لم يكن أنصار حزب المؤتمر التونسي الذي يتزعمه الطبيب منصف المرزوقي يتصورون أنّ الحملة الساخرة التي شنها منذ أشهر شباب على الانترنت وتدعوه إلى تغيير نظاراته الطبيّة السميكة، يمكن أن تدفع بالحزب إلى جعل تلك (النظارات العجيبة) رمزا لقوائم الحزب المقبل على خوض انتخابات المجلس التأسيسي.
صورة مركبة لعدد من انصار حزب المرزوقي وقد اضافوا quot;النظاراتquot; رمز حملة الحزب إلى صورهم الأصليّة |
تونس: لم يكن الآلاف من الشباب التونسيّ الذي اهتمّ بالسياسة وتعقيداتها إلا خلال ثورة يناير 2011، يعرف من هو الدكتور منصف المرزوقي الذي أسّس حزب (المؤتمر من أجل الجمهورية) في 2001، وبقي محروما من الترخيص القانونيّ وظلّ رئيسه منفيا في باريس، وكوادره تعاني التعذيب والسجون في الداخل، حتى هروب زين العابدين بن علي وتحرّر البلاد من الاستبداد.
إطلالات المرزوقي كانت قليلة عبر بعض الفضائيات العربية القليلة أو مواقع الانترنت الإخبارية التي رضيت استضافته، فالرجل لا يهادن حكومة بلده السابقة، ولا أية حكومة عربية أخرى.
عودة المرزوقي إلى تونس واحتضانه باستقبال تاريخيّ من قبل أنصاره وتكرّر خروجه عبر الإعلام الرسميّ والصحف اليومية وعلى مقاطع الفيديو عبر شبكة الانترنت، جعلت كثيرين يهتمون بهذه الشخصية التي لم تهادن بن علي ونظام حكمه حتى آخر يوم من أيام ذلك الحكم.
بالنسبة إلى شباب حديث العهد بالسياسة، لم يكن الاهتمام بشخص المرزوقي يعني الاطلاع على كتبه ومقالاته ودراساته، ونضالاته الطويلة ضمن منظمات حقوق الإنسان التونسية والعربية، ولا حتى معرفة برنامج حزبه الفتيّ الذي يدعو إلى العلمانية.
إذ أنّ كثيرين ركزوا على نظارات منصف المرزوقي الطبية واعتبروها الشغل الشاغل لهم.
كانت البلاد حينها تعيش على وقع الفلتان الأمني والقتل والسرقات والنهب، لكن ذلك لم يمنع مشرفي عدد كبير من الصفحات الفايسبوكية من التهكم على المرزوقي واعتباره quot;غير مؤهلquot; لحكم تونس لأنه يفتقد إلى الكاريزما ولأن نظاراته الطبية quot;تتطلب التغيير فوراquot;.
حتى في أحلك المواقف خلال الثورة لم يتوقف الشباب التونسي المعروف بروح الدعابة عن التهكم، على بن علي وزوجته، على المؤسسة الأمنية وسطوتها، وعلى الأحزاب والمعارضين والوزراء والمسؤولين.
روح الدعابة والسخرية والتهكم على الشخصيات والأحداث، بموجب أو من دون موجب... سياسة تعرف محليا باسم (التنبير).
وسياسة (التنبير) دفعت بكثيرين إلى إنشاء صفحات لا همّ لها إلا الخوض في أم القضايا... نظارات الدكتور منصف المرزوقي.
quot;نطلب من فرنسا مساعدات مالية عاجلة من أجل تغيير نظارات المرزوقيquot; وquot;نعم للمنصف المرزوقي شريطة أن يتخلى نهائياً عن نظاراته الكبيرةquot; وquot;أنا بومرايات (أبو نظارات) ومنصف المرزوقي لا يمثلنيquot; ... تلك عينة من عناوين مجموعات فايسبوكية أطلقها تونسيون للتهكم على نظارات منصف المرزوقي quot;الضخمة والعجيبةquot;.
وتساءل عدد من مشرفي تلك الصفحات وزوارها ndash; وبعضها تمكن من جمع الآلاف من المعجبين- عن سرّ تمسك الناشط السياسي المشهور بتلك النظارة القديمة وغير الجميلة، رغم انه مؤهل للترشح لمنصب رئاسة الجمهورية ذات يوم، كما صرح هو بنفسه.
من هو المنصف المرزوقي؟
النظارات التي تهكم عليها كثيرون لها مكانة خاصة عند المرزوقي |
ولد المرزوقي في 1945، ويعتبر مفكرا وسياسيا، ورئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، يحمل شهادة الدكتوراه في الطب، ويكتب في الحقوق والسياسة والفكر.
عائلته تنحدر من الجنوب التونسي، أما والده فهو محمد البدوي المرزوقي ووالدته عزيزة بن كريم، له أربعة أشقاء وسبع أخوات. نشأ في تونس والتحق من 1957 عام حتى 1961 بالمدرسة الصادقية في العاصمة تونس.
غادر تونس للالتحاق بوالده سنة1961، وعاش مع عائلته في مدينة طنجة المغربيّة حتى عام 1964، حيث سافر إلى فرنسا وتزوج هناك، فأنجب مريم ونادية، وأقام في فرنسا 15 سنة.
في عام 1970 شارك المرزوقي في مسابقة عالمية للشبان بمناسبة مئوية المهاتما غاندي لتقديم نص عن حياة الرجل وفكره، فازت مشاركة منصف ليحل ضيفاً على الحكومة الهندية لمدة شهر وليتجول فيها من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.
في سنة 1975 سافر إلى الصين ضمن وفد لمعاينة تجربة الطب في خدمة الشعب في الصين.
عاد المرزوقي إلى تونس عام 1979 رغم إلحاح أقربائه على بقائه في فرنسا، وعمل أستاذاً مساعداً في قسم الأعصاب في جامعة تونس. شارك في تجربة الطب الشعبي الجماعي في تونس قبل وقف المشروع.
واعتقل في مارس/آذار 1994 ثم أطلق بعد أربعة أشهر من الاعتقال في زنزانة انفرادية، وقد أفرج عنه على خلفية حملة دولية وتدخل شخصيّ من نيلسون مانديلا.
وأسس مع ثلة من رفاقه المجلس الوطني للحريات في 10 كانون الأول/ديسمبر من عام 1997 بمناسبة الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وقد اختير أول رئيس للجنة العربية لحقوق الإنسان من عام 1997 حتى 2000.
ثم غادر إلى المنفى في ديسمبر/كانون الأول 2001 ليعمل محاضراً في جامعة باريس. حيث بقي هناك حتى أعلن عن عزمه العودة من دون أخذ الإذن من السلطات التونسية.
عرف بدعواته الشهيرة لـquot;العصيان المدنيquot; لإزاحة حكم بن علي، وعاد إلى وطنه يوم 18 يناير 2011، أي بعد 4 أيام من هروب زين العابدين.
ما هي قصة نظاراته الطبية؟
عدد كبير من المدونين التقى منصف المرزوقي خلال الأشهر الماضية، ورغم خوض كثيرين في السياسة والأحداث الآنية التي تشهدها تونس بعد 14 يناير، إلا أنّ معظمهم لم يفوّت الفرصة وسأل المرزوقي عن quot;حكايةquot; تشبثه بتلك النظارات رغم النقد والتهكم.
لم يقف الأمر عند المدونين، بل إنّ إحدى الفضائيات الخاصة سألته السؤال ذاته عندما حلّ ضيفا عليها.
كان رئيس حزب المؤتمر الذي يحظى باحترام واسع بين التونسيين، ولحزبه حظوظ فوز واسعة خلال الانتخابات المرتقبة للمجلس التأسيسيّ، يردّ على الاستفسارات الخبيثة بابتسامة عريضة ودون غضب.
تبين من خلال ما نشر وصرح به المرزوقي، أن quot;نظاراتهquot; عزيزة عليه ولا يمكنه التخلي عنها بسهولة، فهي عبارة عن quot;هديةquot; من ابنته التي زارت الهند ذات مرة.
يقول المرزوقي إن طبيبا في فرنسا أوصاه بتغيير نظاراته قبل سنوات، لكنه quot;لا يملك ثمن نظارة جديدةquot; لأنه كان يشتغل في مستشفى للفقراء حينها ولم يكن يملك المال الكافي.
لكن ابنته اقتنت له هذه quot;النظاراتquot; المثيرة للجدل من الهند ظل متمسكا بها حتى عاد إلى تونس.
quot;النظاراتquot;... رمز لحملة الحزب للتأسيسي
الثلاثاء الماضي، أعلن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية بزعامة المرزوقي، في قرار quot;مفاجئquot; وطريف، اختياره رسميا quot;النظاراتquot; التي أثارت التهكم والجدل لتكون رمزا للحزب، إذ ستقع طباعة صورة النظارة على كافة القوائم الانتخابية التابعة لهذا الحزب.
وقال الحزب على صفحته الرسمية على شبكة فايسبوك:quot; المؤتمر من أجل الجمهورية اختار رسميا النظارات كرمز الحزب الذي ستقع طباعته على كافة القوائم الانتخابية..الرموز وسيلة تستعمل في الانتخابات في عديد البلدان ذات معدلات الأمية المرتفعة نسبيا لتمكين العاجزين عن القراءة من حق الانتخاب بكل حرية وشفافيةquot;.
وعلى الفور، عمد عدد كبير من أنصار الحزب ومنخرطيه إلى تغيير صورهم على فايسبوك ومدوناتهم ليضيفوا إليها quot;نظاراتquot; تحمل اللونين الأحمر والأخضر اللذين يميزان الحزب.
المزيد على إيلاف استقبال تاريخيّ للسياسي العائد من منفاه منصف المرزوقي السياسيّ منصف المرزوقي: سأعود إلى تونس الثلاثاء المقبل |
يقول شكري اليحياوي عضو حزب المؤتمر وأحد المشرفين على صفحات تابعة له على فايسبوك لـ(إيلاف): اعتبر فكرة اختيار شعار الحزب للانتخابات على شكل نظارات فكرة صائبة، فمن الأشياء التي عرف بها الدكتور المرزوقي هي تغييره لنظاراته، ويبين هذا الشعار أن الدكتور منفتح على مقترحات الشباب ويقبلها دون غضب أو تململ عكس سياسيين آخرين لا يتقبلون رأي الشباب وإن بدا ساخراquot;.
أما الطالب أسامة، وهو من أنصار quot;المؤتمرquot; فيقول لـ(إيلاف): المرايات (النظارات) أحدثت رجّة إعلاميّة كبيرة على فايسبوك والإنترنت عامّة، نظرا لطرافة الفكرة وخروجها عن الشّكل الرّسمي الجدّي السّائد، وقد لاقت استحسانا من شباب المؤتمر حيث رأى البعض أنّ الحزب استطاع أن يُحقّق دعاية مهمّة من خلال فكرة وهذا دليل على أنّ المال ليس كلّ شيء في الأحزابquot;.
ويضيف أسامة: quot;الفكرة وإن استغلّت نظّارات المرزوقي إلاّ أنّها لا تعني شخصنة للحزب كما فهم البعض أي أنّ النّظارات نسبة لشخص المرزوقي، بل تعني رؤية أفضل للمستقبل و شفافيّة في التّعامل، هذا هو المغزى من اعتماد النّظارات كرمز للحزب على قوائمه للانتخابات، حزب المؤتمر في بعض الأحيان يعتمد على الرّوح الرّياضية التي لا تجدها في بعض الأحزاب ليكسب نقاطا انتخابيّةquot;.
التعليقات