اللبنانيون واثقون منذ البداية من أن قضية الأدوية الفاسدة التي افتضح أمرها منذ أيام لن تصل إلى خواتيمها القانونية والعقابية، وازدادوا ثقة بعدما ثبت تورّط شقيق وزير لحزب الله في الحكومة، بالرغم من أن المسؤولين يشدّدون على أن لا تهاون مع أحد.
لوانا خوري من بيروت: لبنان بلد السياحة والجمال.. والفضائح المستمرة. هذا الوصف انتشر كثيرًا منذ يومين على مواقع التواصل الاجتماعي، تدليلًا على تصاعد فضيحة الأدوية المزوّرة والفاسدة المنتشرة في السوق اللبنانية.
فمع توسع التحقيقات في تفاصيل هذه المسألة، وتزامنًا مع انتشار أخبار عن تورّط شقيق وزير حالي، أصدرت النيابة العامة اللبنانية اليوم الثلاثاء بلاغ بحث وتحرِّ بحق عبد اللطيف فنيش، شقيـق الوزير محمد فنيش، وهو أحد وزراء حزب الله في الحكومة اللبنانية، بعد اتهامه بالتورّط في قضية الأدوية المزورة.
وكان الوزير فنيش أصدر بيانًا صحافيًا عقب تواتر المعلومات عن تورّط شقيقه في تزوير شهادات التحليل المخبرية الخاصة بالأدوية الفاسدة، وتزوير توقيع الوزير في ما يتعلق ببعض أصناف الأدوية الطبية، أكد فيه أن الأمر quot;منوط بالإدارة المعنية والقضاء، لاتخاذ كل التدابير الإدارية والقضائية في حال ثبوت التهمة، وإنني لم أغطّ ولن أغطّي ولا أغطي أيًا من يثبت تورّطه في هذا الأمرquot;.
لم تغلق بعد
تقول معلومات متواترة عن القضية إن الأدوية المزوّرة دخلت لبنان في أواخر شهر آب (أغسطس) الماضي، لكن أمرها لم ينكشف إلا في أواخر تشرين الأول (أكتوبر)، أي إنها بيعت في الصيدليات، وتناولها المرضى لمدة شهرين قبل افتضاحها.
أما الشركات المتورّطة فثلاث، هي New All Pharma وCityPharm وInternational Pharma Group، غير مسجلة في جداول نقابة مستوردي الأدوية، تستورد أدوية مزوّرة، يباع ثلاثة منها في الصيدليات، بينما توزّع البقية في المستشفيات والمستوصفات.
أحد هذه الأدوية موصوف لحماية المعدة، مصنوع في مختبر في المملكة المتحدة بحسب إحدى شركات الاستيراد، لكن هذا المختبر موجود في الحقيقة في الهند.
بحسب تقارير صحافية، لا تزال شركات الأدوية هذه، ومقارها في حارة حريك والغبيري والحازمية، في مأمن من الإغلاق حتى انتهاء التحقيقات. ويتخوف البعض من تهريب الأدوية المزوّرة، وتخزينها بعيدًا عن متناول التحقيق، ليعاد توزيعها ثانية بعد مرور الزمن ونسيان المسألة، خصوصًا أن من بين المتورّطين شقيق وزير.
لا تهاون مع أحد
صحة هذا الاتهام تخيف المواطنين أكثر مما تطمئنهم، إذ يشيع بينهم إحساس بأن القضية ستوضع عميقًا في الأدراج، وستخفى الحقيقة... كيف لا والمتهم فيها شقيق وزير عضو في حزب أكثري يمسك بزمام البلاد؟.
لم تجدِ تطمينات شكيب قرطباوي، وزير العدل، صدى حين أكد في مؤتمر صحافي مشترك مع علي حسن خليل، وزير الصحة، أن لا شيء يخبأ في الدرج، وأن quot;لا قضية تنام عليها وزارة العدل أو وزارة الصحةquot;، عارضًا ملف التحقيقات في القضية، والذي يتضمن عشرات الصفحات.
وشدد قرطباوي على أن quot;لا تهاون مع أحد، ولا تغطية لأحد في قضية الدواء المزور، والتحقيق سيأخذ مجراه حتى النهاية، ولن يكون هناك تأخير، بل ستظهر النتائج، وستتم المحاكماتquot;.
وكشف قرطباوي أن وزارة الصحة طلبت تحرك القضاء، quot;وكذلك إدّعت جامعة بيروت العربية عندما وجدت تحاليل غير صحيحة منسوبة إليها، وذلك في 12 تشرين الأول (أكتوبر) 2012، ولم يكن القاضي حاتم ماضي قد تسلم مهامه حينئذ، ومع تسلمه منصبه، ومع ملاحظته تشعبات القضية، قرر أن يتولى شخصيًا مراقبة التحقيقquot;.
سُحبت!
أما خليل، فأكد أن وزارة الصحة لم تتوان على الإطلاق عن إحالة هذه القضية على المراجع القضائية المختصة لحظة اكتشافها التزوير. وأكد خليل أن هذه القضية ليست سياسية، ولا موجّهة ضد أحد أو لخدمة أحد، محذرًا من مغبة خلط الأمور بعضها بالبعض الآخر، ومن تحويل هذه القضية الحساسة للرأي العام إلى قضية تجاذب سياسي.
وأشار خليل إلى أن القرار متخذ بالوصول في التحقيقات إلى خواتيمها، بصرف النظر عن المتورطين فيها، مؤكدًا أن محاضر تفتيش وقعت مع عدد كبير من المستودعات والصيادلة، quot;وعمّم الأمر على نقابة الصيادلة ونقابة المستوردين، وتم جمع الكميات المزورة بنسبة عالية جدًاquot;، مطمئنًا اللبنانيين إلى أن لا مشكلة صحية في البلد، وأن صحة المواطنين ليست في خطر، وأن 99 بالمئة من الأدوية الفاسدة سحبت من الأسواق.
توزّع بالحبة
يردّ النائب السابق الدكتور إسماعيل سكرية على طمأنة خليل قائلًا: quot;للأسف، تسرّب معظم هذه الأدوية إلى المستوصفات والمستشفيات حيث توزّع بالحبّة، وهنا لا يمكن سحبها أو ضبطهاquot;.
أضاف في حديث صحافي: quot;من بين الأدوية المزورة مسكنات وأدوية ضغط وشرايين وأدوية للسكري، وقد لا تظهر الأعراض بشكل مباشر، بل يمكن أن تظهر بالتراكم، أي مع السنين، فقد أدخلت هذه الأدوية احتيالًا، في ظروف تخزينية غير صحية، ما يؤثر على فعاليتها ولو كانت جيدةquot;.
كما كشف سكرية أن الشركات المتورّطة في القضية معروفة، وأصحابها معروفون، متخوفًا من تمرير المسألة في صفقة إدارية تجارية سياسية على حساب صحة المواطن اللبناني.
تمسّ كل مواطن
إنها جريمة موصوفة، وعلى القضاء التحرك. هذا الكلام للنائب عاطف مجدلاني، رئيس لجنة الصحة النيابية، الذي استهجن في حديث للإعلام التقاعس عن إقفال مستودعات ومكاتب الشركات المتورّطة بالشمع الأحمر وملاحقة كل من له يد في المسألة.
وتساءل مجدلاني: quot;هل يمكن أن يغيب التورّط من داخل وزارة الصحة في ملف بهذا الحجم، فيه أكثر من مئة دواء، زوّرت ملفاتها؟quot;.
قال: quot;سنلاحق هذا الموضوع حتى النهاية، وهذا ليس كلامًا سياسيًا، بالرغم من ثبوت تورّط المسؤول عن قطاع الدواء في حزب الله، شقيق الوزير محمد فنيش، في هذه الفضيحةquot;.
وشدد مجدلاني على عدم اتهام حزب الله في هذه المسألة، ودعاه إلى اتخاذ موقف واضح من المتورّطين إن كان غير مسؤول كحزب عن التزوير الحاصل.
مثله مثل أي مواطن لبناني، يخشى مجدلاني التعمية على هذا الملف كما حصل في ملفات وفضائح سابقة. قال: quot;أرجو من النواب إبعاد القضية عن السياسية، وتحرك القضاء بتجرد ونزاهة لمعاقبة المتورطين أيًا يكن انتماؤهم، لأن هذا التزوير يمسّ كل لبناني، أكان مناصرًا لقوى 8 آذار أو قوى 14 آذار، فالأدوية المزوّرة منتشرة في المسشفيات، وهذا أمر خطرquot;.
هل نثق بالحكومة؟
من جانبه، دعا محمد شقير، رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان، إلى إعلان حالة طوارئ غذائية وصحية، quot;قبل أن نصبح جميعًا في غرف الطوارئ للمعالجةquot;.
وشدد شقير في حديث صحافي على ضرورة رؤية quot;الفاسدين وراء القضبان، وأن يُرفع الغطاء عن أي طرف يغطّي فاسدًا أو تاجرًا أو متخاذلًاquot;.
أضاف: quot;سنحسن الظن ونقول إن الكثير من مشاكلنا الاقتصادية والسياسية خارجة عن إرادتنا، لكن أن يصل الحد بالبعض إلى أن يتاجر بصحة المواطن عبر استيراد أدوية فاسدة، فهذه قمة الانحطاط الأخلاقي ودليل على أن الفساد في لبنان أصبح أمرًا طبيعيًا وجزءًا من حياتنا اليومية، وهذا غير مقبول بأية حال من الأحوال وفي أي وقت من الأوقاتquot;.
وذكّر شقير بفضيحة الأغذية الفاسدة التي فاحت رائحتها أخيرًا، quot;وسمعنا تصريحات نارية، وتوعدت الدولة بمحاسبة المجرمين، ووعدت باتخاذ إجراءات لتعزيز الأمن الغذائي، لكن الوعود غير المنفذة تحولت تخاذلًا من قبل الحكومة، ما فسح المجال أمام مجموعة من تجار الفساد بأن يقوموا باستيراد أدوية فاسدة، ويهددوا صحة أطفالنا وعائلاتناquot;.
وصبّ شقير جام غضبه على الحكومة، متسائلًا: quot;هل نثق مجددًا بوعود الحكومة؟، كيف يمكن أن نلدغ من المسؤولين مرتين، ونبقى مؤمنين بقدرة هذه الحكومة على معالجة مشاكل المواطن وحماية المجتمع من تجار الفساد؟quot;.
التعليقات