خلال شهر واحد أودى الاستخدام الخاطئ لمضخات الماء في العراق بحياة اربعة اشخاص في محافظة بابل (100 كم جنوب بغداد)، وفي مدينة الحمزة على بعد 30 كم جنوب مدينة الحلة عاصمة المحافظة لقي المعلم سعد السعدي حتفه هذا الاسبوع، وهو يحاول الحصول على الماء بواسطة (المضخة) الكهربائية عبر سحب الماء بالفم أولاً لحين وصوله إلى ماكنة الضخ حيث يبدأ بضخ الماء تلقائياً.


بغداد:في كل عام ومع قدوم الصيف، واتجاه المواطنين إلى المضخات للحصول على الماء، يكون البعض ضحية الاستخدام الخاطئ. وعلى الرغم منادعاءات الحكومة بأنها حققت الكثير من الانجازات في خدمات مياه الشرب الى السكان، فإن اغلب المواطنين يؤكدون أن لا تحسن ملحوظ ومستقر في أداء شبكات المياه.

ويسخر احمد كامل (مدرس) من الإعلام الذي يتحدث يوميًا عن مشاريع الأعمار، إلا أن المواطن لا يلمس ذلك بصورة فعلية على أرض الواقع. ويشير كامل بإصبعه إلى منشآت محطة ماء الهاشمية (25 كم جنوبي بابل) التي مضى عليها نحو ست سنوات، لكن لا احد يعرف متى ينتهي مثل هكذا مشروع لا تزيد مدة انجازه على السنة فيما اذا توفرت ارادة اكماله بعيدًا عن الفساد والصفقات.

موت فتاة

ويشير شاكر احمد من بابل أيضًا أنه فقد ابنته العام الماضي بسبب (مضخة المياه)، حين وضعت خرطوم المياه في فمها لتموت بفعل الصدمة الكهربائية.

صبية عراقية تبحث عن الماء في بركة آسنة

وفي كل المدن، فإن المحال الخاصة ببيع المضخات الكهربائية المخصصة لسحب الماء في البيوت، قد انتشرت بشكل ملحوظ، اذ يقول سعيد الزاملي إن مبيعات هذه المضخات لم تتوقف، فمازالت ازمة المياه تستفحل في الصيف على الرغم منابواق الاعلام التي تتحدث عن رصد الملايين من العملة الصعبة لهذه المشاريع.

ويضيف احمد: quot;تعب الإنسان العراقي من نقص الخدمات لاسيما الماء والكهرباء، وصارت تقتله حتى (ماكنات) الماء التي تعجز في الكثير من الاحيان عن التقاط القطرات من الأنابيب الرئيسية. ويعترف احمد أنه منذ العام 2003 فان نحو عشرين شخصًا فقدوا حياتهم بسبب (سحب المياه) من المولدات.

من جانبه، يشير الموظف الصحي جعفر حسن الى أن اغلب المياه التي (تمتصها) ماكنات سحب المياه، هي مياه ملوثة. ويتحدث ساخرأ : من لم تصبه صعقة الكهرباء فإنه سيمرض بالمياه. ويتندر بعض العراقيين على الحالة الصعبة التي يمرون فيها في الصيف، ساخرين من الساسة الذين لم يستطيعوا أن يفوا بوعودهم.

السخرية من السياسيين

ووصلت السخرية بين المواطنين إلى درجة أنهم يسمون مضخات الماء بأسماء السياسيين، في عدم قدرتها على امتصاص الماء من الأنابيب الجافة نسبيًا.

وفي الغالب تحتم الظروف الصعبة لاسيما في الصيف، إذ تصل درجات الحرارة إلى نحو 50 درجة مئوية، على المواطن العراقي عدم الاهتمام بوسائل الأمان التي تقيه مخاطر الكهرباء.

ويشير المهندس قحطان كامل إلى أن اغلب المدن مازالت تعاني نقصًا حادًا في المياه، متسائلاً عن مصير مئات المشاريع التي تعلن عنها الحكومة ولم تسفر عن نتيجة لصالح المواطن على أرض الواقع.

وتشير لمياء المتوكل الى أن مضخة المياه اصبحت مصدر خطر كبير في بيت كل عراقي، لكنه لا يستطيع الاستغناء عنها. وفي كل مرة تستعمل المتوكل المضخة حيث تسحب المياه بواسطة مضخة يدوية فإنها، تتوقع إصابتها بصعقة كهربائية في أي لحظة لاسيما حين تضطر الى استخدام فمها لكي تحصل على المياه.

ويشير الفني كريم احمد الذي يختص في تصليح المضخات وبيعها أن كثيرين فقدوا حياتهم بسبب هذه المضخات، لاسيما الأطفال الذين يعينون اباءهم في الحصول على الماء.

الضحية.. ثلاثة اطفال

وفي عام 2010 اودت هذه المضخات بحياة ثلاثة اطفال في مدينة المحمودية (15 كلم جنوب بغداد) خلال فصل الصيف.

وبسبب التماس المباشر لجسم الانسان بالكهرباء ووجود الماء، فان احتمال الموت من جراء التيار الكهربائي أمر مؤكد، لأن جسم الإنسان موصل جيد للتيار الكهربائي. كما اصيب الصبي سيف كامل بعوق في ساقه بعدما (ضربه) التيار الكهربائي عام 2001، حين (شفط) الماء بفمه من الخرطوم الخارج من المضخة.

ويشير اسعد حسن (بائع اجهزة كهربائية) إلى أن الاجهزة التي كان من المفروض أن توفر للإنسان الراحة أصبحت عبئًا عليه، إذ أن عدم استقرار التيار الكهربائي يعطل الأجهزة، مما يزيد من مخاطرها وأعبائها على الإنسان.

ويشير المهندس احمد كامل بإصبعه الى شبكة غير منتظمة وأكوام من الاسلاك التي تمتد بين الاحياء حيث تشكل خطرًا محدقًا بكل من يقترب منها. ويقول إن العناية الالهية انقذت ابنه قبل نحو شهرين من الموت بسبب مروره عند سلك مقطوع مما اوصل الكهرباء في جسمه وافقده الوعي.

ويتابع: quot;على الرغم من كل هذه الحوادث فإن المواطن لا يمكنه الاستغناء عن الاسلاك والأجهزة لأنها تمده بالطاقة الضرورية لمعيشتهquot;.

وفي عام 2010 التهم حريق دكان ابو عقيل بعد انفجار الأسلاك ومحول الكهرباء بجانب دكانه. وبحسب المهندس احمد عبيد فإن ما يزيد من الخطر المحدق أن الاسر تعتمد على الفتيان وحتى الاطفال في تشغيل مضخات المياه.

وبسبب عدم قدرة (المضخات) على سحب المياه، فإن الخطوة الأولى لتجاوز ذلك هو شفط الماء بالفم مما يتسبب في الموت اذا ما وصلت الصدمة الكهربائية إلى جسم الإنسان.

ولجأ بعض العراقيين إلى المضخة اليدوية بعدما حصد شفط الماء بأرواح كثيرين.

فشل المشاريع

لكن محسن الخفاجي (مختار محلة)، يؤكد أن ما يحدث (مسخرة) سببها السياسيون الذين فشلوا في توفير الخدمات للمواطن العراقي. ويتابع: quot;أي مواطن عراقي اليوم يشعر بالخذلان والألم وهو يرى اموال الشعب تهدر على مشاريع لم ترَ النورquot;.

وينتقد الخفاجي، الحكومات المحلية، والمسؤولين الذين صاروا يقلدون السياسيين الكبار في تأمين مصالحهم الشخصية، والاشتراك في مقاولات فاسدة، بينما الناس تتضور من العطش، وتتبرم من نقص الخدمات الأخرى.

ومثلما فقد العراقيون الأمل، في الحصول على كهرباء مستقرة، ومياه كافية، فإنهم في الوقت ذاتهيئسوا من تصريحات السياسيين فلم يعودوا يصدقونهم، بحسب احمد الشامي.

ويتساءل الشامي في هذا الصدد إنْ كان احد يصدق أن بعض المدن في العراق تحفر فيها الآبار في المنازل للحصول على المياه، إذ أن هذا الأمر لم يحصل حتى في أفقر الدول في العالم.

ويشير الباحث الاجتماعي عماد الجبوري إلى أن المواطن العراقي بدأ يرسم علاقة جدلية بين السياسة والخدمات، كما صار يتكلم جهرًا عن الفساد الذي ينخر هيكلية الحكومات المحلية.

عصابات

وبحسب الجبوري، فإن المواطن ينظر الى هؤلاء على أنهم مجرد (عصابات)، وهو يمتلك الحق في ذلك بسبب عدم قدرتهم على توفير ما يحتاجه المواطن، وفي الوقت نفسهفإن المواطن يرى بعينه كيف يزداد ترف المسؤولين.

ويرى الطالب الجامعي حميد النجفي أن كثافة الأسلاك الشائكة في الاحيان تمثل إدانة للسياسيين العراقيين. ويتابع: quot;أي طفل يموت بسبب مضخة المياه سببه الفساد والاهمال المتفشي بين المسؤولين داعيًا الى محاكمتهم قبل أن يعلنوا استقالاتهمquot;.

ويتحدث النجفي عن صعقة كهربائية تسببت في وفاة الطفلة شيماء احمد في كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) بعدما لامس جزء من رأسها سلكًا كهربائيًا معطوبًا.

وفي كل مدينة عراقية يتحدث المواطنون عن حوادث مؤسفة راح ضحيتها أبرياء من جراء مضخة الماء التي صارت نقمة، لابد منها في كل بيت.

ويمثل شح المياه في العراق، مشكلة كبيرة تجثم على صدور المواطنين في ظل انقطاع التيار الكهربائي الذي قد يستمر إلى عدة ساعات في اليوم الواحد.