تشكل مدينة الأسحاقي التي تهيمن عليها الطائفة السنية نموذجاً حياً على الجهود التي يبذلها شيوخ القبائل في العراق من أجل تحقيق الديموقراطية والعدالة وتجنب سيناريوهات الفوضى التي عاشتها البلاد في الماضي.
شيوخ القبائل في العراق..قوة سياسية مؤثرة |
مع بدء تكون حياة جديدة في العراق إثر رحيل القوات الأميركية من البلاد، على أمل بدء تحسن الأوضاع المعيشية والأمنية والسياسية والاقتصادية بعد سنوات طويلة عاشتها البلاد في حالة من الفوضى والدمار، بدأ يستغل شيوخ القبائل في مدينة الاسحاقي تلك اللحظات الفارقة التي تمر بها البلاد، في مسعى من جانبهم لتطبيق العدالة التي يتمنونها، خشية أن يسود العنف مستقبلهم، كما سبق وحدث في الماضي. ولغضبهم من الساسة الفاسدين وغير الأكفاءبدأ شيوخ القبائليقدمون على طرد المسلحين المشتبه بهم وكذلك عائلاتهم من تلك المدينة بعد تهديدهم بالموت.
وقال في هذا الصدد الشيخ حسين سيدون، زعيم قبلي في تلك المنطقة المنعزلة التي يهيمن عليها السنة بالقرب من الطريق السريع الذي يربط بين بغداد وتكريت: quot;يمكنهم أن يذهبوا إلى أي مكان ماعدا الاسحاقي. وإن عادوا، سيُقتَلون على الفورquot;.
ولفتت صحيفة النيويورك تايمز الأميركية إلى أن العراق الجديد بدأ يتشكل في تلك الأثناء في مدينة الاسحاقي وغيرها من المدن. وقالت إنه قد يتم الالتفاف على شكل البلاد الجديد بأفكار ديموقراطية جديدة، لكنها ما زالت تخضع بشكل كبير لتقاليد وغرور قادة القبائل القائمة منذ قرون. وسبق لكثيرين من هؤلاء الشيوخ أن قادوا فرق مقاتلي الصحوة، وقالوا إن رحيل القوات الأميركية وما أعقبها من أزمة سياسية في بغداد، أثارت مخاوف من العودة إلى الحرب الطائفية، ما دفعهم لأخذ زمام الأمور بأيديهم.
وأعقبت النيويورك تايمز بنقلها عن شيخ آخر يدعي دالف حلوب قوله: quot;كنا نشعر بالقلق من أن تتخذ الأمور منحى سيئاً مرة أخرى، بسبب ما حدث مع الأحزاب السياسية وخلافاتها. ونحن لن نسمح من جانبنا للمشكلات الطائفية بالعودة مرة أخرىquot;.
وأضافت الصحيفة أن ما يزيد عن 60 قائداً من قادة القبائل المحلية، بما في ذلك القبائل الشيعية في مناطق خارج مدينة الاسحاقي، قد وقَّعوا مؤخراً على اتفاق يعني بتفويض قادة القبائل لتولي المهام الخاصة بمقاومة الإرهاب. كما وقع مسؤولون محليون وقادة قوات الأمن على تلك الاتفاقية، ليمنحوا بذلك كامل الصلاحيات إلى القبائل.
وتابع الشيخ حلوب: quot;هذا الاتفاق عبارة عن قسم شرفي يشمل الجميعquot;. وعاودت الصحيفة لتقول إن الأمن تحسن بشكل كبير في مدينة الاسحاقي وغيرها من المدن العراقية، خلال السنوات الأخيرة، وإن كانت التفجيرات التي تتم على جانبي الطريق وغيرها من الهجمات لا تزال تحدث في كثير من الأحيان. وقال محافظ الاسحاقي طه أحمد: quot; لا نريد تمكين الآخرين من القول إن الفوضى عادت بعد رحيل الأميركيينquot;.
وأشارت الصحيفة في الإطار ذاته أيضاً إلى أن الاسحاقي، شأنها شأن كثير من المدن العراقية الأخرى، تعيش لحظات غير مؤكدة بعد الانسحاب الأميركي، وقد انعكست مشاعر القلق التي تسيطر عليها في اتفاقية القبائل الجديدة، التي تم التوقيع عليها في السادس عشر من شهر شباط/ فبراير الماضي، ولم يتم تنفيذها بعد.
وكانت مزارع المدينة التي كانت تتميز بوفرة محصولها في السابق قد تحولت إلى ساحات عراك دموية، وأكد سكانها أنهم عانوا بشدة على أيدي المسلحين والجنود الأميركيين على حد سواء. ولا تزال هناك أسئلة مطروحة بخصوص الحادثة التي وقعت العام 2006 وراح ضحيتها 10 أشخاص، منهم طفل عمره 5 أشهر، إثر غارة أميركية.
وعلى الرغم من ذلك، فقد استفادت مدينة الاسحاقي أيضاً مما أطلقت عليه الصحيفة quot;الجانب الأكثر نعومة للحرب الأميركيةquot;، متمثلاً في المدارس العشر التي تم بنائها، وكذلك المستشفى التي تم تشييدها، والتحسينات والتجديدات التي طرأت على محطات تنقية المياه، بالإضافة إلى الطرق والأرصفة التي تم تمهيدها للأهالي.
ثم مضت الصحيفة تتحدث عن الظروف الصعبة التي كانت تعيشها مدينة الاسحاقي على كافة الأصعدة والمستويات خلال السنوات القليلة الماضية، وهي الظروف التي كان يخشى المسؤولون من أن تتسبب في عودة الشبان إلى التشدد. وكجزء من الاتفاق الأمني مع القبائل، تعهدت الحكومة المحلية بأخذ المزيد من الخطوات لتوفير وظائف.
التعليقات