تظاهرة مناوئة للنظام السوري في حمص

فيما يتداول زعماء العالم في ما ينبغي عمله بشأن الأزمة السورية فان مراقبين يرون أن مبعث الكثير من ترددهم في اتخاذ اجراء حازم هو ما إذا كان هناك بديل ذو مصداقية بعد ما يربو على 40 عاماً من حكم الأسد. وظهر المجلس الوطني السوري ليصبح صوت المعارضة الرئيسي في الخارج.

في غضون ذلك، تتنامي صفوف الجيش السوري الحر بانضمام آلاف من المنشقين الهاربين من جيش النظام، ومقاتلو الجيش الحر هم الذين يخوضون مواجهات يومية على الأرض مع قوات الرئيس بشار الأسد. ويتساءل كثيرون عن موقع الجيش السوري الحر في المعارضة ودوره في تقريب نهاية النظام.

وحاول مراسل صحيفة كريستيان مونتر أن يعثر على اجابة عن هذا التساؤل بلقاء سري مع احد قادة الجيش الحر في بيت آمن بارد ومعتم على الحدود اللبنانية السورية حيث انتظر المراسل قبل أن يدخل الضابط احمد العربي وبيده كلاشنكوف.

واحمد العربي ضابط سوري منشق في الخمسين من العمر، قوي البنيان ليس ملتحيا، بل يرتسم على وجهه شارب سوري تقليدي وابتسامة ساحرة على حد تعبير مراسل كريستيان ياينس مونتر.
ويحمل العربي مع سلاحه هاتفا خلويا يستخدمه للاتصال بجنوده في الميدان. كما يقوم الهاتف بدور الكاميرا لأخذ صور مع صحفية يهربها العربي عبر الحدود دونما حرج. فان العربي لا يبدو متدينا يتحفظ من الجلوس بجانب امرأة اجنبية لالتقاط صورة معها.

تُسمى المجموعة التي يقودها العربي quot;فجر الحريةquot; وتمتد دائرة عملياتها من جبال شمال لبنان إلى اطراف مدينة حمص المحاصرة على بعد نحو 20 كلم. ومهمتها الرئيسية هي حماية المنشقين الجرحى واللاجئين الذين يهربون الى شمال لبنان. كما تتولى المجموعة إيصال الامدادات الانسانية إلى حمص وتقديم تسهيلات للصحفيين الأجانب الذين يغطون الانتفاضة السورية.

وتصدر الأوامر التي يتلقاها جنود العربي العاملون داخل سوريا من قيادة الثورة في جنوب تركيا. ورغم الأنباء التي تتوارد عن استمرار الانشقاقات من صفوف الجيش السوري ثم استهداف قواته فان العربي يؤكد أن الجميع يخضعون لقيادة موحدة. وقال في حديثه quot;إن وحداتنا تستخدم أسلوب الكر والفر، لكن ليس هناك عناصر مارقة بينناquot;.

ويتولى الجيش السوري الحر حماية أبو محمد وزوجته اللذين مشيا مئات الكيلومترات من مدينة درعا جنوبي سوريا للوصول إلى الأمان الذي توفره جبال شمال لبنان. وكانت السلطات تلاحق أبو محمد لمشاركته في احتجاج ضد النظام في درعا التي انطلقت منها شرارة الانتفاضة.
وبعدما اخفقت قوات النظام في القبض على أبو محمد قامت بتعذيب أبنه البالغ من العمر 3 سنوات ثم قتله. وأُعيدت جثته باصابع مقطوعة وعدة رصاصات في صدره الذي توقف عن الحياة. وفيما كان الوالد المفجوع يروي حكاية أبنه كانت زوجته تهدهد رضيعاً ضعيفًا ولدته خديجا خلال هروبهما.

وعلى النقيض من دعاوى النظام فان الدعم الذي يلقاه الجيش السوري الحر من الخارج ما زال ضئيلاً لا يستحق الذكر. وتعتمد الأعداد المتزايدة من العسكريين المنشقين على ما يستطيعون أن يضعوا ايديهم عليه من ثكنات الجيش.

ويقول مراسل كريستيان ساينس مونتر إن المنشقين الذين رآهم لا يحملون إلا البنادق ومخازن الرصاص التي هربوا بها من الجيش ويستخدمونها في عملياتهم ضد قوات النظام. وتردد أن قادة عسكريين ليبيين ممن شاركوا في اسقاط نظام العقيد معمر القذافي بدعم من حلف الأطلسي، وحدهم الذين يقدمون بعض العون للمنتفضين السوريين.

وما زالت لدى الزعماء الغربيين والاتراك والعرب توجسات بشأن دعم الجيش السوري الحر بينها تفادي المواجهة العسكرية المباشرة مع النظام السوري الذي يمتلك ترسانة كبيرة من الاسلحة الكيمياوية ومئات الصواريخ البالستية وسجلاً من العنف السياسي. ولكن ثمن تردد الخارج يتعاظم مع انزلاق سوريا إلى حرب اهلية يشعلها النظام نفسه بتداعيات على الدول المجاورة مثل لبنان والعراق.

وإذ تتصاعد اعمال العنف والعنف المضاد فان إبقاء الانتفاضة السورية سلمية لم يعد خيارا مطروحا، بحسب صحيفة كريستيان ساينس مونتر التي تضيف أن المجتمع الدولي يحتاج إلى استراتيجية واضحة لتسريع وتيرة الانتقال في سوريا وان الجيش السوري الحر رقم حاسم لا يُنكر دوره في هذه المعادلة.

ويرى القائد العسكري في الجيش السوري الحر احمد العربي أن اقامة منطقة حظر جوي يفرضها المجتمع الدولي أو ممر انساني على الحدود التركية السورية مطالب اساسية.

وان مثل هذا السيناريو سيوفر غطاء لآلاف الجنود داخل سوريا لا يستطيعون الانشقاق حالياً. كما سيمنح المدنيين حماية اكبر وبتسريع رحيل النظام فان مثل هذا الاجراء سيجنب سوريا الانزلاق إلى حرب اهلية.

ورغم المصاعب الكبيرة فان الثوار واللاجئين على السواء واثقون بأن حكم الأسد يقترب من نهايته بعد أكثر من 40 عاماً. وهم يصرون على أن هذه النهاية quot;مجرد مسألة وقتquot;. ولكن السؤال هو بأي ثمن؟

عندما نهض العربي ليغادر بعد انتهاء اللقاء التقط كلاشنكوفه وقطع على نفسه عهدًا لمراسل صحيفة كريستيان ساينس مونتر بقوله quot;إذا جاءوا [الغرب] لمساعدتنا سأسمي ابني جوبيهquot; من باب الامتنان لوزير الخارجية الفرنسي الذي تصدر المطالب الداعية إلى التدخل الانساني. ثم اختفى العربي في الروابي الباردة المعتمة من حيث أتى ليحاول العبور إلى حمص صباح اليوم التالي.