لندن: يسمونها الجنية في حين أن الأنبوب الذي له لون الصدأ بطول 60 سنتم تقريبا لا يبدو مخيفا كما يوحي اسمه. ولكن ما في داخله هو المهم. وما في داخله كيلوغرامان من المتفجرات المربوطة بصاعق يمكن تفعيله عن بعد.

ويأمل افراد الجيش السوري الحر الذين تجمع نفر منهم في بيت آمن على الحدود التركية السورية بأن تساعدهم العبوات الناسفة على تعديل ميزان القوى في ما أصبح حربا اهلية دموية لامتناظرة، برأي العديد من المراقبين.

يوم زارت مجلة تايم البيت الآمن كانت ثماني اسطوانات متفجرة ممددة في احدى غرفتين من هذا البيت الحجري المتداعي الذي ليس فيه كهرباء. انه وسط لا مكان وطُلب من مراسل مجلة تايم ألا يقول أكثر من ذلك في تحديد موقعه الجغرافي.

وكان صانع العبوة، وهو رجل قصير ملتح بملابس مدنية وقفازات مطاطية يبدو في الأربعينيات من العمر، يدخن سيجارة أثناء انشغاله في إعداد ما سماه quot;طبخته الخاصةquot;. ورفض ان يعطي اسما ولا حتى اسما مستعارا لكنه قال انه تعلم صنعته في الجيش حيث كان مهندس مفرقعات في زمن مضى وحياة سابقة. وعمل منذ ذلك الوقت على تطوير مهاراته quot;هنا وهناكquot; بحسب تعبيره.

كانت الاسطوانات الثماني اول وجبة من العبوات الناسفة التي أكدت هذه المجموعة من العسكريين المنشقين ورفاقهم المدنيين انهم صنعوها معا. وقال ضابط سابق اثناء فحص العبوات انهم لا يمارسون هذا العمل منذ زمن طويل وتطلب الأمر بضع تجارب للوصول الى الخلطة الصحيحة من المواد المتفجرة بعد اعتماد طريقة التجربة والخطأ والاستعانة بالانترنت. واختُبرت عبوة ذات 200 غرام قبل يوم. وقال الضابط السابق لمراسل مجلة تايم quot;انها دمرت شجرةquot; واشار الى العبوات الأثقل قائلا ان الواحدة منها تكفي لتعطيل دبابة.

والدبابات التي وضعها الثوار في دائرة هدفهم هي الدبابات المتمركزة في محافظة ادلب وبضمنها مناطق ساخنة مثل جبل الزاوية وجسر الشغور اللتين تتعرضان لقصف الجيش بين حين وآخر.

وطلبت المعارضة السورية، السياسية والعسكرية، في الداخل والخارج، مساعدة القوى الدولية والأمم المتحدة على اقامة منطقة محمية، يطلق الثوار تسميات مختلفة عليها، مثل منطقة محررة أو ممر انساني أو منطقة حظر جوي أو بنغازي سورية، لكنها كلها تعني شيئا واحدا هو رقعة ارض خارج سيطرة نظام الرئيس بشار الأسد تكون مقر قيادة لخصومه.

وإذا حدث ذلك وهي إذا كبيرة إزاء ما أبداه المجتمع الدولي من إحجام عن حماية مثل هذه المنطقة وفرضها، فالأرجح انها ستُقام على الحدود مع تركيا. إذ ان الحكومة اللبنانية التي يسيطر عليها حزب الله متحالفة تحالفا قويا مع النظام السوري.

والى الشرق، من المستبعد ان يقبل حكام العراق الشيعة وحلفاءهم الايرانيون بمنطقة كهذه على مقربة منهم، لا سيما وانها ستكون بمحاذاة مناطق كردية وسنية مضطربة. وتمنع دولة الاردن البوليسية الخيِّرة، على حد وصف مجلة تايم، أي شكل من اشكال المعارضة، وقد يؤدي وجود منطقة تحت سيطرة الثوار على اعتابها الى زعزعة الاستقرار، لا سيما وانها تواجه بوادر ربيع عربي خاص بها. وحدود سوريا الأخرى مع اسرائيل.

ويقول الاثنا عشر رجلا الذين تجمعوا في البيت الآمن، انهم لا ينتظرون، أو يتوقعون، مساعدة من أحد، بمن في ذلك قائد الجيش السوري الحر العقيد رياض الأسعد، الذي يقيم مع ضباط آخرين في مخيم جنوبي تركيا تحت الحماية التركية. وقال رقيب من افراد المجموعة quot;نحن نشكره ونشكر الضباط الآخرين على انشقاقهمquot; ثم اشار الى ضابط برتبة نقيب قائلا quot;هذا هو قائديquot;.

وقال منشق آخر quot;نحن ايتامquot; مبينا انهم لم يتلقوا مساعدة تقنية من العرب الآخرين أو غيرهم. وأجاب ضابط برتبة صغيرة، quot;كلا، الله معنا، والله هو كل ما نحتاجهquot;.

ولكن وجبة العبوات التي أُعدت في البيت الآمن ليست الأولى التي توجَّه ضد القوات الموالية في المنطقة. وفي انطاكيا ما زال مجند سني شاب انشق مؤخرا في جبل الزاوية يحمل داخل يده اليسرى شظايا من سيارة مفخخة قال ان الجيش السوري الحر استخدمها ضد وحدته الموالية للنظام.

ولا يعرف المجند إن أسفر الهجوم عن مقتل أحد، ولكنه نُقل على وجه السرعة الى مستشفى في حلب للعلاج. ولدى مغادرته المستشفى هرب بدلا من العودة الى وحدته. ويقول المجند عن المواجهات بين جيشي سوريا غير المتكافئين ان الاشتباكات تزداد شراسة واضاف quot;كنت أخاف من الجيش السوري الحر، ولكني الآن فخور بالانتماء اليهquot;.

لم تخرج الجنية من قمقمها وتُستخدم في الميدان حين كان مراسل مجلة تايم في المنطقة ولكن جميع الرجال الذين قابلهم في البيت الآمن كانوا واثقين من قدرتها على تدمير دبابة. وراح البعض منهم يتابع صانع العبوات وهو يغترف المسحوق المتفجر ويصبه في الاسطوانة. وخارج الغرفة كانت امتار من الانابيب الصدئة ملقاة خارج البيت الحجري العتيق تنتظر تصنيعها. ولكن تركيز صانع العبوات كان على الاسطوانات الثماني التي امامه. وقال طاردا الآخرين من الغرفة: quot;المعذرة ولكن لدي الكثير من العملquot;.