سوريون منشقون عن الجيش النظامي

يروي ضابط استخبارات منشق من صفوف الجيش السوري تجربته وما شاهده من ممارسات القوات الحكومية. ويقول إن الجنود تلقوا تعليمات من القادة بأنهم يقاتلون ضد الارهابيين والمجموعات المتحالفة مع الولايات المتحدة وإسرائيل.


بعد أن أعلن انشقاقه وفرّ من صفوف الجيش، يروي ضابط الاستخبارات السوري السابق كيف كان يعمل ضد الثوار من خلال تخويف أفراد أسرهم وتهديدهم، منعًا لحدوث الإنشقاقات العسكرية.

في بداية الثورة السورية في العام الماضي، كان الشاب المنشق (21 عاماً) يجلس في الثكنة مع زملائه الجنود ويشاهدون تقارير تلفزيونية عن احتجاجات واسعة النطاق ضد الحكومة، تقابلها حملة قمع وحشية من قبل نظام الرئيس بشار الأسد.

لكن في أحد الأيام، تمت إزالة أجهزة التلفاز من الثكنة، وتلقى الجنود أوامر من قادتهم بأنهم يقاتلون ضد الارهابيين والمجموعات المتحالفة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، والذين كانوا يخططون للإطاحة بالرئيس الأسد.

ويقول ضابط الاستخبارات المنشق إنه كان يعمل بلا كلل من أجل سحق الانتفاضة في مدينة حمص لمدة خمسة أشهر، إلى أن استطاع الحصول على يومين إجازة في يوليو (تموز).

وبعد أن عاد إلى عائلته في محافظة درعا الجنوبية، فوجئ الضابط أن بيته قد أمطر بوابل من الرصاص، وشقيقه اعتقل بتهمة quot;الاحتجاجquot; وقتل ابن عمه برصاص أطلقته القوات السورية على مظاهرة ضد النظام.
بعد ذلك، أدرك الضابط أنه لا يقاتل الارهابيين بل الشعب. ويقول: quot;يداي ملوثتان بدماء الأبرياءquot;.

وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة الـ quot;وول ستريت جورنالquot;، يقول الضابط إنه انتقل إلى بلدة الرمثا التي أصبحت موطناً للعديد من اللاجئين الذين فرّوا إلى الأردن منذ اندلاع الثورة السورية. ونقلت الصحيفة عن محللين قولهم إن عدد الإنشقاقات في الجيش السوري يبلغ 10،000 جندي، من أصل 304000 جندي في الخدمة الفعلية.

وتعهدت دول خليجية عدةخلال الشهر الحالي بتقديم مبلغ يصل الى نحو 40 مليون دولار لدفع رواتب للمنشقين، وتشجيعهم لتحويل بنادقهم ضد النظام، لكنّ اللاجئين يقولون إن الصناديق التي لم تبدأ بعد بتمويل المنشقين، ستكون غير فعالة في تشجيع الإنشقاق، ما لم يتدخل المجتمع الدولي للمساعدة في تأمين عائلات الجنود وأفراد الشرطة وقوات الأمن الذين ينشقون.

وأشارت الصحيفة إلى أن هناك أسباباً أخرى لعدم حدوث إنشقاقات واسعة في صفوف الجيش، الأمر الذي كانت تأمل فيه المعارضة. ويعود السبب الأساسي إلى أن الأسد يتمتع بولاء تام من العلويين في الجيش، والذين يتبوأ معظمهم مراتب قيادية ومناصب رفيعة. والدليل على ذلك أن معظم الإنشقاقات تأتي من الرتب الدنيا التي ينتمي العدد الكبير من أفرادها إلى الطائفة السنية.

ويقول أيهم كامل، المحلل في مجموعة quot;أوراسياquot;، إن السبب الآخر هو أن الاتصالات مفقودة بين الوحدات العسكرية المختلفة، الأمر الذي زاد من التحدي المتمثل في التنسيق ضد الأسد.

وأضاف: quot;الأموال من دول الخليج تمثل حافزاً لإنشقاق أوسع، لكن من غير المرجح أن تسفر عن نتائج بين عشية وضحاها أو حتى في فترة قصيرة من الوقتquot;، مشيراً إلى أن الجزء الأكبر من الذخيرة والأسلحة الثقيلة متمركز في الوحدات الموالية للنظام.

لكن الـ quot;وول ستريت جورنالquot; أشارت إلى أن بعض الجنود ظلوا في الخدمة داخل النظام، على الرغم من أنهم ثوار بشكل غير معلن، كما يقول دبلوماسيون ولاجئون سوريون، فروا إلى الأردن مع بدء الأحداث.

وعلى الرغم من أنهم في خطر عظيم، إلا أن هؤلاء الجنود يقومون بتقديم معلومات للمعارضة عن تحركات الجيش، كما يساعدون على تهريب الثوار من خلال نقاط التفتيش. وقال أحد الضباط المنشقين: quot;لقد قاتلت حتى اعتقل والدي، واستجوبت أخواتي وأحرقوا منزلي. أما الآن، وبما أني توقفت عن القتال وفررت من سوريا، فبات الضغط على عائلتي أقل من السابقquot;.

ونقلت الصحيفة عن منشق آخر (29 عاماً) قوله: quot;لا توجد دولة تريد دعمنا، يقدمون الوعود بتزويدنا بالسلاح، لكنهم لا يعطوننا شيئاًquot;، ويضيف متوعداً: quot;إذا لم تدعمنا الدول الغربية ولا العربية، فسوف نتوجه لطلب المساعدة من تنظيم القاعدة. نحن لا نريد هذا الخيار، لكن ماذا بوسعنا أن نفعل وأولادنا يقتلون؟quot;.

ويتحدث ضابط الاستخبارات المنشق عن تجربته المريرة وما شاهده من ممارسات القوات الحكومية، فيقول إن ما يؤرقه هو المعلومات الاستخباراتية التي قدمها لزملائه من أجل اعتقال quot;أفراد العائلات الإناثquot; لأسر الأعضاء المنشقين، كوسيلة للضغط على الجنود السابقين لتسليم انفسهم.

وقال إنه سمع أنباء عن أعمال الاغتصاب التي ارتكبها زملاء له، كشكل آخر من أشكال التخويف، لكنه لم يرَ ذلك مباشرة. وأضاف: quot;لقد هربت بسبب ما رأيت، إنهم يقتلون الناس ويحرقون البيوت. قررت أنني لا يمكنني أن أفعل هذاquot;.