المالكي يتوسط وزراء حكومته الحالية

على الرغم من أن الدستور العراقي لم يحدد عدد الفترات التي يتولى فيها رئيس الوزراء العراقي لمنصبه، وأن المالكي قد أكد في العام الماضي عدم الترشح لولاية ثالثة، إلا أن كتلاً سياسية بدأت، وبشكل مبكر،تسعى إلى إصدار قانون يحددها باثنتين، في مواجهة رفض ائتلاف دولة القانون، معتبرًا أن هذه المساعي تشكل مخالفة دستورية.


بدأت قوى سياسية هذه الأيام تتحدث عن ضرورة تحديد ولاية المالكي بدورتين، بحيث تنتهي رئاسته الحالية للحكومة مع الانتخابات البرلمانية العامة، التي ستجري عام 2014، محذرة من أن استمرار المالكي في منصبه أكثر من الأعوام الثمانية، التي يتولى فيها المنصب، سيقودنحو دكتاتورية جديدة، ترسخ مفهوم سيطرة الحزب الواحد، في إشارة إلى حزب الدعوة الإسلامية الذي يقوده.

وتولى المالكي رئاسة الحكومة العراقية للمرة الأولى في أيار (مايو) عام 2006، ثم الحكومة الحالية في كانون الأول (ديسمبر) عام 2010.

ولا ينص الدستور العراقي الجديد المصادق عليه عام 2005 في استفتاء شعبي على تحديد ولاية رئيس الحكومة، مثلما نص بذلك على ولاية رئيس الجمهورية، التي حددها في اثنتين، وهو ما يعني أنه لن يحق للرئيس جلال طالباني الترشح للمنصب، الذي يتولاه الآن بعد إجراء الانتخابات المقبلة عام 2014.

وتنص المادة 72 من الدستور العراقي على أن تحدد ولاية رئيس الجمهورية بأربع سنوات، وتجوز إعادة انتخابه لولايةٍ ثانيةٍ فقطquot;.. فيما تنص المادة 77 على أنه quot;يشترط في رئيس مجلس الوزراء ما يشترط في رئيس الجمهوريةquot;، إلا أن الدستور لم يحدد عدد ولايات رئيس الوزراء.. وجاء في نص المادتين ما يلي:

المادة (77):
أولاً :ـ يشترط في رئيس مجلس الوزراء ما يشترط في رئيس الجمهورية، وأن يكون حائزاً الشهادة الجامعية أو ما يعادلها، وأتم الخامسة والثلاثين سنةً من عمره.
ثانياً :ـ يشترط في الوزير ما يشترط في عضو مجلس النواب، وأن يكون حائزاً الشهادة الجامعية أو ما يعادلها.

المادة (78):
رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة، يقوم بإدارة مجلس الوزراء، ويترأس اجتماعاته، وله الحق في إقالة الوزراء، بموافقة مجلس النواب.

استعدادات مبكرة تمهد لولاية ثالثة

تأتي مساعي القوى السياسية لقطع الطريق أمام ولاية ثالثة للمالكي إثر الاستعدادات التي بدأها ائتلافه (دولة القانون) في التهيئة والحشد منذ الآن لتوليه رئاسة الحكومة لأربع سنوات أخرى، بعد أن يكون قد حظي بولايتين، تولى فيهما المنصب لمدة8 سنوات، رغم أن المالكي كان قد أشار في السادس من شباط (فبراير) من العام الماضي إلى أنه لن يرشح لفترة ثالثة.

وقال المالكي (61 عامًا) في تصريح آنذاك إنه لن يسعى إلى البقاء في منصبه لولاية ثالثة مؤيّدًا فكرة تثبيت دورتين لرئيس الحكومة فقط بشكل دستوري. وقال ردًا على سؤال حول الإصلاحات التي ينادي بها quot;أسعى منذ زمن إلى القيام بإصلاحات في الدستور بالنسبة إلى أمور كثيرة، بينها تحديد ولاية رئيس الوزراء بمدتين ليس أكثرquot;.

وأوضح أن quot;الدستور لا يمنع أن تكون هناك دورة ثالثة ورابعة وخامسة لرئيس الوزراء، لكن قراري شخصيًا ومنذ البداية أن لا تكون هناك أكثر من دورتين، وقد أعلنت ذلك سابقًا أثناء الانتخابات التشريعية وقبل تشكيل الحكومةquot;. وأضاف quot;أتمنى أن يتغير الدستور بما لا يسمح بأكثر من دورتينquot;.

وشدد بالقول quot;أؤيد تثبيت فقرة بالدستور، تسمح لرئيس الوزراء بدورتين، مدتهما8 سنوات، أعتقد أنها كافية، إذا كان لديه برنامج وتعاون مع مجلس النواب. أما إذا لم يكن لديه برنامج أو أن مجلس النواب غير متعاون معه، فحينها يصبح بقاؤه ضررًاquot;. وقال quot;أؤيد فكرة دورتين فقط لرئاسة الوزراء والنواب كذلك، فالدستور يحدد ولاية رئيس الجمهورية بمدتين. أما رئاسة الوزراء فهي مفتوحةquot;.

لكنه برغم هذه التصريحات، فقد بدأ ائتلاف المالكي حملة مبكرة لإعادة توليه رئاسة الحكومة في ولاية ثالثة، وقرر الائتلاف وحزبه الدعوة البدء في إستعدادات واسعة لتحقيق هذا الهدف، من خلال الاستعانة بمحللين وسياسيين وأجهزة إعلام، والقيام بجولات إلى المحافظات، لتهيئة الرأي العام لهذا المسعى، بالترافق مع إضعاف جميع منافسي المالكي المحتملين، حتى في التحالف الوطني، الذي ينضوي الائتلاف تحت لوائه.

وقال الأمين العام لإئتلاف أبناء العراق الغيارى الشيخ عباس المحمداوي إن هناك توجهًا لدى منظمات المجتمع المدني لتجديد ولاية المالكي لفترة رئاسية ثالثة. وأضاف في بيان صحافي تلقته quot;إيلافquot; إن منظمات المجتمع المدني، ومن خلال صلتها المباشرة بشرائح واسعة من الشعب العراقي، لمست لدى العديد من المواطنين الرغبة في تجديد ولاية المالكي لفترة رئاسية ثالثة، لما رأوه فيه من مؤهلات تعززها مسيرته المهنية في مجالات الخدمات وتطبيق القانون على الجميع من دون أي تمييزquot;.

وقال quot;إن هذه الرغبة الشعبية لا يمكن تجاهلها بأي حال من الأحوال، وإن منظمات المجتمع المدني ستدعم هذه التوجهات في حال ترشح المالكي نفسه لولاية ثالثةquot;.

دعوات إلى تحديد ولاية رئيس الحكومة

وأيّد التيار الصدري دعوات تحديد ولاية رئيس الوزراء بفترتين اثنتين فقط، موضحًا أن اللجنة القانونية البرلمانية قدمت طلبًا موقعًا من قبل 150 نائبًا، يتضمن المطالبة بتحديد ولاية رئيس الوزراء.

وقال القيادي في التيار الصدري عضو اللجنة القانونية البرلمانية أمير الكناني quot;نحن بدورنا نؤيد وندعم هذا الطلب، الذي يحتاج تعديلاً دستوريًاquot;، معربًا عن اعتقاده بإمكانية تحقيق ذلك عن طريق لجنة تعديل الدستور.مشيرًا إلىقرب طرح الطلب أمام مجلس النواب استجابة لمطالبات الأعضاء بعرضه على رئاسة المجلس، لكي تضعه على جدول الأعمال في الجلسات القريبة المقبلة.

وكان النائب المستقل صباح الساعدي قد جمع تواقيع نواب للمطالبة بإجراء تعديل دستوري، لكن طلبه، وحسبما أعلن، ما زال لدى اللجنة القانونية، مؤكدًا أن تعطيل طرح الطلب أمام مجلس النواب quot;تقف وراءه كتل نيابية صاحبة نفوذ كبير في الحكومة الحاليةquot;.

من جانبها أكدت الكتلة العراقية بزعامة رئيس الوزراء السابق أياد علاوي على ضرورة تحديد ولاية رئيس الحكومة بدورتين فقط. وقالت في بيان تسلمته quot;إيلافquot; إنها قدمت إلى الرئيس طالباني رؤيتها للأوضاع السياسية الحالية، وتضمنت ضرورة إصدار قانون يحدد ولايات الرؤساء الثلاثة للجمهورية والحكومة والبرلمان. وسبق للكتلة أن أكدت مرات عدة على ضرورة تحديد فترات تولي رئيس الحكومة لولايته منعًا لظهور دكتاتورية الفرد وهيمنة الحزب الواحد على مقدرات الدولة.

من جهتها دعت الكتلة البيضاء النيابية إلى تحديد ولاية رئاسة الوزراء لمنع عودة النظام الدكتاتوري. وقال الأمين العام للكتلة النائب جمال البطيخ لوكالة كل العراق quot;إننا مع تحديد ولاية رئاسة الوزراء، لأن هذا الأمر أصبح ضروريًا جداً، لأن بقاء الشخص في هذا المنصب لأكثر من ولايتين قد يتحول فيها نظام الحكم إلى دكتاتوري بغطاء ديمقراطيquot;.

وأضاف إن quot;نظام تحديد فترة تسلم الشخص لمثل مناصب كهذه هو نظام عالمي معمول به في مختلف الدول الديمقراطية، ونظام الحكم اليوم في العراق، وبعد عام 2003، وبحسب ما نص عليه الدستور، هو نظام تحكمه الأسس الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع وأصوات الناخبين من أبناء الشعبquot;.

من جانبه فقد أيّد التحالف الكردستاني تحديد الولاية، ليس فقط على رئاسة الوزراء، وإنما للرئاسات الثلاث للجمهورية والحكومة والبرلمان وفقًا لقانون واحد، وهو ما ينسجم مع مطالب كتلة العراقية. وأكدت النائبة عن التحالف أشواق الجاف أن هذا المسعى ليس موجّهًا ضد شخصية معينة، إنما هو لتعزيز الديمقراطية quot;التي كنا نسعى إليها منذ عقود، وعلينا أن نعززها بكل ما نستطيع، وأن نعطي بعدًا استراتيجيًا للبلد على المدى الطويلquot;.

وقالت قي تصريح لصحيفة المدى البغدادية اليوم إن المناصب السيادية يجب أن لا تنحصر في شخصيات معينة وأعمار معينة، ومن الضروري تحديد هذه الولايات، quot;كي نعطي فرصة للشباب، وأن نرفد وضعنا السياسي بهم، وهو ما تسير عليه أكثر الدول تقدمًا، حيث يتولى الشباب فيها مناصب سيادية، تصل إلى حد رئيس الدولةquot;.

وتساءلت الجاف عن مبررات إصرار السياسيين على تمسكهم بالمناصب، رغم إخفاقاتهم، مطالبة بتحديد ولاية النائب أيضًا، وأن لا تقتصر على أكثر من دورتين، فضلاً عن الوزراء quot;وعليه من الضروري أن ينظم ذلك بقانون، ومن ثم من خلال تعديل دستوريquot;.

أما النائب عن كتلة quot;تغييرquot; الكردية المعارضة لطيف مصطفى فقد أشار إلى أن الحديث عن تعديل الدستور أمر صعب، ويكاد يكون مستحيلاً quot;لأن هذا الإجراء يتطلب عرضه في استفتاء شعبي وموافقة الغالبيةquot;.

وأعرب عن اعتقاده بإمكانية تجاوز ذلك، عبر تشريع قانون خاص لتحديد ولاية رئيس الحكومة، مستدركًا بأن هذا الأمر هو الآخر من الصعوبة تحقيقه في الوقت الحاضر quot;لأننا نعيش انقسامًا طائفيًا حادًا، انعكس على الأداء النيابي، وليس من السهولة التوصل إلى اتفاق لإقرار قانون يمسّ ولاية رئيس الحكومةquot;.

وأضاف إن quot;الواقع العراقي الحالي، وباعتماد ما يعرف بحق الغالبية، سينتج في الدورة المقبلة تكتلاً بين الأحزاب المنتمية إلى الطائفة الواحدة لاختيار مرشحها لرئاسة الحكومة، بوصفها تمثل الكتلة الأكبر في مجلس النواب، وهذا حصل في الدورة الحالية، وبقرار المحكمة الاتحادية المثير للجدلquot;.

ائتلاف المالكي يرفض تحديد ولاية رئيس الحكومة

وفي مواجهة ذلك، فقد رفض ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي إجراء تعديل دستوري لتحديد ولاية رئيس الوزراء بدورتين فقط، مشيرًا إلى أن المالكي يتولى منصبه quot;استنادًا إلأى إرادة شعبية واستحقاقه الانتخابي، وأن الدستور لم يحدد عدد دورات رئيس الوزراء، التي يستمر بها في حال تكرار انتخابه في مجلس النوابquot;.

ورفض النائب عن ائتلاف المالكي ياسر الياسري ما أسماه تجاوز إرادة الشعب العراقي في اختيار ممثله لرئاسة الحكومة، قائلاً إن quot;بقاء رئيس الوزراء نوري المالكي لدورتين كانت بإرادة وطلب أبناء الشعب لتقدمه بأصوات ناخبيه في الانتخابات السابقة عن منافسيه الآخرين، وليس من المنطقي تحديد بقاء رئيس الوزراء لدورتين فقط، لأن هذا القرار يعتمد على رغبة الشعب، فإن كان ناجحًا، وقدم إلى الشعب ما كان يرجوه، فسيطالب ببقائه لثلاث دورات، وقد يكون أكثرquot;.

رأي قانوني

من الناحية القانونية في مسألة تولي المالكي منصبه لفترة ثالثة، قال المستشار القانوني لرئيس الحكومة إنه من حق المالكي قانونًا الترشح لولاية ثالثة. وأضاف فاضل محمد جواد إن quot;الدستور العراقي لم يحدد مدة تولي رئاسة الوزراء، لأن العراق بلد نيابي، وإن الكتلة الأكبر هي التي ترشح الشخص المعني لتولي الوزارة، لذا فإنه لا يوجد عائق قانوني، يمنع تولي رئيس الوزراء ولاية ثالثةquot;.

وأشار إلى أن quot;دولاً عالمية، مثل بريطانيا، تعتمد هذا النظام، لأن العراق ليس نظامًا رئاسياً، لذا فإن عملية انتخاب الرئيس تعتمد على الكتل النيابية الأكثر عدداً في مجمل النواب العراقيquot;. وقال إنه quot;إذا أرادت الكتل السياسية أن تحدد فترة تولي رئيس الوزراء لولايتين فقط، فعليها أن تجري تعديلاً دستوريًا ينص على ذلكquot;.

وبرغم ذلك فإن القوى السياسية العراقية تعتقد بإمكانية تجاوز هذه المسألة الدستورية من خلال التوافق السياسي بين الكتل والمعمول به في البلاد، من خلال العملية السياسية الجارية منذ عام 2003، وذلك بإصدار قانون خاص، يوافق عليه مجلس النواب، ويحدد ولاية رئيس الحكومة باثنتين.