خففت إيران من وتيرة تخصيب اليورانيوم في إشارة إلى أنها لا تريد الدخول في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي في الوقت الحاضر، وإلى أنها ترغب في التوصل إلى حل.


لندن: يقول محللون غربيون إن دلائل بدأت تظهر في الصيف الماضي على أن الإيرانيين يوجهون قسمًا كبيرًا من اليورانيوم المخصب بنسب متوسطة إلى الاستخدام في مفاعل ابحاث صغير حيث يحولونه إلى شكل يصعب استخدامه في سلاح نووي.
وقال مسؤول اميركي إن ما يفعله الإيرانيون هو محاولة منهم quot;إفساح المجال أمام التوصل إلى حلquot;، واصفًا ذلك بأنه quot;خطوة لا بد أن يفترض المرء انها محسوبة بعناية لأن كل شيء يفعله الإيرانيون في المفاوضات محسوب بعنايةquot;.
وكان وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك خرج باستنتاج مماثل حين قال في تشرين الأول (اكتوبر) الماضي إن اسرائيل يمكن أن تتراجع عن تهديداتها بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران على الأقل حتى ربيع أو صيف 2013.
لكن مسؤولي البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية حذروا من الخروج بخلاصات نهائية متسرعة عن نيات إيران.

لا جواب

من المتوقع أن تبدأ في العام المقبل جولة جديدة من المحادثات بين إيران والدول الست التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن زائد المانيا.
وما زال المسؤولون الاميركيون لا يعرفون إن كان المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي مستعدًا حقًا للتوصل إلى اتفاق.
وكانت الادارة الاميركية حاولت بعد اعادة انتخاب باراك اوباما جس نبض إيران بشأن اجراء محادثات مباشرة، لكن المحاولة لم تسفر عن رد حقيقي من جانب إيران، كما افاد مسؤول اميركي. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن المسؤول نفسه قوله إن الإيرانيين quot;لم يقولوا نعم أو لا، فهم لم يقولوا شيئًاquot;.

تحويل غير تسلحي

تشير الأدلة المتاحة من مصادر مختلفة، بينها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى أن إيران انتجت مزيدًا من اليورانيوم المخصب بنسبة تقارب 20 بالمئة، في عملية تقطع بها الشوط الأبعد نحو انتاج يورانيوم يصلح لأغراض نووية تسلحية، لكنها في مجرى العملية حوَّلت بعض هذا اليورانيوم إلى أوكسيد مسحوق يمكن أن يُستخدم في مفاعل أبحاث صغير في طهران.
وتشكو إيران منذ سنوات قائلة إن مفاعل الأبحاث، الذي اشترته من الولايات المتحدة في زمن الشاه لانتاج نظائر تُستخدم للأغراض الطبية، يحتاج إلى وقود نووي لمواصلة تشغيله وإن الغرب يرفض بيعها مزيدًا من هذا الوقود. لذا قررت إيران انتاج الوقود بنفسها. وتشير مصادر متعددة إلى أن إيران ربما كانت تنتج مزيدًا من الوقود على الرغم من أن لديها ما يكفي لتشغيل المفاعل عشر سنوات على أقل تقدير.
وتبين أرقام الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه لو لم تحوِّل إيران كميات من اليورانيوم المخصب إلى مفاعل الأبحاث الصغير لكان لديها ما يكفي من الوقود النووي لانتاج قنبلة واحدة، والمضي في تخصيب ما يكفي لصنع قنبلة ثانية.

خطوة تهدئة

قال أولي هاينونين، الذي تعامل مع إيران لمدة طويلة حين كان كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إن تحويل اليورانيوم إلى مفاعل الأبحاث الصغير quot;خطوة هدفها التهدئة لكي لا تذهب الأمور أبعد من النقطة الحرجةquot;.
واضاف هاينونين، الذي يعمل الآن باحثًا في كلية كندي للادارة الحكومية في جامعة هارفرد، أن الإيرانيين منذ تحويل هذا اليورانيوم واصلوا انتاج نحو 15 كيلوغراما شهريًا من اليورانيوم المخصب بنسب متوسطة، وأنهم عائدون إلى النقطة الحرجة، إلا إذا خففوا من وتيرة انتاجهم أو حولوا مزيدًا من الوقود النووي إلى مفاعل الأبحاث.
وتستطيع إيران أن توظف تحويل الوقود إلى مفاعل الأبحاث لمصلحتها في المفاوضات. فقد نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن المحلل الاستخباراتي السابق في وزارة الخارجية الاميركية غريغ تيلمان قوله: quot;من الصعب أن نفهم ما تفعله إيران، خصوصًا إذا كان ما تفعله يوحي بإرسال اشارة مدروسة تنم عن قدر من الحذر لدى القيادة الإيرانية، واعتقد من المعقول أن ننظر إلى عملية التحويل على انها اشارة تفاوضية، أو إشعار باتخاذ موقف معتدلquot;.

تعطي أُكُلها

قال راي تاكيا، الخبير في شؤون إيران في مجلس العلاقات الخارجية الاميركي، إن سياسة العقوبات التي انتهجتها الولايات المتحدة خلال العقد الماضي بدأت تعطي أُكلها، وإن الاجراءات التي أدت إلى هبوط قيمة العملة الإيرانية بنسبة كبيرة وإلى انخفاض صادرات النفط الإيرانية بحدة نجحت على ما يبدو في اقناع القيادة الإيرانية بأن تعيد النظر في خياراتها النووية.
ويتفق مسؤولون عرب مع هذا التقييم، لكنهم يحذرون من أن ثلاث سنوات قد تمرّ قبل أن تلحق العقوبات ضررًا يدفع إيران إلى تغيير موقفها بشكل جذري. ونقلت نيويورك تايمز عن دبلوماسي عربي قوله: quot;المشكلة أن ثلاث سنوات وقت طويل، وقد يفوت الأوان بانقضائهاquot;.
يتمثل السؤال الكبير في ما إذا كان هذا الأمر مناورة تكتيكية وليس سياسة جدية. لكن بول بيلار، المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية الاميركية الذي يعمل الآن في جامعة جورجتاون، قال إن طهران تراهن على أن تقرأ العواصم الغربية تحويل اليورانيوم إلى مفاعل الأبحاث الصغير إشارة إلى استعدادها للتوصل إلى اتفاق.