يثير محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، قلق الليبراليين المصريين تجاه النظام الحاكم. إذ يعتقد الكثير من المواطنين أنه هو فعليًا من يحكم البلاد.


لميس فرحات: خلال الاحتجاجات العارمة التي اندلعت في أنحاء مصر اعتراضاً على مشروع الدستور، الذي ألحّ الرئيس محمد مرسي على فرضه، كانت الهتافات الأكثر غضباً تتجه صوب الطبيب البيطري، محمد بديع، الذي يبلغ من العمر 69 عاماً، إذ إن الكثيرين على قناعة بأنه هو من يحكم مصر سراً.

فمنذ اندلاع الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك، يحتشد المصريون للوقوف أمام ما يعتبرونه quot;تهديدًا لثورتهمquot;، لكن مع وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة وانتخاب مرسي رئيسًامُرّر دستور يفتح الباب أمام دولة دينية، وقد يكون بديع نفسه هو أحدث رمز للدولة المصرية الحديثة.

خلال وقفة احتجاجية نظمتها المعارضة في الآونة الأخيرة، هتف الناس ضد مرسي، منددين بمسودة الدستور التي جرى الاستفتاء عليها في الأسبوع الماضي. لكن أكثر الهتافات غضباً وأشدها سخطاً كانت quot;فليسقط المرشدquot;، في إشارة إلى محمد بديع، المرشد العام للإخوان المسلمين، أي quot;القائد الروحيquot; للمنظمة الإسلامية، التي تعتبر القوة السياسية المسيطرة في مصر ما بعد الثورة.

بالنسبة إلى quot;الإخوانquot;، فإن الرجل الذي يعرف بلقب المرشد هو ببساطة القائد الروحي الورع والمتواضع لملايين الأعضاء الذين يشعرون بالحرية في نهاية الأمر بالتعبير عن هويتهم الدينية المحافظة وممارسة السلطة السياسية. وكانت جماعة الإخوان، التي تتخذ quot;الإسلام هو الحلquot; شعاراً لها، محظورة لعشرات السنين، لاعتبارها خطراً مزعوماً على الدولة.

عصام العريان، مستشار مرسي ومسؤول في حزب الإخوان نفى الفكرة القائلة إن بديع يوجّه مرسي، في حديث لصحيفة الـ quot;واشنطن بوستquot;، مشيراً إلى أن بديع رجل هادئ جداً يحفظ القرآن غيباً، ويشبه عامة الناس. واعتبرت الصحيفة أن بديع، في نظر كثير من العلمانيين، المسيحيين والمسلمين المعتدلين، هو الأمير الخفي لطغيان إسلامي مقبل، ورمز لأسوأ مخاوفهم وأكثر نظريات المؤامرة بشأن كيفية عمل جماعة الإخوان.

من الشائع خلال الاحتجاجات في الشوارع رؤية رسوم تمثل بديع، الذي يرتدي في العادة بدلة ونظارات، في هيئة آية الله إيراني أو في شكل شيطان. ويصوّره شريط فيديو على موقع quot;يوتيوبquot; في هيئة الممثل مارلون براندو بدوره في فيلم quot;العرابquot;.

نفوذ بديع أكثر تعقيداً وصعوبة من أن يعرف، فهو - وفقاً لما يقوله محللون- شخصية غير كاريزمية نسبياً، وكان هذا أحد أسباب اختياره للمنصب الأعلى في العام 2010، باعتباره في صف الأعضاء الأكثر قوة في جماعة الاخوان.

يقول أشرف الشريف، أستاذ علوم سياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة، إنه من السهل السيطرة على الهيئة المكونة من 19 عضواً، والتي ترسم السياسات وزوّدت مجلس الوزراء بالمسؤولين الأساسيين. وأضاف: quot;من الناحية العقائدية والفكرية، هذه الهيئة تنسجم مع مجلس الشورىquot;.

يذكر أن بديع من مواليد محافظة بني سويف الجنوبية، وتزوج ابنة أحد أعضاء الجيل الأول للجماعة. ويتسم بأنه quot;رجل هادئquot; يحفظ القرآن الكريم، ويستشهد بآياته quot;حتى عندما يتحدث عن لعبة كرة القدمquot;، حسب ما ورد في الموقع الالكتروني الرسمي للاخوان.

ارتقى بديع سلم الجماعة بينما كان يركز في أعماله على التعليم، في الوقت الذي انصب فيه الاهتمامعلى العمل السياسي. وفي العام 1965 ألقي القبض عليه مع آلاف آخرين في قضية محاكمة القيادي سيد قطب، الذي عرف عنه بأنه كان مثقفاً يتمتع بنفوذ، وأنه هو الذي وضع القواعد الأساسية للكثير من الحركات الراديكالية الإسلامية المعاصرة.

نُفذ حكم الإعدام في قطب بتهمة التآمر ضد الدولة، وأُطلق سراح بديع وآخرين في العام 1974 ليصبح مركز القوة المعاصرة للحركة. قال ضياء الطوبجي، طيار متقاعد وعضو في الجماعة التقى بديع في السجن، إنه ورفاقه تعرّضوا للتعذيب باستخدام الكلاب والضرب، مضيفاً: quot;كانوا ينزعون لحانا بالكماشاتquot;.

يتذكر الطوبجي أن بديع كان شاباً مؤمناً quot;يتنقل من زنزانة إلى أخرى لعلاج السجناء المرضى، ويعزز التزامهم العقائديquot;. ناثان براون، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن، يقول إن بديع كان رجلاً لا يتمتع بشيء يذكر من الشهرة الشعبية خارج الحركة. وعارض البعض فكرةأن ينتهجدورًا سياسيًا بارزًا، معتبرين أن الوقت لم يحن للسياسة النظامية.

التقى مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة،محمد بديع خلال اجتماع عقد أخيراً، حيث أجرى الاثنان مناقشات حول حقوق المرأة والمسيحيين في تولي منصب الرئاسة في مصر.

وقال السيد إن بديع quot;لم يعترض على حصول المرأة والمسيحيين على الحقوق المدنية، لكن بالنسبة إليه فإن رئاسة الدولة يجب أن تقتصر على الرجل المسلمquot;، مضيفاً أن وجهة نظر بديع كانت التزاماً بواجب أكثر منها تفكيراً علمياً.

مع اتجاه الاخوان نحو المجال السياسي، تقدم أشخاص ذوو نفوذ في مكتب الإرشاد على بديع، حسب قول الخبراء، من بينهم خيرت الشاطر، رجل الأعمال الثري، الذي يعتبر المموّل والمفكر الاستراتيجي للحركة، ومحمود عزت، الذي كان يُنظر إليه على أنه رجل النظام الداخلي.

وأثناء قيامه بدوره في الإرشاد العام، ألقى بديع المواعظ والخطب التي كنت تعكس الإجماع داخل صفوف الاخوان، وليس أفكاره أو آراءه الخاصة. يقول الطوبجي: quot;لدينا في مصر مسلمون، وليس إسلامًا. هذا هو ما نسعى إلى تغييره، وسيتغيّر قريباً جداً إن شاء الله. آمل أن يتم ذلك في القريب العاجلquot;.