تراقب عن كثب وكالات الاستخبارات الغربية تلك القمة الصخرية الواقعة في شمال غرب إيران، التي يوجد فيها واحد من أكثر المواقع النووية غير المعتادة في العالم. وهو الموقع الذي يعرف باسم quot;فوردوquot;، وهو عبارة عن منشأة نووية تم بناؤها في مخابئ الجبل بهدف تحمّل مخاطر التعرّض لهجوم جوي، في حال دخول إيران في حرب.


موقع فوردو الإيراني لتخصيب اليورانيوم

أشرف أبوجلالة من القاهرة: سبق لرئيس هيئة الدفاع المدني في الجمهورية الإسلامية أن وصف موقع quot;فوردوquot; النووي بـ quot;المنيعquot;، إلا أن خبراء عسكريين أميركيين فنّدوا ذلك، معربين عن ثقتهم المتزايدة في قدرتهم على توجيه ضربة قوية إلى quot;فوردوquot; إذا أصدر الرئيس أمراً بالهجوم.

غير أن صحيفة واشنطن بوست الأميركية نقلت في تقرير لها اليوم ضمن هذا السياق عن مسؤولين أميركيين قولهم إنه لا توجد لديهم خطة وشيكة لضرب الموقع، وأنهم حذروا من أن شنّ هجوم أميركي ndash; أو إسرائيلي ndash; سيحظى بتداعيات وخيمة، منها ارتفاع أسعار النفط وانتقام إيران وتصاعد التوتر بشكل كبير في منطقة هشّة.

لكن محللين استخباراتيين وعسكريين حاليين وسابقين، أكدوا أن quot;فوردوquot; معرّض بشكل كبير للخطر عمّا كان يتم الترويج له من قبل. وأضاف مسؤولون أن الذخيرة quot;الخارقة للتحصيناتquot; الضخمة الجديدة، التي أضيفت أخيرًا إلى الترسانة الأميركية لن يتعيّن عليها بالضرورة اختراق أعمق المخابئ لإلحاق أضرار، لا يمكن إصلاحها، بالبنية التحتية والمعدات النووية شديدة الحساسية، ما قد يعيد برنامج إيران سنوات إلى الخلف.

ولفتت الصحيفة كذلك إلى أن القادة الإسرائيليين، الذين سيصلون إلى واشنطن بعد أيام قليلة، من المحتمل أن يتطرقوا في مناقشاتهم مع نظرائهم الأميركيين إلى المسألة المتعلقة بالقدرات التي تحظى بها الأسلحة. ويتوقع أن تسعى إدارة أوباما إلى طمأنة هؤلاء الزوار، بمن فيهم وزير الدفاع إيهود باراك ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بأن أميركا تعتزم إيقاف إيران إذا قررت السعي إلى تطوير قنبلة نووية.

وبينما سبق لبعض من المسؤولين الإسرائيليين أن ألمحوا خلال الأسابيع الأخيرة إلى أنهم قد يشنّون هجوماً استباقياً على منشآت إيران النووية، من دون الرجوع إلى حلفائهم في الولايات المتحدة، خرج مسؤولون من البيت الأبيض ليحثوهم على عدم التسرع، والتشديد على قدرة الولايات المتحدة في ما يتعلق بتعطيل برنامج إيران النووي.

هذا ولا يزال يهيمن قدر من الغموض، كما ينظر إليه المسؤولون الأميركيون، على القدرات التي يحظى بها أحدث سلاح خارق للتحصينات يمتلكه البنتاغون، الذي يطلق عليه ndash; الذخيرة المخترقة على نطاق واسع ndash; في ما يتعلق بإمكانية الاستعانة به في توجيه ضربة واحدة إلى الغرف الموجودة تحت الأرض، والتي تخصّب فيها إيران اليورانيوم.

بيد أن المسؤولين أوضحوا أن الاستمرار في شنّ هجوم أميركي على مدار أيام عدة سيخرج المنشأة ربما من الخدمة، بتسببه بانهيار الأنفاق وإتلاف معدات أجهزة الطرد المركزي بالغة الحساسية، بطريقة لا يمكن إصلاحها، وهو ما سيحدث كذلك بالنسبة إلى المواسير والأنابيب والأسلاك التي تقوم بتشغيلها وتمدد لمسافات تقدر بالأميال.

في هذا السياق، قال واحد من كبار المسؤولين الاستخباراتيين السابقين، والذي درس موقع quot;فوردوquot; السرّي سابقاً، بعدما وافق على مناقشة التفاصيل الحسّاسة لقدرات الهجوم الأميركي من دون ذكر اسمه إن quot;المنشآت المحصنة تحتاج إلى العديد من الطلعات العسكريةquot;.

وأضاف خبراء ومسؤولون أن الثقة في إمكانات أميركا العسكرية قد تم تعزيزها بفضل التمرينات التدريبية، التي جرى الاستعانة بها في هجمات بالقنابل على أهداف مماثلة في مخابئ عميقة تحت الأرض وأنفاق جبلية. وتابع المسؤولون حديثهم بالقول إن المسؤولين الأميركيين نوهوا بأهمية القيام بهجمات عديدة، في الوقت الذي حذروا فيه إسرائيل من مغبّة الإقدام على شنّ هجوم بمفردها على منشآت إيران النووية.

ثم مضت الصحيفة تنوه بالخلاف القائم بين الجانبين الإسرائيلي والأميركي بخصوص درجة الأهمية التي يوليها كلاهما إلى ضرورة إيقاف برنامج النووي. وأكد خبراء عسكريون أميركيون أن نجاح إيران في تكوين تلك المنطقة، التي يطلق عليها quot;منطقة التحصينquot;، إن وجدت من الأساس، سيحتاج إلى سنوات. ولايزال المسؤولون الأميركيون غير مقتنعين أيضاً بأن إيران قررت تطوير قنبلة نووية، رغم اعتقادهم أن الجمهورية الإسلامية تواصل مساعيها إلى تحقيق تلك الغاية.

ولفتت الصحيفة إلى أن وكالة الاستخبارات الأميركية quot;سي آي إيهquot; بدأت مراقبة منشأة quot;فوردوquot; قبل أربعة أعوام على الأقل، وكشف الرئيس أوباما عام 2009 عن تلك المنشأة المطورة جزئياً، وطالب طهران حينها بأن تكشف بنزاهة عن نواياها. وقد اعترفت إيران بأنها تطوّر مفاعلا ثانيًا لتخصيب اليورانيوم، وسمحت بعدها بفترة قصيرة لمسؤولي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالقيام بزيارة إلى ذلك المكان.

وأوضحت واشنطن بوست أن هذا المفاعل الموجود تحت الأرض ndash; ولم يعمل بكامل طاقته بعد ndash; يعتبر صغيرًا نسبياً، وتوجد فيه مساحة تتيح له استقبال ما يقرب من 3000 جهاز طرد مركزي، مقارنةً بعشرات الآلاف من الأجهزة المخططة لمفاعل نطنز. لكن محللين أشاروا إلى أنه كبير إلى درجة تسمح بتخصيب اليورانيوم اللازم لتطوير سلاح نووي واحد على الأقل كل عام، وذلك في حال قررت إيران الإقدام على تطويرهم. وقد بدأت إيران تخصيب اليورانيوم بـ quot;فوردوquot; في كانون الثاني/ يناير الماضي.

وأوردت الصحيفة عن خبراء غربيين قولهم إن تلك المنشأة غير محصنة فحسب بالطبيعة الصخرية التي تتواجد فيها، بل إنها محصنة أيضاً بتعزيزات إضافية، ساهم فيها خبراء متخصصون في بناء المخابئ من كوريا الشمالية.

وقال أنطوني كوردسمان، المدير السابق لقسم التقديرات الاستخباراتية في وزارة الدفاع الأميركية وأستاذ كرسي Arleigh A. Burke في الإستراتيجية في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن: quot;قد تحظى مثل هذه الدفاعات السلبية بتأثير كبير في التصدي للآثار التي يحتمل تمخضها عن التعرّض للقصف الجويquot;.

وفي الوقت الذي اعترف به كوردسمان بأن التقارير التي تحدثت عن مثل هذه التحصينات مبالغ فيها وسابقة لأوانها، فإن مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين أكدوا أن التحصينات التي يحظى بها مفاعل quot;فوردوquot; تفوق بكثير التحصينات الموجودة في مفاعلات أخرى، بما في ذلك مخابئ منطقة التاجي، التي وفرت الحماية لمراكز قيادة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عشية الغزو الأميركي للعراق عام 2003.

في الختام، نوهت الصحيفة بسلسلة الأسلحة والتكتيكات، التي تمتلكها الولايات المتحدة، ويمكن أن تستعين بها في مواجهة أهداف من نوعية مفاعل quot;فوردوquot;، بما في ذلك، وفقاً لما أشار مسؤولون أميركيون، التجسس وغيره من التدابير الخفية، التي يمكنها تعطيل أجهزة الطرد المركزي الإيرانية من دون اللجوء إلى شنّ هجوم عسكري. وقال مايكل آيزنستادت، المستشار العسكري السابق لدى وزارة الخارجية والبنتاغون، إن الطائرات الحربية الأميركية ستعوق جهود إيران النووية بالتأكيد، وإن رفضَ تحديد المدة التي يمكن لتلك الطائرات أن تستمر فيها بتلك المهمة.