لندن:يطلق عليها الصحافيون تسمية quot;العصا والجزرةquot; ويفضل الدبلوماسيون عبارة quot;الضغط والتواصلquot;. واياً تكن التسمية لتلخيص موقف الغرب من ايران، فمن الواضح أن قيادة الجمهورية الاسلامية، قررت ان ترد بالمثل وتجرع خصومها من الكأس المر نفسه الذي تجرعته.

وتتسم القرارات التي اعلنتها ايران يوم الأربعاء بدلالات بالغة، لأنها تتيح إلقاء نظرة نادرة على تفكير مرشد الجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي ومستشاريه الكبار.

ويأتي اعلان المرشد منسجما مع الخطابية العامة، أي ان ايران ستمضي قدما ببرنامجها النووي وتطبل لكل خطوة تتخذها على الطريق وكل قضيب من الوقود النووي تضعه في مكانه، وكل جهاز طرد جديد يبدأ بالدوران مهما كانت هذه الانجازات المزعومة موضع تساؤل ومبالغة.

اما الحظر الأوروبي على استيراد النفط الايراني ابتداءا من 1 تموز (يوليو) فان ايران قد تختار ان تحارب النار بالنار. وفي حال قررت اوروبا ألا تشتري نفط ايران، فان الجمهورية الاسلامية يمكن ان تعلن انها قررت ألا تبيع.

ويرى مراقبون ان ايران بمجرد التهديد بوقف صادراتها النفطية الى اوروبا استباقا للحظر، تستطيع ان تخيف سوق النفط وترفع سعر سلعتها التصديرية الأكبر. وفي مجرى العملية تستطيع ايران ان تزيد عائداتها وتذكِّر الأعداء، لا سيما بلد مأزوم مثل اليونان، يعتمد اعتمادا كبيرا على النفط الايراني، بأن ميزان القوى الاقتصادية ليس مختلا بالكامل لصالح طرف واحد.

في هذه الأثناء، تستطيع أجهزة الاستخبارات الإيرانية وحلفاؤها المسلحون مثل حزب الله اللبناني، ان يواجهوا النار بالنار بمعنى حرفي اكثر منه استعاري. فإن خمسة علماء نووين ايرانيين ورئيس برنامج الصواريخ البالستية، قُتلوا اغتيالا منذ عام 2007، واتهم النظام الإيراني اسرائيل باغتيالهم.

وهذا الأسبوع، شهدت بلدان بعيدة بعد الهند وجورجيا محاولات فاشلة لقتل دبلوماسيين اسرائيليين، فيما يبدو ان ثلاثة تفجيرات في العاصمة التايلاندية بانكوك كانت من عمل ايراني لم يفلح إلا في اصابة نفسه بجروح خطيرة.

وكان آية الله خامنئي هدد تهديداً لا لبس فيه بالانتقام من مقتل العلماء بضرب اسرائيل، فما كان من الحكومة الاسرائيلية إلا ان اتهمت ايران بالمسؤولية عن هذه الحوادث. وهذا افتراض معقول، وإن كان يعوزه الدليل، ولكن اللافت بالقدر نفسه هو ما لم تفعله ايران، كما تلاحظ صحيفة الديلي تلغراف، مشيرة الى ان قائد البحرية الايرانية اعلن في كانون الأول (ديسمبر) الماضي إن غلق مضيق هرمز الذي تمر منه 35 في المئة من صادرات النفط العالمية المنقولة بحرا، سيكون بسهولة ارتشاف قدح من الماء. ولتأكيد هذه الرسالة أردفت ايران تصريحاته بمناورات بحرية في هذا الممر المائي الحيوي.

ولكن ايران حتى الآن لم تقدم على أي محاولة لمضايقة الملاحة البحرية أو عرقلتها. ومرت حاملة الطائرات الأميركية ابراهام لنكولن عبر المضيق مرتين في الشهر الماضي بلا حوادث.

وفي غمرة كل ما شهده يوم الأربعاء من جعجعة أو ضغوط باللغة الدبلوماسية، كان هناك ايضا عرض للتواصل. إذ قبل امين مجلس الأمن القومي الايراني سعيد جليلي دعوة للتفاوض وجهتها منذ تشرين الأول (اكتوبر) الماضي مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي كاثرين آشتون.

وإذا كان النظام الايراني يعتزم حقا نزع فتيل الأزمة بسبب طموحاته النووية، فانه سيحاول تمويه أي حل توافقي مع الغرب وراء ستار من دخان المواقف الاستعراضية. وتشير قرارات يوم الأربعاء الى وجود فرصة وإن كانت ضئيلة بأن ايران على الأقل تفكر في مثل هذا الخيار. وستكون المفاوضات، إذا جرت، هي المحك، على حد تعبير صحيفة الديلي تلغراف.