يتعرّض شيوخ ورؤساء العشائر في العراق لتهديدات واعتداءات تعدّ في مجملها ظاهرة جديدة في المجتمع العراقي، نظرًا إلى كون رئيس العشيرة، عبر التاريخ الطويل للعشائر، يحظى بالتقدير والاحترام، لاسيما أن الشيوخ كانوا ينأون على الدوام بأنفسهم عن الصراعات السياسية التي تتطلب تغييرًا وتبدلاً في المواقف، مما يؤثر في مركز رئيس العشيرة، ويفقده مصداقيته، بحسب الشيخ ماجد الكلابي في بابل (100 كم جنوب بغداد) أحد شيوخ الكلابيين في منطقة الفرات الأوسط ومناطق أخرى.


شيوخ وأبناء العشائر في العراق

وسيم باسم من بغداد: يتوارد في الوقت الحاضر الكثير من محاولات الاغتيال والاعتداء لوجهاء المجتمع بغية إحداث شرخ في النسيج الاجتماعي العراقي، وإحداث فوضى أمنية لتحقيق أهداف سياسية مبيتة. ورغم أن غالبية الحوادث لا تتبناها جهة معينة، فإن ضابط الشرطة أحمد حسن يرجعها في المقام الأول إلى جماعات مسلحة تتبنى موقفًا معاديًا من النظام في العراق، غير أن اعتداءات أخرى تعود إلى دوافع شخصية ونزاعات عشائرية.

ويرى الشيخ أحمد عبيد، رئيس فخذ ضمن عشيرة الزبيد في العراق، إن هناك من لا يريد للعشائر لعب دور أساسي، لأن بعض الجهات السياسية تعتقد أن تنامي النفوذ العشائري سيسحب البساط من الكثير من الأحزاب المتنفذة، مشددًا على أن غالبية الأحزاب والكتل السياسية تحاول توظيف العشائر في أجندتها السياسية بغية كسب الأصوات ليس أكثر.

أحدث حلقة في مسلسل قتل رؤساء العشائر اغتيال الشيخ رشيد الزيدان اللهيبي، شيخ عشائر اللهيب في العراق في الموصل خلال الأسبوع الماضي. وفي هذا الشهر أيضًا اغتيل شيخ عشيرة العزة وابنه في منطقة حمرين شرق تكريت (160 كم شمال غرب بغداد) بهجوم مسلح نفذه مسلحون مجهولون يرتدون الزي العسكري الحكومي ويستقلون سيارات حديثة عندما اقتحموا منزلهما وفتحوا نيران أسلحتهم الرشاشة عليهما في شرق مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين.

كما اغتيل العام 2006 شيخ عشيرة الكرامشة في البصرة (545 كم جنوب بغداد) في ظل ظروف غامضة، يرجعها كثيرون إلى أسباب سياسية.

التخبط الأمني
يعتقد الباحث السياسي والاجتماعي أحمد عبيد من جامعة كربلاء (105 كم جنوب غرب بغداد) أن القوى السياسية العراقية مسؤولة عن التخبط الأمني الذي ينال من وجهاء المجتمع، لأن هذه القوى وظفت العشيرة لأغراضها السياسية، وجعلتها هدفًا سهلاً للعمليات الإرهابية، بينما السياسيون ينعمون بالحمايات الأمنية، ويعيشون فيأماكن أمنية محصنة.

ويتابع: المرحلة السياسية تمخضت عن قبيلة يقودها (السياسي العشائري) الذي أصبح جزءًا من عملية سياسية بالغة التعقيد في ظروفها وملابساتها.
لكن عبيد يشير إلى أن دور العشيرة العراقية يتمدد إلى حواضر المدن، ويجعلها ضمن الماكينة السياسية للكتل السياسية، وبالتالي تصبح هدفًا سياسيًا واهنًا أمام الجماعات المناوئة للعملية السياسية.

ويحثّ عبد الحسين سلطان، رئيس عشيرة في النجف (160 كيلومتر جنوب بغداد) رؤساء العشائر على عدم الانجرار إلى أجندة السياسيين التي تحاول تسخير دور العشيرة لمصلحة السياسيينمن دون أن تقدم للعشائر دعمًا خدماتيًا وأمنيًا ولوجستيًا.

يعتقد سلطان أن سقوط مؤسسات الدولة بعد العام 2003 كان سببًا في صعود دور العشيرة في المجتمع، لكن القوى السياسية أدركت ذلك، وحاولت محاصرتها مثلما حاول نظام صدام حسين أيضًا محاصرتها بالتنظيمات الحزبية. ولا يستبعد سلطان أن بعض الاغتيالات والاعتداءات تقوم بها جهات تتلقى أوامرها من كتل سياسية.

العشائر لن تقف مكتوفة الأيدي
لكن سلطان يؤكد أن العشائر لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الهجمات التي تتعرّض لها، لاسيما أنها وقفت بقوة ضد الجماعات المسلحة والإرهاب طيلة عقد ويزيد منذ العام 2003. لكن الباحث الاجتماعي زيد حارث يرى أن هناك ضبابية تلفّ المشهد السياسي والاجتماعي العراقي، لاسيما أن النزاعات العشائرية كانت سببًا في مقتل الكثير من زعماء وشيوخ ووجهاء العشائر.

إلا أن بعض رؤساء العشائر آثر دخول السياسة من أوسع أبوابها، مما أعطى انطباعًا بأن العشيرة السياسية في العراق هي جزء من النظام، وبالتالي تنظر إليها الجماعات المسلحة باعتبارها هدفًا مشروعًا. ويشير الشيخ ليث الجبوري إلى أن من أمثلة الدور السياسي للعشيرة في بداية العام 2003 حضورها في التوسط لفضّ النزاعات بين أعضاء في النظام السابق وضحاياه.

لكن ما يقحم العشيرة في الأجندة السياسية هو أن بعض رؤساء العشائر توسط لدى كبار السياسيين والمسؤولين لتبرئة المجرمين والمذنبين، حيث تضررت جماعات مسلحة من هذا الدور.

السياسي ndash; العشائري
شهدت السنوات الماضية اغتيال العشرات من شيوخ العشائر في العراق في البصرة والموصل وكركوك وديالى، أبرزهم كان اغتيال شيخ عموم أحد أكبر قبائل الديوانية على يد جماعات مسلحة.

من الأمثلة على تداخل (السياسي ndash; العشائري) في إدارة المجتمع العراقي، أن أكاديميين ونخبًا مثقفة وسياسية يستعينون بالعشيرة لفضّ نزاعاتهم السياسية، كما يحدث العكس أيضًا حين يستعين البعض بالسياسة لحلّ خلافاته العشائرية والقبلية.

يروي سعيد حسن (وجه عشائري) أحد الحوادث التي عايشها حين استعان الصحافي المقتول عماد العبادي بقبيلته (عباده) فبعث رسالة قبل اغتياله إلى شيخ العشيرة عباس موجد العبادي، يشكو فيها تعرّضه إلى تهديد بالقتل لأكثر من مرة بسبب انتقاده للفساد في الحكومة.

وبحسب حسن أبدى الشيخ اهتمامًا بالموضوع، مبديًا استعداده للوقوف معه وحمايته، لكن الاغتيال كان أقرب، حيث قتل برصاصات أودت بحياته العام 2009. ويقول أحمد الساعدي، شيخ عشيرة في الديوانية، إن مدن الفرات الأوسط تشهد منذ العام 2010 حوادث اغتيال لشيوخ العشائر. ففي العام 2011 اغتيل في محافظة الديوانية شيخ عشيرة على يد مسلحين.

الجدير ذكره أن التنظيمات المسلحة تضع نصب أعينها في الكثير من العمليات التي نفذتها اغتيال وجهاء العشائر، كان أبرزها مقتل ستة من شيوخ العشائر السنة في بهو فندق في بغداد العام 2007 انتقامًا منهم لانضمامهم إلى القوات الأميركية والعراقية في محاربة القاعدة.