المصريون يحيون الذكرى الأولى لثورتهم

بعد سنة على انطلاق الثورة المصرية، التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك، نزلت جموع غفيرة الأربعاء إلى ميدان التحرير في وسط القاهرة لتصدح الحناجر مجددًا بشعار quot;إرحلquot;، لكنه هذه المرة موجّه إلى المجلس العسكري، الذي تسلم السلطة في البلاد بعد تنحّي مبارك.


القاهرة: منذ ساعات الصباح الباكر تدفق المتظاهرون إلى ميدان التحرير، الذي شهد في الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير 2011 اولى التظاهرات الحاشدة ضد مبارك، التي تحولت الى اعتصام دائم لم ينفك إلا بعد رحيل الرئيس.

تصرخ الممثلة تيسير فهمي والعضو في حزب المساواة والتنمية اليساري، الذي نشأ بعد الثورة، quot;البعض يعتقد أن الثورة انتهت، لأن مبارك أصبح وراء القضبان، إنهم مخطئونquot;.

وإذا كان أنصار الإخوان المسلمين حضروا للاحتفال بهذه الثورة، خصوصًا وأنهم كانوا اكبر المستفيدين منها مع النجاح الكبير في الانتخابات التشريعية، الذي جعلهم أكبر قوة في البرلمان الجديد، فإن الكثير من المجموعات الأخرى، ومن بينها الحركات المطالبة بالديموقراطية، التي كانت وراء هذه الانتفاضة، حرصت على التشديد على أنها انما حضرت إلى الميدان لاستكمال الثورة، وليس للاحتفال بنجاحها، لأنها بنظرهم لن تكتمل إلا بسقوط حكم العسكر.

ودخل شبان يحملون علمًا مصريًا عملاقًا، بلغ طوله نحو مئة متر، إلى الميدان، وهم يصيحون quot;يسقط يسقط حكم العسكرquot; وينشدون النشيد الوطني.

من جهتها قالت جيجي ابراهيم، التي وصلت في إطار تظاهرة انطلقت من الجيزة إلى ميدان التحرير quot;نحن لسنا هنا للاحتفال بالثورة، بل للإصرار على تحقيق مطالبنا، التي لم تتغير منذ اليوم الأول للثورة: لقمة العيش الكريمة، الحرية، العدالة الاجتماعيةquot;.

وكانت الانتخابات التشريعية الأخيرة، الأولى ما بعد سقوط مبارك، أنتجت مجلسًا إسلاميًا، مع سيطرة الإخوان والسلفيين على 75% من مقاعده، في حين لم تحصل الأحزاب والجمعيات الليبرالية، وخصوصًا تلك التي أطلقت شرارة الثورة في العام الماضي، سوى على نزر يسير من المقاعد.

ويؤكد هؤلاء الناشطون أن المجلس العسكري بقيادة المشير طنطاوي، الذي تسلم كامل السلطات التنفيذية في البلاد، ليس سوى امتداد لنظام مبارك.
وتتابع جيجي إبراهيم quot;ان البلد اليوم تحت سلطة جنرالات مبارك، انهم يقتلون الثوار ويدمّرون الثورةquot;.

ولا تزال بعض أقسام ميدان التحرير تحمل آثار المواجهات العنيفة، التي وقعت في العام الماضي بين قوات الأمن والمتظاهرين، واوقعت عشرات القتلى. وعلى طرف الميدان يبدو مبنى المجمع العلمي مهجورًا، بعدما أتت النيران عليه في كانون الأول/ديسمبر الماضي، كما لا تزال بعض الشوارع المتفرعة من الميدان مغلقة بحواجز ضخمة لحماية الأبنية الحكومية في المكان.

أما في وسط الميدان فلا تزال بعض الخيم قائمة، وهي متواضعة في عددها مقارنة بغابة الخيم، التي نصبت خلال كانون الثاني/يناير الماضي قبيل سقوط مبارك.

وفي محاولة لاستيعاب النقمة على العسكر، أعلن المشير طنطاوي عن إنهاء العمل بحالة الطوارئ في البلاد اعتبارًا من الأربعاء، وهو الأمر الذي كان من أهم مطالب الثوار في العام الماضي، بسبب ارتباط تطبيق هذا الإجراء بحملات القمع، التي استهدفت الحريات بشكل أساسي، وخصوصًا حرية التظاهر. إلا أن هذا الإجراء قوبل بالتشكيك من قبل المنظمات الشبابية الليبرالية بشكل خاص.

وقالت قوات الأمن إنها على أهبة الاستعداد في حال حدوث quot;محاولة تخريبquot;، في حين أكدت وزارة الداخلية أنه لن يكون هناك أي حضور أمني داخل التجمع. ودعت منظمة العفو الدولية الثلاثاء الحكم العسكري في مصر إلى حماية المتظاهرين، وتأكيد حقهم في التظاهر السلمي.

وقرر مجلس الشعب مساء أمس تشكيل لجنة تقصي حقائق لقتلى ومصابي الثورة، وشهد شارع (رمسيس) أمام دار القضاء العالي في وسط القاهرة مسيرة حاشدة تضم مئات المتظاهرين، مرددين هتافات ضد المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

واتخذت وزارة الصحة إجراءات عدةتحسبًا لأية إصابات للمتظاهرين، ورصدت عددًا كبيرًا من سيارات الإسعاف لنقل أية حالات طارئة إلى المستشفيات القريبة. كما اتخذت إجراءات أمنية عدةحول مبنى quot;ماسبيروquot; والأماكن الحيوية في القاهرة والمحافظات الأخرى.

وتاريخ 25 كانون الثاني/يناير الرمزي، الذي كان سابقًا quot;يوم (عيد) الشرطةquot;، أصبح quot;يوم الثورةquot;، وأعلن يوم عطلة تخليدًا للتظاهرات، التي أدت إلى إسقاط مبارك في 11 شباط/فبراير.

ودعت الحركات الشبابية، التي أطلقت الثورة، إلى تظاهرات حاشدة الأربعاء، للمطالبة بتبكير موعد الانتخابات الرئاسية، لتجري في نيسان/إبريل المقبل، حتى يتنحّى المجلس العسكري، الذي يتهمونه بأنه استمرار لنظام مبارك، قبل البدء في إعداد دستور جديد للبلاد.

وتقضي خارطة الطريق، التي وضعها المجلس العسكري، والتي تؤيّدها جماعة الإخوان المسلمين، بأن يجتمع مجلسا الشعب والشورى لاختيار جمعية تأسيسية من 100 عضو لإعداد دستور جديد للبلاد، فور انتهاء انتخابات مجلس الشورى في نهاية شباط/فبراير المقبل، على أن تجري انتخابات الرئاسة في حزيران/يونيو المقبل.

وقال جو ستورك نائب مدير منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الانسان لشؤون الشرق الاوسط ان quot;الخامس والعشرين من يناير هو الذكرى الاولى لليوم الذي هب فيه المصريون معا مطالبين بوضع حد لانتهاكات الشرطة وحالة الطوارئquot;. واضاف quot;من المهين للمطالبين بالعودة الى سيادة القانون اختلاق الذرائع للابقاء على حالة الطوارئ هذه التي اسيء استخدامها لسنين طويلةquot;.

وأعلنت الحركات الشبابية، التي وحدت منذ بضعة أيام مواقفها وأصبحت تنشر بيانات ومواقف مشتركة على صفحاتها على فايسبوك، عن تظاهرات تنطلق من معظم أحياء القاهرة ظهر الأربعاء، لتتجمع عصرًا في ميدان التحرير.

وفي بيان بعنوان quot;مطلب واحدquot;، نشرته على صفحتها على فايسبوك بعد ظهر الثلاثاء، قالت الحركات الشبابية، ومن بينها 6 إبريل وائتلاف شباب الثورة، quot;غدًا كلنا سننزل إلى التحرير، لا نطالب بسقوط الجيش، ولا نريد أن نهدم مصر، مؤمنين بأن الثورة سلمية، ورافضين أي اعتداء على أي أرواح أو ممتلكات خاصة أو عامةquot;.

وأضاف البيان quot;غدًا نريد أن نطالب بسقوط حكم العسكر ديموقراطيًا، بتنحّي الجيش المصري للمرة الأولىمنذ ستين سنة عن الحياة السياسية في مصر، وتركها للشعب، ليحدد مصيره عن طريق انتخابات، وبدون أية امتيازات خاصة، وتخلي المؤسسة العسكرية عن السلطة، والتي نحترمها لدورها التاريخي في الدفاع عن أراضي مصرquot;. وتابع البيان quot;غدًا سننزل للمطالبة بانتخاب الرئيس في إبريل (نيسان) وقبل كتابة الدستورquot;.

أما المجلس العسكري فقرر وضع برنامج احتفالات كبير، يتضمن عروضًا بحرية في الإسكندرية وعروضًا جوية في القاهرة ومعظم المحافظات، إضافة إلى فتح المتاحف العسكرية مجانًا أمام الجمهور، وحفل فني كبير سيقام الأحد في أحد نوادي القوات المسلحة في العاصمة المصرية.

وقررت وزارة المالية إصدار عملات فضية خاصة بمناسبة ذكرى الثورة، كما أعلن الجيش أنه سيتم تعيين مصابي الثورة في وظائف حكومية.

وأعلن رئيس المجلس العسكري إنهاء حالة الطوارئ quot;باستثناء حالات البلطجةquot; في خطاب مفاجئ، وجّهه إلى المصريين عشية الذكرى الأولى للثورة التي أطاحت نظام حسني مبارك، والتي تريد الحركات الشبابية الاحتجاجية أن تجعل منها انطلاقة جديدة لاستكمال أهداف الثورة.

وقال طنطاوي في خطاب أذاعه التلفزيون الرسمي المصري quot;اليوم بعدما قال الشعب كلمته، واختارquot; نوابه في مجلس الشعب، quot;فقد اتخذت قرارًا بإنهاء حالة الطوارئ في البلاد، باستثناء حالات البلطجة، اعتبارًا من صباح غد الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني)quot;.

واعتبر حقوقيون مصريون على الفور أن هذا الاستثناء يفرغ القرار من معناه. وقال مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت لفرانس برس إن quot;ليس هناك أي جريمة يطلق عليها بلطجة في القانون المصري، وبالتالي فإن هذا الاستثناء يسمح للشرطة بأن تعتقل أي شخص بدعوى أنه بلطجيquot;.

وتسري حالة الطوارئ في مصر منذ أكثر من ثلاثين عامًا، إذ فرضت فور اغتيال الرئيس المصري السابق أنور السادات في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1981.

غير ان منظمة العفو الدولية قالت الثلاثاء ان على الحكم العسكري مسؤولية حماية المتظاهرين وعلى قوات الامن التصرف بمسؤولية لضمان تمكين الجميع من ممارسة حقهم في التعبير والتظاهر السلمي، بحسب نائبة مدير المنظمة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حسيبة حاج صحراوي.

اما الرئيس السابق مبارك فسوف يمضي اليوم في سريره في احدى مستشفيات القاهرة، حيث يخضع للحبس الاحتياطي في اطار محاكمته بتهمة قتل المتظاهرين خلال الانتفاضة. وفي حال ادانته قد يواجه الرئيس المخلوع الذي حكم البلاد لثلاثين عاما، حكم الاعدام.