ظلت الجزائر في ذيل القائمة السنوية التي تصدرها منظمة الشفافية الدولية بخصوص الدول التي تعاني آفة الفساد المالي والإداري. ويتفق خبراء ومعنيون، تحدثوا مع (إيلاف)، مع حكومة بلدهم حول ضرورة ردع الفاسدين وعرضهم على القضاء علاوة على تعديل القوانين للتصدي لهذه الظاهرة التي تعرقل التنمية.
بودهان ياسين من الجزائر: صنفت منظمة الشفافية الدولية في تقريرها الصادر مؤخرًا الجزائر في المرتبة 105 في مؤشر الدول الأكثر فسادًا في العالم.
ومنحت المنظمة الدولية الجزائر 34 نقطة من أصل 100، بينما حازت فنلندا التي صنفت على قائمة الدول الأقل فسادًا على 90 نقطة، وحسب حديث مجموعة من الخبراء والسياسيين، فإن هذا التصنيف متوقع بسبب غياب الارادة لدى الحكومة لمكافحة هذه الظاهرة التي تهدد الأمن القومي.
تكلفة باهظة
قالت رئيسة مجلس إدارة منظمة الشفافية الدولية هوغيت لابيل إنه ''لا بد للحكومات من تضمين إجراءات مكافحة الفساد عند صنع القرارات العامة. وهناك أولويات في هذا المقام، من بينها صياغة قواعد أفضل بخصوص الحشد والتمويل السياسي، والتزام المزيد من الشفافية حيال الإنفاق العام والعقود العامة، وتوسيع نطاق مساءلة الهيئات العامة أمام الشعوب''.
وأضافت ''بعد عام من التركيز على الفساد، نتوقع من الحكومات اتخاذ مواقف أكثـر صرامة في مواجهة سوء استغلال السلطة، فنتائج مؤشر مدركات الفساد لعام 2012 تثبت أن المجتمعات ما زالت تتكبد تكلفة باهظة بسبب الفساد''.
وتنتقد عدة مؤسسات مالية دولية الجزائر لتحفظها على استقبال خبراء دوليين أو السماح لبعض المنظمات الدولية التي تحارب الفساد بالعمل داخل البلاد، وذلك على الرغم من مصادقتها عام 2005 على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الظاهرة.
مرتبة متوقّعة
تعليقاً على التقرير وصفت الجمعية الجزائرية لمكافحة الرشوة ــ والتي لم تتحصل على اعتماد بعد ــ عبر رئيسها جيلالي حجاج في حديثه لــquot;ايلافquot; بأن هذه المرتبة quot;كانت متوقعة، بسبب ظهور الكثير من الفضائح على كل المستوياتquot;.
واشار حجاج الى أن quot;الدولة ليست لديها ارادة حقيقية لمكافحة ظاهرة الفساد التي استشرت في مؤسساتها بمختلف مستوياتهاquot; ، والأخطر من ذلك حسب حجاج أن quot;مسؤولين بارزين يمارسون الآن مهامهم وردت أسماؤهم أو هم متورطون في قضايا فساد، يتمتعون بحصانة كلية من المتابعةquot;.
وذكر جيلالي حجاج أن quot;جمود ترتيب الجزائر بين 2003 و2012، دليل على تعمم الفساد، بشكل يهدد أمن البلد، في وقت أن دولاً حصلت على تنقيط أسوأ من الجزائر، حققت تقدماً كبيراً في مكافحة الفساد، وأصبحت أحسن ترتيبًا مقارنة بناquot;.
قوانين قاصرة
اعتبر حجاج أنquot; قانون مكافحة الفساد الصادر بتاريخ 20 فبراير2006 يحمل قصوراً كبيراً، والدليل على وجود نقائص ــ حسب رأيه ــ هو هروب العديد من إطارات الدولة بالتصريح بممتلكاتهم الخاصة ضمن قانون محاربة الفسادquot;، مشيراً إلى أن quot;البرلمان بغرفتيه لم يتعاطَ مع هذا الملف بشفافية وبمسؤولية من خلال فتح نقاش جاد في الموضوعquot;.
وتساءل حجاج عن quot;السبب الحقيقي لعدم تنصيب الجهاز الخاص بذلك رغم مرور عدة سنوات، وإجبار كل المسؤولين على تحيين التصريح بالممتلكات لدى كل مسؤول ظهرت عليه علامات ثراء مفاجئ، سواء كان وزيرًا أو رئيس بلديةquot;.
كما تساءل عن quot;السبب الرئيسي الذي جعل البرلمان لا يقبل المادة التي تفرض التصريح بالممتلكات الخاصة لكل مسؤول في الدولة لحد الساعة، رغم أنه بند من بنود قانون مكافحة الفساد الذي ينوي رئيس الجمهورية تطبيقه بحذافيره على أرض الواقعquot;.
وتساءل عن دور مجلس المحاسبة الذي أنشئ منذ 30 سنة وهو لا يزال مجمدًا ولا يظهر تقريره في الجريدة الرسمية.
ويؤكد حجاج في هذا الشأن quot;أن المواطن العادي فقد الثقة في أجهزة الدولة، وهو ما تترجمه الاحتجاجات العنيفة والإضرابات التي تحدث باستمرار في عدد من المناطق الجزائريةquot;.
غضّ الطرف
من جانبه، كشف الناشط الحقوقي و النائب في البرلمان مصطفى بوشاشي، رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان سابقًا أن quot;خلية محاربة الفساد والحفاظ على المال العام التي أنشأتها الرابطة، تتلقى معلومات ومعطيات يوميًا حول الفساد في القطاع العام، من أشخاص يطلبون عدم الكشف عن أسمائهم ومواقعهمquot;.
وذكر النائب أنه ''يوجد شعور عام لدى الأشخاص الذين يقدمون معلومات عن اختلاس المال العام، مفادها أن القضاء يعالج قضايا معينة وبخلفية سياسية وأنه يغض الطرف عن قضايا أخرى وبخلفية سياسية أيضًا، فالمواطن يعتقد أن شكواه وبلاغاته لا تأخذ مجراها الطبيعي عندما يضعها بين يدي القضاء، ويخشى أن يكون هو ضحيتها بأن يتعرض للتهمة بسببها، فكثير من المواطنين يملكون معطيات عن الفساد والرشوة ولكن لا يغامرون بالتبليغ عنها، إن هذا الشعور يعكس انعدام الثقة في مؤسسات الدولة وليس في القضاء فقط''.
حان الوقت للردع
رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان المحامي فاروق قسنطيني اشار في افادته لــquot;ايلافquot; إلى أن quot;الفساد انتشر في جميع أنحاء البلاد، وأثر على جميع الطبقات الاجتماعيةquot;.
وأبرز في هذا الصدد أن quot;الوقت قد حان لمحاربة فعالة ودون كلل أو ملل لجميع الاعوان العموميين الذين يسعون فقط لإثراء أنفسهم و جمع المزيد من المالquot;.
أضاف:quot;الإفلات من العقاب وانتشار الفساد على نطاق واسع يضر بأية خطوات لتعزيز التنمية الاقتصادية و الاجتماعية، ما لم تسعَ السلطات العمومية إلى عملية تنقية للأجواء لا تكون مرحلية فقط تستهدف أشخاصاً ثانويين بل يجب أن تستهدف السلطات العمومية نفسهاquot;.
كما دعا إلى أن تكون العقوبات quot;مثالية ورادعة من أجل عدم السماح للشخص الفاسد بالتمتع بعائدات الفساد بعد قضاء عقوبتهquot;، مشيرًا إلى أن quot;الجريمة تزدهر إذا كانت العقوبة غير مناسبة حيث يحتذى بها في أوساط الموظفين العموميينquot;.
ويوصي بــquot;إعادة تقييم للقانون المؤرخ في 20 فبراير 2006 بشأن منع ومكافحة الفساد بصيغته المعدلة ويؤكد كذلك على التوصيات التي أصدرتها اللجنة خلال عام 2009 والتي من بينها تمكين العدالة من أن تمارس صلاحياتها القانونية كاملة في ظل الهدوء خاصة في ما يتعلق بالتحقيق ودون تدخل السلطات ولا النيابة العامة ولا الشرطة القضائيةquot;.
الحكومة: سنكسب المعركة ضد الفساد
وزير العدل حافظ الأختام اعتبر في تصريحات سابقة له أن تصنيف الجزائر من قبل منظمة شفافية دولية من بين الدول الأكثر فسادًا في العالم في تقريرها الخاص بسنة 2012 لا يعني أن الجزائر تأخرت أو تقدمت في مكافحة ظاهرة الفساد، باعتبار الجزائر حسنت تصنيفها مقارنة بالسنة الماضية، بعد أن احتلت المرتبة 105 من أصل 176 دولة والمرتبة 112 من أصل 183 في 2011.
وأكد الوزير أنه عاجلاً أم آجلا الأموال المبتزة ستعود إلى الشعب، مضيفًا أن الدولة الجزائرية لها الإمكانات البشرية والمادية لكسب المعركة ضد الفساد والمفسدين ونتائجها ستظهر على المدى المتوسط، مشيراً الى أن جميع الأطراف المتورطة في قضايا الفساد سيعاقبون والدولة لن تستثني أحداً.
التعليقات