الشكوك بدعم الأسد لحزب العمال الكردستاني أجبرت تركيا على قطع علاقاتها به

أجبرت الحملة الوحشية التي يشنها الرئيس السوري بشار الأسد على شعبه، والشكوك بدعمه لحزب العمال الكردستاني، تركيا على قطع علاقاتها مع حليفتها السابقة، وتغيير حسابات أنقرة الاستراتيجية. فيما طرحت تقارير صحافية سيناريوهات عديدة لكيفية تأثير الأزمة على الوضع في تركيا.


بيروت: أدت الأوضاع الأمنية المتدهورة في سوريا، إضافة إلى الشكوك بدعم الأسد لحزب العمال الكردستاني، إلى جعل القضية الكردية بمثابة نقطة محورية في سياسة تركيا تجاه سوريا. وبسبب توترها بشأن الآثار غير المباشرة للأزمة السورية على وضعها الداخلي، ركزت جهودها في وضع استراتيجية تحضيراً لسيناريوهات محتملة في سوريا، وكيف يمكن أن تؤثر على تركيا وتحديداً المسألة الكردية.

في هذا السياق، تناولت صحيفة الـ quot;فورين بوليسيquot; سيناريوهات عديدةلكيفية تأثير الأزمة السورية على الوضع التركي، مشيرة إلى أنه في حال استطاع الأسد قمع الثورة في بلاده بطريقة أو بأخرى، قد تواجه تركيا العديد من التحديات.
التحدي الأكثر أهميةيكمن في تقوية تحالف يجمع بين حزب العمال الكردستاني وسوريا، فتدهور العلاقات التركية السورية سلّط الضوء على اهتمام مشترك بين دمشق وحزب العمال الكردستاني، وهو استخدام بعضهما البعض ضد أنقرة. وقد منح نظام الأسد تنازلات عدة لحزب العمال الكردستاني منذ أن قامت أنقرة بقطع العلاقات مع الأسد.

صالح مسلم، رئيس حزب العمال الكردستاني في سوريا الذي عاش لسنوات في جبال قنديل في العراق، بات باستطاعته العودة إلى سوريا، معلناً بداية حقبة جديدة في العلاقات بين سوريا والحزب، بعد أن عُلّقت لمدة 13 عاماً، منذ أن طُرد زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله اوجلان من سوريا العام 1998.
إضافة إلى ذلك، استطاع حزب الاتحاد الديموقراطي، وهو فرع لحزب العمال الكردستاني في سوريا، العمل بحرية لتجنيد مقاتلين جدد لحملته ضد تركيا، والقيام بدور شبه حكومي في المناطق الكردية في سوريا.
في المقابل، استخدم حزب الاتحاد الديموقراطي تأثيره على الأكراد السوريين لمنعهم من المشاركة في الانتفاضة الشعبية ضد نظام الأسد. ففي العديد من المناسبات، وجّه حزب الاتحاد الديموقراطي انتقادات حادة للمعارضة السورية والمجلس الوطني السوري، واصفاً الأكراد الذين انضموا الى المعارضة بـ quot;العملاءquot;، إلى حد أنه هاجم متظاهرين مناوئين للنظام في عفرين وحلب.

في حال بقي نظام الأسد على قيد الحياة، على الأقل لفترة من الوقت، فسوف تستمر دمشق بتقبل وجود حزب العمال الكردستاني في سوريا، الأمر الذي سيجعل من معركة تركيا ضد هذا الحزب أكثر صعوبة.
إضافة إلى ذلك، قد يؤدي استمرار حكم الأسد إلى مخاطر تتمثل بدفع الأكراد المعارضين في سوريا إلى أحضان حزب العمال الكردستاني ما يؤدي إلى تقسيم أكراد سوريا على موقفهم بشأن الانضمام للمعارضة المناهضة للأسد في مرحلة ما بعد سقوط النظام.
واعتبرت الـ quot;فورين بوليسيquot; أن هذا الانقسام يضعف قوة الجماعات الكردية المعتدلة، ويمنع مشاركتها الاستباقية في الانتفاضة. فإذا اقتصر وجود الأكراد على كونهم مجرد متفرجين على الأزمة، فسوف يجدون أنفسهم محرومين من أي مكاسب سياسية طويلة الأمد في سوريا ما بعد الأسد، وهو تطور من شأنه أن يعزز وضع حزب العمال الكردستاني / حزب الاتحاد الديموقراطي لدى أكراد سوريا.

هذه النتائج ستعود بتأثيرات كبيرة على تركيا، تحديداً بسبب الروابط الثقافية واللغوية والتاريخية التي تجمع بين الأكراد في سوريا وتركيا، فضلاً عن الانتماءات الايديولوجية. على سبيل المثال، أكثر من ثلث أعضاء حزب العمال الكردستاني هم من أصول سورية. وسمح وجود حزب العمال الكردستاني في سوريا في ظل عهد الرئيس السابق حافظ الأسد، للشبكات التنظيمية في الظهور بين حزب العمال الكردستاني والأحزاب الكردية السورية. ولذلك، فقد يؤدي التطرف داخل الحركة الكردية السياسية في سوريا إلى تأثير مماثل على أكراد تركيا.
أما التحدي الآخر الذي يشكله استمرار حكم الأسد على تركيا، فيكمن في ارتفاع أعداد اللاجئين على الحدود السورية التركية في الجنوب. حتى الآن، يعيش أكثر من 25000 لاجئ سوري على الحدود التركية، كما أنه من المرجح أن تؤدي قبضة الأسد الحديدية على السلطة في سوريا إلى تفاقم موجة اللاجئين.
وتخشى تركيا من أن تدفق اللاجئين قد يخبئ في طياته أعضاء حزب العمال الكردستاني والمتعاطفين معه، ليستقروا في المدن الكردية على طول الحدود التركية،ما يؤديإلى زيادة حدة تطرف الحركة السياسية الكردية في تركيا.

في محاولة لمنع تسلل حزب العمال الكردستاني ضمن صفوف اللاجئين السوريين، صعّدت تركيا دورياتها الحدودية ورفعت عدد أفراد الأمن على الحدود، وأصدرت بطاقات هوية للاجئين.
وأشارت الـ quot;فورين بوليسيquot; إلى أن سقوط نظام الأسد سيؤدي إلى حصول تركيا على المزيد من النفوذ على الحكومة السورية الجديدة. فبغض النظر عمن يأتي إلى السلطة، سوف يتم تعزيز التعاون بين تركيا وسوريا ضد حزب العمال الكردستاني نتيجة لعوامل عدة.
العامل الأول هو أن تركيا استضافت المجلس الوطني السوري، الجيش السوري الحر، وأكثر من 20،000 لاجئ فروا من قمع الأسد العنيف، وكانت في طليعة الجهود الدولية للضغط على الأسد لمغادرة السلطة. أما العامل الثاني، ونظراً لسوء حالة الاقتصاد السوري بسبب التراجع الحاد في الاستهلاك وإلغاء تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات والسحب النقدي الواسع، فإن الاقتصاد السوري سيكون بأمس الحاجة إلى الاستثمار التركي. وهذه التبعية ستجبر الحكومة السورية الجديدة على التعاون مع تركيا في حربها ضد حزب العمال الكردستاني.

لكن السيناريو الأسوأ الذي لا تستطيع تركيا احتماله، فهو حرب مدنية طويلة الأمد في سوريا. فنظراً لاحتمال وجود تهديد حزب العمال الكردستاني وتعزيز التدفق الجماعي للاجئين السوريين عبر حدودها، فإن المخاطر بالنسبة لتركيا في حل الصراع السوري مرتفعة للغاية.
ونظراً لفشل المجتمع الدولي في الحصول على توافق في الآراء بشأن التدخل الدبلوماسي في سوريا، وانعدام الشهية للتدخل العسكري، فقد تضطر تركيا لتوجيه الجهود نحو الحد من سلطة نظام الأسد. ويتضمن ذلك احتمال ارسال قوات إلى الحدود التركية، وهو الأمر الذي كانت أنقرة مترددة في شأنه.
الأزمة السورية وضعت تأثير تركيا الاقليمي في موقع الاختبار، أما كيفية استجابة أنقرة مع هذه المسألة فتحتاج إلى بعض الوقت قبل أن تظهر بشكل واضح.