يختلف المراقبون والساسة والمحللون في نظرتهم للدعوات الأميركية المتكررة حول الحوار مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر، فهناك من يرى أن التصريحات في هذا الإتجاه محاولات لجسّ النبض، في وقت يحذر آخرون من خطورة الخطوة.


خرجت الإدارة الأميركية بتصريحات قوية اعتبرت نارية ومستفزة لبعض القوى والأقليات الدينية في مصر، وهي السابقة الثانية من نوعها خلال أقل من شهر، ففي أوائل هذا الشهر يوليو صرحت الإدارة الأميركية على لسان وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون عن استئناف الحوار مع الإخوان المسلمين. ما أثار جدلاً واسعاً وقتها انتهى بتكذيب الإخوان لأية دعوة قدمت من واشنطن أو حتى وجود مفاوضات وحوارات سابقة.

وبعد الهدوء الذي سرى، أكدت واشنطن صدق نواياها على لسان مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان أمس، وذلك في المقابلة التي أجراها على قناة quot;الحرةquot; الأميركية والتي أكد خلالها أن quot;الولايات المتحدة ستتعامل مع الإخوان المسلمين طالما قبلوا بقواعد اللعبة الديمقراطية وعملوا بموجب القانون واحترموا الأقليات وحقوق الإنسانquot;.

وهذا التصريح والذي سبقه لكلينتون فجرا تساؤلات عدة وجدل واسع وسط السياسيين وخاصة الجالية القبطية المصرية، ووسط الليبراليين في أميركا، والأسئلة اتصلت بمصداقية هذا التصريح وأهدافه والدوافع من خلفه، وكذلك ما مدى مصداقية أميركا في الدفاع عن الحريات المدنية واهتمامها بتطبيق الديمقراطية الحقيقية التي تنادي بها دوماً. وازدادت الأسئلة حول هذا التصريح كونه جاء في ظروف غير اعتيادية تعصف بالبلاد والمنطقة العربية، وخاصة بعدما أكد السيناتور الأميركي والعضو في الكونغرس الأميركي ستيف تشابوت رفضه هذه الخطوة التي يرى أنها ليست خطوة فعالة في طريق الديمقراطية المنشودة في مصر، وأن مصلحة واشنطن تكمن في دعم أحزاب وأطراف علمانية.

وهذا التصريح لم يكن بمنأى عن النقد من قبل الليبراليين والأقباط وحتى الإسلاميين أنفسهم الذين يعيشون تحت سماء هذا البلد كونه قد يمثل تغيرًا جذرياً في السياسة الأميركية تجاه تعاملها مع التيارات الإسلامية مستقبلاً، وهي التي كانت تعادي هذه التيارات وتوجهاتها كما اعتبره البعض نوعا من المغازلة للإخوان المسلمين وإنما ضوء أخضر للموافقة وربما تمهيدا لوصولهم.

من جهتها، أعربت جماعة الإخوان المسلمين عن نفيها القاطع لوجود أي حوارات بينها وبين واشنطن تمت أو تتم في الوقت الحالي، لكن الجماعة لم تمانع حدوثه مستقبلاً كخطوة أولى جيدة تعرّف العالم إليهم على اعتبار أن الحوار مطلوب في المرحلة الحالية كتعريف كل طرف بالطرف الآخر، ولكن من دون التنازل عن مبادئهم وثوابتهم، كما أكدت الجماعة أن موافقة واشنطن لا تعنيها.

د.الصاوي: حدوث أي اتفاقات سيكون على حساب أطراف أخرى

محمد كمال الصاوي
ويعتقد كبير المحللين السياسيين والأمنيين في المخابرات المصرية الحربية سابقاً د.محمد كمال الصاوي أن تصريح واشنطن في هذا الوقت جاء كنوع من جسّ النبض لمعرفة رد الفعل الذي قد يأتي سواء من جماعة الإخوان المسلمين وماهية استعداداتهم للتحاور والانفتاح على الغرب والرغبة في التعرف إليهم وعلى أفكارهم عن قرب كونها تزيد الصورة وضوحا في المشهد السياسي في مصر الآن خاصة بعد أن أثبت أنهم قوة لا يستهان بها على الساحة المصرية واحتمالات فوزهم بنسبة مقاعد كبيرة في الانتخابات البرلمانية أو حتى وصولهم لكرسي الحكم، كما أنهم يريدون فتح كل خطوط التواصل في المنطقة. كما أن ما يهم أميركا في المنطقة هي مصالحها، لذلك سيكون التعامل على أساس المصالح المتبادلة فمصر تحتاج للمعونة في مقابل معاهدة السلام مع إسرائيل.

أما من ناحية جماعة الإخوان المسلمين فيعتقد الصاوي أنهم يودون التحاور وفتح خطوط التواصل أكثر من الطرف الأميركي، ولكنهم يقفون بين نارين في القبول الذي قد يؤثر في مصداقيتهم بين جماهيرهم في مصر، وفي الرفض الذي هو ليس في صالحهم فهم يريدون فتح باب الحوار، لكي يكون لهم قاعدة ويضمنوا موافقة أميركا للوصول للحكمquot;. غير نافٍ في الوقت ذاته أن ما صرح من الممكن أن يكون خطوة حقيقية من جانب الأميركيين وجماعة الإخوان المسلمين، وأكد الصاوي أن حدوث أي اتفاق بين الطرفين لا بد أن يكون على حساب أطراف أخرى، أولها التيارات والأحزاب الإسلامية المماثلة.

كما يرى الصاوي أن الاحتكام إلى صناديق الاقتراع يحتاج إلى توعية الجماهير أكثر وتعريفها بدورها، وعلى ماذا تصوت، مستشهدا بما حدث في الانتخابات الأولى لتعديل أو تغيير الدستور والتي فاز بها تعديل الدستور على الرغم من أن أغلبية الناس في المجتمع تطالب بالتغيير لا التعديل، وذلك للتسرع وعدم فهم الصورة الحقيقة لما يحدث حتى تكون الثورة قد اكتملت ونجحت.

quot;الإخوان يتوقون للحوار أكثر من أميركاquot;

ويذهب المحلل السياسي الدكتور مختار كامل إلى أن المسألة لها عدة جوانب، فمن جهة واشنطن تنظر للإخوان المسلمين على أنهم قوة اجتماعية في مصر ونظرا للمتغيرات التي حدثت مؤخرا في المنطقة العربية وعلى الساحة المصرية خاصة فإن واشنطن تريد أن يكون لها موطن قدم داخل النظام المصري الجديد في حال تم فوزهم. وتفتح المجال للتعامل مع جميع القوى السياسية الموجودة في الساحة المصرية.

محمد مختار
ومن جهة أخرى فإن الحوار قد يكون لإحراج الإخوان المسلمين في مصر أمام مؤيديهم وأمام القوى السياسية الأخرى. كونهم سوف يجلسون ويتحاورون مع أميركا كباقي القوي السياسية الليبرالية الأخرى والتي اتهمت دوما من قبلهم بمحاورة ومحاباة أميركا. كما أنه غالبا ما سيكون الحوار على أساس طرح أهم القضايا التي تهم أميركا، وهي موضوع إسرائيل ومعاهدة السلام قائلا: quot;ففتح الحوار لا يعني بالضرورة الاعتراف بهم أو تأييدهمquot;. منوها بوجود (نقطة خبيثة) في ما يحدث ففي مراكز صنع القرار الأميركي أغلبية المؤيدين لإسرائيل يرون أن وجود الإخوان المسلمين في السلطة سيضمن تخلف مصر لعقود طويلة لما تنادي به من أفكار معادية للتقدم والانفتاح وتقييد الحريات، وهو ما يصب في مصلحة إسرائيل، وذلك حسب تعبيره، مؤكدا أن النتائج التي قد تنتج من اللقاء لا يمكن تكهنها الآن فهي غير معروفة وتتوقف على ظروف المنطقة، وكلا الطرفين يعي ذلك.


د.داود: حصول الأقباط على حكم ذاتي ضروري قبل وصول الإخوان للحكم

ويقول الدكتور منير داود الجراح المتقاعد ورئيس الهيئة القبطية الأميركية إنه كان على أميركا دعم التيارات الليبرالية بدلا من تقديم دعوة للإخوان المسلمين التي تنادي بدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية وهدفها تطبيق الشريعة الإسلامية.

وكان أقباط المهجر أبدوا استياءهم من هذه الدعوة، وأعلنت الجمعية الوطنية القبطية الأميركية الخاصة بهم، رفضها القاطع لموقف الرئيس الأميركي. ويبرر رئيس الهيئة القبطية

منير داود
الأميركية اعتراض الأقباط، مشيراً إلى أنه يحتمل عدة أوجه، ومنها أن وصول الإخوان المسلمين للحكم سيعمل على خراب البلد. فهم لا يملكون العقلية المنفتحة على المجتمعات والأقليات الدينية الأخرى.

ويقول: quot;هي منظمة دينية (يقصد جماعة الإخوان المسلمين)، وليست مدنية ولا تملك الأفق السياسي الذي يتقبل أصحاب الديانات الأخرى، وتعلن الحرب على كل من هو غير مسلم، والقرآن دستورها والموت في سبيل الله أسمى أمانيهاquot; ثم يضيف قائلا: quot;ويعلن مرشحوها بأن أول ما سيفعلونه بعد توليهم كرسي الرئاسة فرض الجزية على من هم غير مسلمين، والأقباط جزء من الشعب الذي لا يدين بالدين الإسلاميquot;. متسائلا: quot;كيف سيفرضون علينا الجزية ونحن سكان البلد الأصليون، فهل هذا مقبول؟quot;.

ويوصل الدكتور مراد انتقاده للإخوان وطريقة تعاملهم مع المرأة، قائلاً: quot;أما المرأة فحدث ولا حرج فلا حقوق لها، ولا حرية شخصية وسيتم تطبيق نظام الوصاية عليها، وسيفرض الحجاب على كل النساء. فإذا كن لسن على ديانة الإسلام لماذا يفرض عليهن ذلك؟ متسائلا في الوقت ذاته ماذا يعني أن تكون الدولة مدنية ذات المرجعية الإسلامية، حيث إن ليس كل المصريين مسلمين فلماذا تكون المرجعية إسلامية؟ مؤكدا استحالة تطبيقه وواصفا إياه بإعادة البلاد لعصور التخلف .

ويضيف: quot;أن أكثر ما يهمهم هو الخلافة الإسلامية والحكم وليس البلد، ونحن تهمنا البلدquot;، مشيرا إلى أنه في حال تمت الموافقة على الحوار بين الطرفين ووصل الإخوان لسدة الحكم فإن الأقباط يجب أن يحصلوا على حكم ذاتي قبل كل شيء مستشهدا بذلك على أن الأقباط كانوا قد طلبوا الحماية الدولية وكل العالم يعرف ذلك كون مصر عاجزة عن حمايتهم من القتل وتوفير الأمن والخدمات العامة لهم. قائلا الأقباط: quot;يريدون دولة مدنية ذات أصول مرجعية فمصر ليست كلها إسلامية وهم ليسوا بأقلية وأهلها الأصليون والتاريخ الإسلامي يشهد على ذلكquot;.

مشيراً إلى أن الأقباط كانوا قبل الثورة مع التعديل في الدستور، ولكن ذلك لم يحدث بعد الثورة صوتوا على تغيير الدستور بدستور جديد يتناسب والوضع الحالي، ويحفظ لهم حقوقهم كمواطنين في موطنهم، ولكن أيّا من ذلك لم يحدث.

عمر عفيفي: المرحلة القادمة هي مرحلة المدنية الإسلامية

عمر العفيفي
ويرى عمر عفيفي،الضابط المتقاعد وصاحب كتاب quot;علشان متضربش على قفاكquot; أن التصريح الأميركي حول الحوار مع الأخوان، ما هو إلا محاولة لإجهاض الثورة، قائلا: quot;الدعوة ما هي إلا مناورة أميركية للإيقاع بالإخوان، وهي ليست في صالحهم فهي تهدف إلى تفريغ محتواهم وتقليل شعبيتهم من خلال تصويرهم على أنهم يسعون للحوار مع واشنطن. موجها تحذيرا لهم من مغبة الوقوع في الفخquot;.

مضيفا أن الإخوان المسلمين اليوم أمام خيارين إما البقاء بعيدا عن السلطة والإصرار على ثوابتهم أو الوصول للسلطة وتحقيق المصالح المشتركة والمترابطة، ومنها معاهدة السلام، وهو ما قد يفقدهم مصداقيتهم أمام جماهيرهم. ويعلل عفيفي المتيقن من أن الإخوان لن يتسرعوا في اتخاذ القرار المناسب كونهم تنظيما شبه عسكري بطيئا في اتخاذ القرار، برفضه لهذه الخطوة، لأنها حتى لو تمت فلن تجني ثمارها للطرفين كونها تتطلب تنازلات من طرف على حساب الآخر، وهو ما لن يحدث من قبل الطرفين. مؤكدا أن تصريحات واشنطن بشأن موافقتها للتعامل مع الإخوان المسلمين تأتي من كونها تعي بأن الإخوان جزء مهم في المشهد السياسي المصري.

quot;طرق الفوزquot;

وفي السياق نفسه، يستهجن دكتور العلاج الطبيعي أحمد حسن، وعضو الجمعية الإسلامية الأميركية، الانتقاد والهجوم الذي يتعرض الإخوان منذ مطالبة واشنطن ببدء الحوار مؤكدا أنه من حق الإخوان كباقي الأحزاب المحاورة مع أي كان، والمهم ليس الحوار، وإنما شكل وطريقة الحوار. وهو ما يعني قبول الإخوان للدعوة مستقبلاً فيما لو كانت خطوة جادة.

قائلا: quot;الأصل عند الجماعة هو المحاورة والاستماع إلى الطرف الآخر، فالجماعة بحاجة أن تعرف عن نفسها للآخر، وهي القوة الأكثر تنظيماً والأكثر فاعلية على الساحة المصرية في الوقت الحالي. ومن الممكن وصولهم للحكم فلابد من التواصل ومد الجسور مع الغرب، وليس من مصلحة أحد الإنعزال عن العالم فهذا مرفوض والتيار الإسلامي المعتدل ليس من مبادئه عدم التحاور مع الآخر. فالأصل في الدعوة الإسلامية هي التواصل مع الناس لنقل الخير لهم ولن يتم ذلك من دون محاورةquot;.

ثم يضيف التعامل مع أميركا في الأساس ليس حراما وواجبا مشروعا ولكن كيفية التعامل وشكل الحوار في طرح القضايا المهمة التي تهم الدولة المصرية والصالح العام للشعب وقضايا المنطقة والمصالح المتبادلة هي محور الموضوع والتي على أساسها يجاز أو لا يجاز هذا الحوار.

والجمعية الإسلامية الأميركية، هي مؤسسة مدنية غير ربحية تأسست عام ١٩٩٣، والتي مقرها واشنطن جمعية دعوية تعمل في مجال الدعوة والتعليم غير تنظيمية وأعضاؤها ليسوا أعضاء تنظيميين. تؤمن بفكر ونهج الإخوان المسلمين.

وحول ما إذا كان الإخوان يرغبون في الحوار مع أميركا لضمان عدم اعتراضها لوصولهم إلى كرسي السلطة. يؤكد حسن أنه ليس بيد أميركا وصول الإخوان للحكم من عدمه، المسألة بيد الشعب فقط والإخوان لديهم المقدرة للفوز في الانتخابات والوصول للحكم قائلا: quot;الإخوان لا ينتظرون الموافقة من أميركا أو غيرها وهم لديهم طرقهم للحصول على أصوات الناخبينquot;.

مؤكدا أن جماعة الإخوان المسلمين تعي مفهوم الديمقراطية وتحترم الأقليات الدينية وحقوق المرأة في المجتمع بما لا يختلف مع الشريعة، وحول وضع الإنتخابات البرلمانية إذا ما كانت ستتم قبل، أو بعد وضع الدستور، ويرى حسن أن الفيصل هو صناديق الاقتراع التي جربت من قبل، وأكدت رغبة الناس في عدم تغيير الدستور، ولكن مع التعديل وعلى الجميع قبول ذلك.