد الكروم في الجليل شمال الضفة الغربية، قتل أمير نصر الله، الذي لم يتجاوز ربيعه التاسع عشر، برصاصة طائشة خلال حفل عرس شقيقه.

اغتال رصاص الفرح الطائش سعادة الفتاة التي حققت علامة عالية ومتقدمة في طاع غزة، وحوّل فرح العائلة إلى مأتم وحزن عارم اجتاح الأهل وكل من سمع بقصتها، كما إن الوضع لم يختلف كثيرًا حين خرج الشاب أمير نصر الله إلى حفل عرس شقيقه في بلدة مجد الكروم في أعالي الجليل راقصًا من شدة الفرح، وما هي إلاساعات قليلة،حتى أشهرأحدهم مسدسًا وأطلق رصاصة أصابت أمير وقتلته.

عرس شقيق أمير تحول إلى مأتم، وبدلاً منأن يخرج الأهل في اليوم التالي لزفة العريس وإكمال الفرح، خرج الجميع في جنازة أمير، الذي انتهت حياته برصاصة طائشة، ولبست العروس الأسود عوضًامعن الأبيض حزنًا على رحيله. حالتان من الفرح، اغتالتهما الرصاصات الطائشة الناتجة من استهتار وغياب للمسؤولية.

لم تقف الأمور عند هذا الحد، حيث حولت الألعاب النارية والمفرقعات التي استخدمت في الاحتفالات التي وقعت خلال الأيام الماضية في المحافظات الفلسطينية الأفراح إلى أحزان نتيجة الاصابات العديدة التي وقعت بين صفوف المواطنين، وأدت إلى بتر أصابعهم، وتسببت بإزعاج شديد واستياء وتذمر شديدين بين صفوف المواطنين في فلسطين.

الصحة: 40 حالة اصابة بالمفرقعات خلال 48 ساعة

ودعا وزير الصحة الدكتور فتحي أبو مغلي، في تصريح صحافي حصلت quot;إيلافquot; على نسخة منه، المواطنين إلى ضرورة التوقف عن استعمال المفرقعات والألعاب النارية، وأحياناً الرصاص الحي للتعبير عن فرحهم في نجاح أبنائهم وفي حفلات الأعراس، مؤكدًا أن السلوك السيء في استعمال المفرقعات والرصاص أدى الى مآس حقيقية، كما حدث مع المرحومة الطالبة المتفوقة فاطمة أحمد حسن المصدر في قطاع غزة.

وأكدت وزارة الصحة أنها سجلت اصابة نحو 40 مواطنًا جراء هذه الألعاب من ضمنها 7 إصابات أدت الى بتر أصابع اليد وإصابة الأعصاب في الأطراف العلوية.

وأشار أبو مغلي، إلى أن الاصابات هذا العام كانت أقل بكثير من الأعوام السابقة، وهذا يعود إلى ازدياد وعي المواطنين للنتائج المدمرة لهذه الألعاب، إضافة إلى الجهود الكبيرة التي تبذلتها كوادر جهاز الشرطة، سواء في مكافحة بيع وتهريب المفرقعات النارية ومراقبة اشتعالها في مختلف المحافظات.

أزمة مالية... ومفرقعات نارية

بحسب بعض التقديرات والاحصاءات، فقد بينت بعض المعطيات أن ما صرف على الألعاب النارية والمفرقعات في الساعات الأولى لنتائج الثانوية العامة فاق خمسين ألف دولار، يأتي ذلك في الوقت الذي يعاني فيه الشعب الفلسطيني أزمة مالية خانقة.

وسيطرت الألعاب النارية أو كما تسمى بـquot; المفرقعات الناريةquot; على أجواء فلسطين بالتزامن مع الإعلان عن نتائج الثانوية العامة، ووقع نتيجة استخدامها العديد من الإصابات وتسببت بشجارات عائلية، كما أدى التهور في بعض الأحيان إلى وقوع حوادث سير نتيجة السرعة الزائدة لطلاب في الثانوية كادت تودي بحياتهم.

تباينت ردود المواطنين بين مؤيد ومعارض، ومدافع عن حق الطلبة وذويهم بالتعبير عن فرحتهم بعد طول إنتظار لنتائج الثانوية العامة، حيث أكد البعض أن هذه الظاهرة تعد تلاعباً بأرواح الشعب، فيما إتهم العديد منهم التجار بالمتاجرة بأرواح الأطفال على وجه الخصوص.

وقالت المواطنة عرين عزات في لقاء خاص مع quot;إيلافquot;: quot;إن هذه الظاهرة باتت تنتشر بصورة خطرة في الآونة الأخيرة، خاصة في الأفراح والمناسبات لدى الكثير من الفلسطينيين، وتعد مؤشراً خطراً للتلاعب بأرواح الناسquot;.

وطالبت عزات الأجهزة الأمنية القيام بدور أكثر حزمًا تجاه التجار والباعة الذين يستوردون الألعاب النارية، والتي تعد متاجرة بأرواح وحياة الكثيرين، خاصة صغار السن الذين لا يجيدون إستعمالها.

وقالت: quot;إن الفرح والابتهاج بالنجاح والمناسبات السعيدة تحول في بلادنا الى شيء أشبه بحالة حرب، فكما نرى مقياس الفرح بات لا يمكن أن يقاس الا باستخدام المفرقعات والرصاص الحي، وكلنا رأينا وقرأنا ما قد حدث يوم امس مع الطالبة وفاء، فبدلاً من الفرح بنتيجة تعبها ماتت بسبب رصاص الفرحquot;.

وأضافت: quot;الكثير الكثير من الضحايا وقع نتيجة المفرقعات في شتى أنحاء الوطن، معربة عن استغرابها في الوقت نفسهعن مصدر هذه المفرقعات الآتية من إسرائيلquot;. وأكدت أن هذه القضية شائكة، ويجب البحث فيها من قبل الجهات المعنية ومتابعتها بشكل واسع، لأن خطر المفرقعات والسلاح يكمن في سوء استخدامها، وكثيرًا ما نرى ان مستخدميها من الأطفال الذين لا يتمتعون بالقدر الكافي من الوعي، ويستخدمونها من دون حرص أو انتباه.

من جانبه اختلف عبد حسين، مع هذا الرأي، ودافع عن ذلك وقال: quot;إن من حق طلبة الثانوية العامة وذويهم التعبير عن فرحتهم خاصة بعد إنتظار وأعصاب مشدودة في ترقب النتائجquot;. وأضاف: quot;من وجهة نظري من حق كل طالب نجح في التوجيهي التعبير عن فرحته، خاصة وأننا شعب يعاني ويلات الحروب، ومن حقه أن يعبّر عن فرحتهquot;.

وعبّر الكثير من المواطنين عن إمتعاضهم الشديد لظاهرة إطلاق النار، ودعوا إلى ضرورة تضافر جهودكل المؤسسات لمحاربة انتشار هذه المفرقعات.

من جانبه، قال المواطن عمار منى: quot;إن إنتشار ظاهرة إطلاق المفرقعات النارية يخلق حالة من الرعب والترويع بين صفوف الأطفال والنساءquot;. وأضاف: quot;هناك عائلات لديها مرضى وكبار سن، وهذا الأمر يشكل خطراً على صحتهم، مطالباً الشرطة الفلسطينية بالوقوف بحزم ودور أكثر صرامة أمام إنتشار هذه الظاهرة المقلقة والمخيفة في المجتمع الفلسطيني، والتي تسبب هدرا للمالquot;. ودعا الناجحينوالمحتفلين إلى إقامة الولائم والعزائم لأقربائهم عوضًا من دفع الأموال هباء منثورا.

الشرطة تطلق حملة لمكافحتها

في هذا السياق، أطلقت الشرطة الفلسطينية، حملة لمنع بيع المفرقعات والألعاب النارية في المحال التجارية ومنع استخدامها من قبل المواطنين ومصادرتها مع بدء موسم الاحتفال بنتائج الثانوية العامة والأعراس.

وأوضح بيان لإدارة العلاقات العامة والإعلام في الشرطة أن الحملة تأتي مع بدء موسم الاحتفال بنتائج الثانوية العامة، بحيث يكثر استخدام هذه الألعاب في هذا الموسم للتعبير عن الفرح والابتهاج. وأكد الرائد أشرف مطلق، مدير العلاقات العامة والاعلام في شرطة نابلس، أن الشرطة حريصة على تعزيز وتوثيق الشراكة بين الشرطة والمؤسسات الاجتماعية لمحاربة ظاهرة استخدام الألعاب النارية.

وحذر من استخدام الألعاب النارية أو المتاجرة بها لما تشكله من أخطار جسيمة في الأرواح والممتلكات وإزعاج الأهالي، مؤكدا أنه سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل من يخالف ويقوم ببيع الألعاب النارية واستخدامها.

وقال مطلق: quot;إن الشرطة احتجزت في نابلس 31 شخصًا استخدموا المفرقعات، وتجري الآن عملية أخذ المقتضى القانوني بحقهم لمخالفتهم القوانين، مؤكدًا أنه جرى ضبط اكثر من 271 علبة مفرقعات وألعاب نارية في نابلس خلال يومين فقطquot;. وفي أريحا ضبطت الشرطة 408 عبوة ألعاب نارية و قبضت على 17 شخص من تجارها ومستخدميها في محافظة أريحا والأغوار.

الاستهتار يغتال الفرح

وقال الدكتور ماهر أبو زنط، المحاضر في قسم علم الاجتماع والخدمة المجتمعية في لقاء خاص مع quot;إيلافquot;: quot;إن هذه الظاهرة مقلقة ومحزنة، وأصبحت تشكل عبئًا ثقيلاً على كاهل المجتمع، خاصة وأنها تسبت بوقوع إصابات، وخلقت حالة من الاستياء والتذمر الشديدينquot;.

وأضاف: quot;المجتمع الفلسطيني جزء من المجتمع العربي الذي تنتشر فيه مثل هذه العادات خلال الأفراح، سواء في الأعراس أو غيرها من المناسبات، الأمر الذي يحتاج مزيدًا من المتابعة والاهتمام خاصة بعد سقوط العديد من الضحاياquot;.

وأكد أبو زنط، أن الاستهتار والتهاون في مثل هذه الأمور أوقع العديد من الضحايا، وتسبب بسقوط قتلى وبتر أصابع وتشوهات وخلق حالة من الشجار العائلي بسبب الإزعاج. وقال: quot;على الصعيد الفلسطيني وخلال الأسبوع الجاري تحول العديد من الأفراح بفعل الاستهتار إلى أتراح وأحزان، وانقلبت بعض الأعراس والحفلات إلى مآتم نتيجة الرصاص الطائش، وكذلك تحولت ساحات الفرح في أفراح طلبة الثانوية العامة إلى أحزان مع سقوط العديد من الاصابات نتيجة الألعاب الناريةquot;.

وذكر أبو زنط أن الشعب الفلسطيني يعاني أزمة مالية خانقة، الأمر الذي يستوجب التوقف عن مثل هذه التصرفات، التي من شأنها هدر المال بشكل ملحوظ، داعيًا إلى تشديد الرقابة والمتابعة وإيلاء هذا الموضوع أهمية خاصة مع سقوط العديد من الضحايا.

يذكر أن مثل هذه الحوادث تتكرر وتقع سنويًا، سواء على الصعيد الفلسطيني أو على الصعيد العربي، حيث تكثر عمليات إطلاق الأعيرة النارية ابتهاجا في الأفراح والأعراس على وجه الخصوص، كما تنتشر الألعاب النارية بكثافة في محتلف الحفلات، الأمر الذي أوقع العديد من الاصابات الخطرة لا سيما عندما يكون هناك استهتار وأشخاص تنقصهم الخبرة الكافية في التعامل مع مثل هذه الأمور.