لندن:رغم الظروف الصعبة التي يعيشها النازحون السوريون في تركيا تبقى معنوياتهم عالية وروح التحدي أقوى من مشاعر اليأس.

وفي غرفة مستشفى في مدينة انطاكية التركية الحدودية يقول عبد الرحمن كلش، وهو خطيب مسجد في منتصف الثلاثين من العمر درس في مصر ويصف نفسه بالسلفي، إنه ينتظر العودة الى سوريا بفارغ الصبر. ويرقد اثنان من رفاقه المقاتلين مصابين بجروح خطيرة لكن كلش لا يستسلم بل أكد أن هذه ليست النهاية بل نهاية البداية فقط.

وقال كلش لمراسل صحيفة الغارديان في المنطقة: quot;نريد أن نعود وننخرط مجدداً في النضالquot;. وأضاف أن الطريق قد يبدو مسدوداً، quot;ولكننا نتريث فالجيش السوري اقام حواجز تفتيش اكثر من السابق بكثير والعديد من المقاتلين ينتظرون الآن في تركيا حتى يكون في حوزتنا المزيد من السلاحquot;.

وتابع كلش أن quot;هناك الكثير من الجنود السوريين الذين يريدون الانشقاق ولكننا نقول لهم أن ينتظروا قليلاًquot;. وأقامت المعارضة في تركيا شبكة حسنة التنظيم. ففي حي هادئ من احياء انطاكية تحول الطابق الأرضي لمبنى سكني لا يلفت النظر الى مستشفى للمقاتلين واللاجئين السوريين.

والى جانب علاج المرضى تساعد الشبكة في تهريب الامدادات الطبية الى سوريا ونقل الجرحى منها الى تركيا.

وقال الصيدلي وضاح (38 عاماً) إن المعارضة تبقى على اتصال وثيق بالداخل عن طريق سكايب، quot;ونتصل بالاتراك ونقول لهم من أين سيعبر الجرحى السوريون منطقة الحدود فيرسلون سيارة اسعاف لأخذهم الى المستشفىquot;.

ويهز الدكتور ماجد الذي هرب من حلب في كانون الأول/ديسمبر رأسه مؤيداً. ويتابع الصيدلي وضاح قائلاً quot;إن الامدادات الطبية تؤخذ الى سوريا بمساعدة الجيش السوري الحرquot;. وحين سُئل وضاح وماجد إن كانا يتلقيان أي مساعدة من المجلس الوطني السوري ضحكا قائلين: quot;نحن لا نتلقى أي شيء منهم، ولا نتوقع شيئاً منهمquot;.

واستدرك الدكتور ماجد قائلاً إن المجلس quot;هو الوجه السياسي الوحيد الذي نملكه حالياً ولذا علينا القبول بهquot;. وفي قرية قريبة من الحدود السورية ينتظر احمد (13 عاماً) وحامد (19 عاماً) رحلتهما التالية الى سوريا لنقل امدادات.

ثلاثة افرشة اسفنجية أحدها على سرير خشبي وجهاز تلفزيون هي كل الأثاث الموجود في غرفتهما المليئة بالدخان. وبطانية تحمل شعار الهلال الأحمر التركي تغطي ارض الغرفة. وتتكدس تحت السرير صناديق من علب سمك التونا والامدادات الطبية. ولا يوجد احتكاك يُذكر مع سكان القرية، ويدفع احمد وحامد 150 ليرة تركية (50 جنيهاً استرلينياً) ايجاراً شهرياً للغرفة.

وقال حامد لصحيفة الغارديان إن 15 شخصاً ينامون احياناً في الغرفة وأن مقاتلي الجيش السوري الحر يأتون لأخذ قسط من الراحة قبل العودة. كما أنهم يرافقون اللاجئين السوريين الى تركيا.

في 9 ايار/مايو 2011 أُعتقل احمد خلال احتجاج في مدينة اللاذقية وسُجن ثلاثة اشهر ونصف الشهر كان خلالها يتعرض للضرب بانتظام. وبعد نقله الى سجن آخر في دمشق تمكن من الفرار بمساعدة حراس وهرب في كانون الأول/ديسمبر الى تركيا.

وقال احمد quot;إن الجيش السوري الحر ساعدني على المجيءquot;، وهو الآن يقوم مع حامد بتهريب الأغذية والامدادات الطبية الى مقاتلي الجيش السوري الحر عبر الحدود. وقال احمد إن الاتراك لا يساعدون quot;ولو ساعدونا لما كانت مهمتنا بهذه الصعوبةquot;.

وكان احمد وقع ذات مرة بقبضة الشرطة العسكرية التركية التي تتمركز على مسافة قريبة. وقال إنه سُجن لمدة يوم ثم سُلم الى مخيم اللاجئين. وتابع احمد أن أمه التي تعيش في سوريا مع والده واخوانه واخواته الأربعة شديدة الخوف عليه، quot;ولكننا لا نستطيع التحدث عن ذلك على الهاتف لأنها ستُعتَقلquot;.

وقبل يومين على هذه الأحاديث لصحيفة الغارديان القى جنود سوريون القبض على ثلاثة من رفاق حامد وقتلوهم على الفور، كما يقول، مشيراً الى أنه واحمد يعبران الحدود الى سوريا مرة في الاسبوع مخترقين منطقة الأحراش لنقل امدادات الى قواعد الجيش السوري الحر في الداخل.

وتابع حامد قائلاً: quot;رأينا الجيش السوري يزرع الألغام على (الجانب السوري من) الحدود ونحن نعرف مكانها وتمكنا حتى الآن من تجنبهاquot;. وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش اعلنت في 12 آذار/مارس أن الجيش السوري زرع مئات الالغام على حدود سوريا مع تركيا ولبنان وأن مدنيين قُتلوا وأُصيبوا من جراء ذلك.

ويتابع حامد واحمد تغطية الأحداث في سوريا على قناة الجزيرة. وبين حين وآخر يهز حامد جهاز التلفزيون لإعادة الصورة المرتجفة. وقال بلهجة تقرب من الاعتذار quot;إنها القناة الوحيدة التي نستلمها هناquot;.

وعندما يحضر ثامر (30 عاماً) احد افراد الجيش السوري الحر بعد ساعة ينكبون فوراً على كمبيوتره المحمول ويشرعون في الحديث عن طريق سكايب. وكان ثامر أمضى أربع سنوات في السجن بتهم مخدرات وشارك العام الماضي في انتفاضة داخل السجن قُتل خلالها ثمانية نزلاء. وأُفرج عنه لاحقاً بكفالة وانضم الى المعارضة المسلحة قبل سبعة اشهر.

وأكد ثامر أن المعارضة ليست لديها اسلحة تخزنها في تركيا قائلاً quot;إن السلطات التركية لن تسمح بذلكquot;، وأنه رفع السلاح quot;ضد الأسد وليس ضد الحكومة التركيةquot;. ورفض ثامر بشدة القول بأن الثورة أخذت تفقد زخمها وقال إن عدم توفر السلاح وحده الذي جعل المعارضة تبدو ضعيفة من الخارج. quot;ولكننا مصممون على اسقاط الأسد، وهناك العديد منا، نحو 1500 مقاتل في بعض الأماكنquot;.

وعما إذا كان قلقاً من تصاعد العنف في سوريا هز ثامر رأسه قائلاً quot;إن الجيش السوري الحر يدافع ولا يهاجم ونحن نهدف الى حماية المدنيين ضد الجيشquot;.

وعلى المعبر الحدودي بين تركيا وسوريا في يايلداغي، أعرب رجل اعمال طلب عدم ذكر اسمه عن الغضب لأن المعارضة السورية لا تعترف بانتهاكاتها هي وحذر من أن الاحتقان الطائفي في سوريا بلغ نقطة حرجة.

ونقلت صحيفة الغارديان عن رجل الأعمال قوله: quot;قبل عام فقط كنا نخجل من سؤال احد عن انتمائه إذ كان السؤال يُعد معيباً، واليوم اصبحت الهوية الطائفية ذات أهمية حيويةquot;.

وقال رجل الأعمال الذي والده سني ووالدته علوية إنه الآن يخاف من السفر الى حلب حيث يملك مخزناً لملابس الأطفال، بعدما كان يذهب الى هناك مرتين في الاسبوع. quot;ولكنني الآن ارسل كل شيء بالشحن لأنني أخاف من السفر الى هناكquot;.

واستنكرت منظمة هيومن رايتس ووتش في رسالة مفتوحة وجهتها الى المجلس الوطني السوري في 20 آذار/مارس انتهاكات المعارضة المسلحة لحقوق الانسان بما في ذلك ممارسة التعذيب والخطف والاعدامات التي استهدف بعضها افراد طوائف أخرى وخاصة الشيعة والعلويين، بحسب المنظمة.

وعلى النقيض من ذلك، أعرب ثامر الذي ينتمي الى الجيش السوري الحر عن أمنيته بأن ينحسر الاحتقان الطائفي بعد رحيل الرئيس بشار الأسد. وقال لصحيفة الغارديان quot;إن جميع الرجال الذين يحملون السلاح في سوريا سيسلمونه فور انتهاء الثورة فنحن لا نريد أن ينتهي بنا المآل مثل ليبياquot;.